الهامش والمهمّشون في اليمن

تمييز اجتماعي، وعوز اقتصادي، واعتلال ثقافي

الهامش في اللغة تمامًا هو الهامش في الوعي، فحين يُخرِج الكُتّاب ما هو زائد في المتون يكون مصيره الهامش (الحاشية)، رغم أنّ الحاشية هنا مرتبطة بالنص ومُعرِّفة به في كثير من الأحوال ولا يمكن الاستغناء عنها إجمالًا، وفي علم الاجتماع والدراسات الاجتماعية يصير المنبوذ والمعزول اجتماعيًّا، والفرد والجماعات غير المندمجة والمستبعدة، وغير المؤثرة، هي من تشير إلى الهامش. والأخيرة تقريبًا كانت هي الفاعل في هذا الملف، الذي راكمت عليه "خيوط" خلال السنوات الأربع الكثير من المواد في سياق اهتمامها بالفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع؛ وبأدوات كثيرة قاربت هذه القضية بحمولاتها الثقيلة؛ الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي لم يستطع اليمنيون التخلص منها لأسباب متعددة، ومنها محطات الصراع الطويل التي تتغذى على هذه التقسيمات. 

الحوامل المدنية الهشة التي تكونت هنا وهناك على مدى العقود الماضية جاءت الحرب لنسفها، لتعيد إنتاج مثل هذه التراتبية وتدويرها ليعاد توظيفها سياسيًّا واجتماعيًّا، لفرض منطق تقسيم المجتمع برمته بين سادة وعبيد.

معاينة هذه القضية في سياقها التاريخي لا يمكن فصلها، هي الأخرى، عن محطات الصراع السياسي الذي مرّت به اليمن في تاريخها الطويل، ابتداء من واحدة من المحطات التي أفرزت ظاهرة الهامش، ونعني هنا فترة الاحتلال الحبشي لليمن، والتي أعقبتها حالة الاسترقاق المعروفة، وتذهب بعض الدراسات إلى أنّ الظاهرة تعمّقت حين صار ذوو البشرة السوداء ضحايا الصراع السياسي في القرنين الخامس والسادس الهجريين بين الدولة النجاحية، وعلي بن مهدي من ناحية، وبين النجاحيين والصليحيين من ناحية أخرى. 

"وفي ظل النزاع المسلح القائم اليوم، زادت مظاهر التمييز، وظهر مؤشر انتهاكات بحق الفئات المستضعفة بشكل عام، ومنها المهمشون؛ نتيجة تعطل القوانين، وتدني مستوى الوعي، والتدهور الاقتصادي والفقر، وغياب الدولة"؛ كما تقول إحدى الحقوقيات المشمولات باستطلاعات "خيوط" في الملف. 

الهامش ليس لون بشرة ورثاثة ومساكن صفيح فقط، بل هو حمولة ثقيلة تشير إلى بعض المهن المحتقرة في بنية العقل غير المديني المتبطل، الذي يعتاش أصلًا على منتوج هذه المهن وكد أصحابها.

المهمشون الذين تعاين أحوالهم "خيوط"، بمواد جديدة أو مستعادة من مخزونها السابق، في هذا الملف، هم أولئك المحرومون من التعليم، ومن الحصول على الوثائق، والرعاية الصحية، ويزاولون مهنًا دونية يحتقرها الجميع في الوقت الذي لا يستطيعون فيه الاستغناء عنها. أولئك الذين يعيشون في مساكن الصفيح في قلب المدن وحوافها وفي الأرياف البعيدة، لكنهم غرباء فيها.

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English