تتعرض نسيم علي، للضرب والتعسف القهري من قبل غُرماء استباحوا قطعة أرض تمتلكها، تقول إنها ملك لوالدها المتوفَّى. نسيم علي محمد، من فئة المهمشين (35 عامًا)، امرأة مطلقة تعول ثلاثة أبناء، بكرها مُصاب بإعاقة دائمة، ولا تمتلك شيئًا سوى قطعة أرض في منطقة ذُبحان (جنوب مدينة تعز).
تقول لـ"خيوط": "بعدما التقيت بفاعل الخير الذي سيساعدني في عملية البناء لإيوائي أنا وأولادي، واشتريت الأحجار للبدء في عميلة البناء، داهم الغرماء الأرضية وكسروا الأحجار، وتعدّوا عليّ بالضرب المبرح حينما حاولت منعهم، تتحدث نسيم بصوت يغلب عليه الحسرة والألم والقهر.
تذكر نسيم أنها تعيش في منزل مهشم، شبه عارٍ تغمره مياه الأمطار المتساقطة، ويمتلئ أيضًا بالحشرات والأفاعي، وفوق هذا لا تسلم من الإهانات؛ كونها لا تستطيع دفع الإيجار في موعده المحدد.
تضيف: "أرغب برد اعتباري لأني تعرضت للضرب بدون وجه حق، يجب أن تنظر المحكمة إلى قضيتي بأني مواطنة يمنية لي حقوق في التقاضي مثلي مثل الآخرين، والأهم أن يجردوا معاملتهم لي من أي تمييز عنصري، بدون أي مماطلة كوني امرأة، وأيضًا "مهمشة" بدون حول لي ولا قوة".
بعد أن رفعت المواطنة اليمنية نسيم، قضيتها إلى المحكمة لم تستطع جلب محامٍ لها، وذلك بسبب ظروفها المالية الصعبة، كما أنها لم تستطع دفع "أتعاب القاضي"؛ لذا قضيتها موضوعة على رف التهميش ولم تلفت انتباه أحد.
نساء كثيرات يصنفهن المجتمع بالمهمشات وغيرها من المصطلحات التمييزية، يواجهن ممارسات صادمة وانتهاكات تجردهن من آدميتهن ومن أبسط الحقوق، حيث لا يتوقف الأمر عند الاعتداءات الجسدية التي تتخطى حدود الضرب المبرح والتعذيب، وسط صمت مطبق من المجتمع والسلطات المحلية التي كما يبدو، لا تُدخل هذه الفئة من اليمنيين ضمن اهتماماتها.
النساء في اليمن بشكل عام، يتعرضن للانتهاكات، غير أنّ المهمشات هن الأكثر انتهاكًا، وذلك بسبب التمييز العنصري، حيث وضع المجتمع هذه الفئة على رف منسي تمامًا.
كما اطلعت "خيوط" على العديد من المآسي لنساء يمنيات تعرضن لاعتداءات وتعنيف لأتفه الأسباب، إذ تحكي هدى، في العقد الرابع من عمرها، عن تعرضها للتوبيخ والضرب المبرح بسبب ما قيل لها من قبل أسرة إحدى الشخصيات النافذة في إحدى المناطق بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)؛ إنها تجرأت على تسمية مولودها الجديد باسم أحد أبناء هذه الأسرة. في حين تروي امرأة أخرى كيف رفضت السلطات المختصة قبول شكواها في مظلمة تعرضت لها من قبل أحد الأشخاص؛ لأنها مواطنة يتم تصنيفها من فئة "الأخدام" فكيف لها أن تتجرأ لتشكو بمواطن يحمل بشرة تختلف عن بشرتها.
معتقلات وانتهاكات
في السياق، أكد الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن، في بيان اطلعت عليه "خيوط"، أنّ إدارة أمن مديرية "الشمايتين" بمحافظة تعز، قامت بيوم 24 أغسطس/ آب الماضي 2023، بمداهمة منزل المواطنة (كفاية سعيد مقبل)، كما أدان الاتحاد عملية اعتقال (افتخار) و(ياقوت) من قبل جهاز الأمن السياسي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا بمحافظة تعز، وبشكل تعسفي بدون سبب يُذكر، سوى أنهن قدمن من منطقة الحوبان (شرقي تعز)، الواقعة تحت سيطرة سلطة "الحوثيين"، إلى المدينة.
حيث برر الأمن السياسي أنّ الأختين تورطتا في عملية استخبارات لدى جماعة الحوثي، إلا أنّ الاتحاد ينفي ذلك نفيًا قاطعًا، ويقول إن التهمة الموجهة للمعتقلات افتراء وكَذب.
يقول نعمان الحذيفي، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين، في اليمن لـ"خيوط": "عندما يُقدَّم إلينا أي انتهاك قانوي نقوم بتكليف محامين من الاتحاد لمتابعة المؤسسات الأمنية والقضائية"، مضيفًا: "في حال تعرضت أيّ مهمشة لأي انتهاك يتم إبلاغنا بواسطة "عقّال الحارات" أو المنظمات المهتمة، فيتحرك الاتحاد للمتابعة بهدف إنصاف هذه الفئة المستضعفة".
لكن ليس جميع الانتهاكات، يتم الإبلاغ عنها؛ لذا لا توجد إحصائية دقيقة لها، إذ يلفت الحذيفي إلى أنّ هنا الكثير من الانتهاكات ضد نساء المهمشين، مسكوت عنها لأسباب مخفية، لكن السبب الواضح هو استضعاف هذه الفئة.
تستمر الانتهاكات بحق المهمشات بالتوسع في الأماكن العامة، حيث يعملن كعاملات نظافة، ومتسولات. ويرى الحذيفي أن الانتهاكات ستستمر طالما هناك ثقافة تمييز وعنصرية مترسخة ضد النساء المهمشات، وسط تغافل الجهات المعنية والمؤسسات القضائية مع هذه الانتهاكات التي لا يمكن مواجهتها إلا بتشريع قانوني يحد من الأعمال العنصرية ضدّ "السود" في المجتمع اليمني بشكل عام.
المختص القانوني في قضايا المهمشين، صلاح أحمد، يؤكد في هذا الخصوص لـ"خيوط"، أنّ القوانين في القضاء اليمني الرادعة لانتهاكات مثل هذه، موجودة، خصوصًا الانتهاكات الجسدية والجنسية التي تتركب ضدّ نساء من فئة البشرة السمراء، لكن تطبيقها يرهق المواطن البسيط من حيث المتابعة في الأمن والنيابات.
يتابع: "اليمن بحاجة ماسة إلى قوانين أكثر سهولة ومرونة في الإجراءات والمعاملات بشكل عام، وبحاجة شديدة لقوانين تخص فئة المهمشين ذات تمييز إيجابي من أجل إدماجهم في المجتمع، وصولًا إلى إحلال المواطنة المتساوية، وليست كقانون فقط".
أما بنسبة للقوانين التي تدعم التمييز، فليس هناك أي قانون في اليمن يمارس التمييز ضد فئة المهمشين ونسائهم، لكن التمييز الاجتماعي المُمنهج يمنعهم من الوصول إلى سبل الانتصاف من الاستغلال؛ إذ يواجهون تعصبًا مُمنهجًا في النظام القضائي وداخل الحكومة المحلية والسلطات القبَلية.
واقع المهمشين
يطلق المجتمع اليمني على فئة أبناء البشرة السمراء لفظ عنصري وهو "الأخدام". وتتعرض هذه الفئة لأكبر استهداف وتمييز وعنصرية ممنهجة عبر التاريخ، حيث يتم معاملتهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية بل إنّ المهمشين يرون أنفسهم بأن معاملتهم من قبل المجتمع تصنفهم بأنهم ليسوا مواطنين على الإطلاق.
يعيش المهمشون على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في اليمن، خصوصًا نساءهم؛ فلكونهن الفئة الأشد ضعفًا، يتعرضن لانتهاكات متعددة، إضافة إلى كونهن نساء مهمشات أيضًا!
ويضيف المختص القانوني في قضايا المهمشين، صلاح أحمد: "النساء في اليمن بشكل عام يتعرضن للانتهاكات، غير أن المهمشات هن الأكثر انتهاكًا، وذلك بسبب التمييز العنصري حيث وضع المجتمع هذه الفئة على رف منسي تمامًا، وأن الانتهاكات التي تتعرض لها نساء المهمشين من قِبل المجتمع أو الأسرة تصل حد الاستغلال الجنسي والتحرشات وممارسة العنف ضدهن".
إلى جانب ممارسات التمييز المزمنة في المجتمع اليمني؛ ساهمت الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في توسع الانتهاكات بحق مواطنات ومواطنين يمنيين بسبب لون بشرتهم، إذ يشير أحمد إلى أنّ النساء هن الفئة الأشد ضعفًا؛ لذا يتعرضن لانتهاك الحقوق، فضلًا عن المهمشات، كونهن لا يحصلن على التعليم ولا على فرص عمل ولا على أي معاملة أخلاقية وإنسانية لائقة.
إضافة إلى عدم وجود برامج حكومية من أجل حماية النساء المهمشات وتأهيلهن والاهتمام بهن، الأمر الذي يعرضهن -بحسب هذا المختص القانوني- لهذه الانتهاكات المفزعة.
هناك الكثير من الانتهاكات التي ارتُكِبت في الفترة الأخيرة ضد المهمشات، وانتشرت قصصهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبقى هناك أيضًا الكثير من القصص المسكوت عنها.
وعلى مدى عقود مضت، يتعرض أبناء البشرة السوداء للتمييز الاجتماعي في اليمن، هذا التمييز حال بينهم وبين نيل حقوقهم، بل إنه أكسبهم نظرة قاصرة عن أنفسهم، حيث باتوا لا يدركون حقوقهم الكاملة ولا يسعون لاستردادها.
هذه النظرة الدونية تجعلهم يُصنَّفون ضمن الفئات الأشدّ ضعفًا في اليمن؛ لذا يتعرضون لانتهاك الحقوق بشكل علني وسري، خصوصًا نساءهم؛ كونهن يختلطن برجال المجتمع في سوق العمل، ويعملن بأعمال شاقة تناسب الرجال؛ مما يجعلهن أكثر عرضة للتعنيف والضرب والتعسف والتحرش وشتى أنواع الانتهاكات.