"نعيش نحن -المهمشين- حياةً صعبة وقاسية نتيجة النزوح والحرب التي زادت من حجم معاناتنا، إذ نزحت من تعز إلى إب، ومن ثم إلى مأرب لأستقر هنا، لكن الوضع صعب للغاية لا يستطيع أن يتحمل قساوته أحد"؛ يقول سعيد محمد، في منتصف العقد الثالث من عمره، من إحدى مخيمات النزوح بمحافظة مأرب.
يضيف سعيد في حديث لـ"خيوط: "تم تخصيص بعض المخيمات لنا كمهمشين، لكنها تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ولأدنى اهتمام من الجهات المعنية، لدرجة أنه حين تعرضت الخيمة التي أسكن فيها مع زوجتي وأبنائي الخمسة للحريق، ظللت في العراء وقتًا طويلًا إلى أن التفت المعنيون أخيرًا لمعاناتي الكبيرة. إلى جانب عدم قدرة أبنائنا على الالتحاق بالتعليم، بسبب النزوح والوضع الاقتصادي السيئ والعنصرية التي نواجهها على وجه التحديد كغرباء وذوي بشرة سمراء، كل هذه أسباب فاقمت من معاناتنا هنا في مأرب"، منوهًا أنه بالرغم من كل الصعوبات التي يواجهونها في مأرب فإنها قياسًا بما مروا به في محافظات أخرى تعتبر الأقل.
ويعيش "المهمشون" من ذوي البشرة السمراء في مأرب كغيرها من المحافظات اليمنية، أوضاعًا معيشية صعبة ومأساوية للغاية، في حين تسبب النزوح بتفاقمها فيما يتعلق الأمر بمن قدموا إلى مأرب نازحين ومشردين في مناطق المحافظة بدون مساكن تُؤْوِيهم، أو أعمال، كما هو الحال في بقية مناطق اليمن.
تتكرر المآسي في مخيمات النازحين بشكل مستمر ومن وقت لآخر، وهذا يعكس قصورًا في اتخاذ تدابير الاحتراز لحماية قاطنيها من المخاطر المحتمل حدوثها، مثل الحرائق والسيول. يتزامن هذا الإهمال مع شحة في الدعم الذي يحصل عليه المهمشون، إضافة إلى عدم مراعاة التضاريس والظروف المناخية الصعبة أثناء تخصيص وإقامة مخيمات النزوح.
الحرب والصراع في اليمن، تسبّبت في نزوح العديد من المواطنين اليمنيين، بينهم مهمشون، حيث استقبلت مأرب النسبة الأكبر منهم طوال السنوات التسع الماضية، جميعهم يعيش في ظل أوضاع مأساوية تتطلب تكاتف كافة جهود المنظمات الإنسانية والحقوقية لتقديم العون والمساعدة للمهمشين.
وصل عدد الحرائق في مخيمات النزوح بمأرب منذ مطلع العام الحالي 2023، نحو 118 حادثة حريق، تسبّبت وفق تقارير الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين بأضرار شملت حوالي 208 من الأسر، ووفاة 7 أشخاص، وإصابة 21 شخصًا معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
سياج التقاليد والإهمال
يسرد سعيد رؤية المهمشين في أسباب استمرار عزلتهم نتيجة رفض المجتمع قبولهم وإدماجهم بالرغم من محاولاتهم الجادة الانخراط في الحياة العامة والاجتماعية، متطرقًا إلى الرواية السائدة التي تحمّل "المهمشين" مسؤولية عزلتهم، إذ يرى أن المجتمع شريكٌ في كثير من ممارسات التمييز والنبذ بحقهم.
ويلفت إلى الطبقية الممارسة في المجتمع اليمني وحصر "المهمشين" في الأعمال التي يرفضها الناس في المجتمع، إذ إنّ المحظوظ -كما يتحدث سعيد- من يصبح منهم عامل نظافة، ولتغيير هذا الوضع يتطلب الأمر وجود قوانين فاعلة لتجريم التمييز بكل أشكاله، إلى جانب دعم فئة "المهمشين" على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي بما يساهم بدمجهم في المجتمع.
ويوضح مسؤول في الاتحاد الوطني للمهمشين، تحدث لـ"خيوط"، أنّ الحديث عن العزلة التي يعيشها المهمشون لا يمت للحقيقة بصلة؛ لأن معاناتهم الرئيسية تتمثل في التمييز والنبذ الذي يواجهونه، نتيجةً للطبقية وبعض التقاليد والعادات السائدة في المجتمع التي شكّلت حائطَ صدٍّ صلب أمام قيم المساواة بين المواطنين اليمنيين، فيما ستظل الإشكالية قائمة طالما غابت الدولة الضامنة للحقوق والحريات.
ويرى الناشط الحقوقي ردمان حميد، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ عملية دمجهم ليست بالأمر الممكن في المنظور القريب، ما لم تكن الدولة هي التي ترعى وتضمن حقوق الجميع، دون استثناء.
ويشير إلى أن ضعف إدماج فئة المهمشين وانخراطهم وإنتاجيتهم في سوق العمل، يعود إلى أسباب عدة، بعضها عوامل داخلية ترتبط بثقافة هذه الفئة، وبعضها الآخر متعلق بالسياسات المتعاقبة للحكومات في اليمن التي فشلت فشلًا ذريعًا في تنمية هذه الفئة ودمجها بالمجتمع.
أماكن غير آمنة
يؤكد الاتحاد الوطني للمهمشين أنّ الحرب والصراع في اليمن، تسبّبت في نزوح العديد من المواطنين اليمنيين، بينهم مهمشون، حيث استقبلت مأرب النسبةَ الأكبر منهم طوال السنوات التسع الماضية، جميعهم يعيش في ظل أوضاع مأساوية تتطلب تكاتف كافة جهود المنظمات الإنسانية والحقوقية لتقديم العون والمساعدة للمهمشين.
من جانبه يؤكد أيمن عطاء، المسؤول الإعلامي في الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين بمأرب، في حديث لـ"خيوط"، أنّ الوحدة التنفيذية تتعامل مع جميع النازحين بعين المساواة، حيث أنشأت الوحدة التنفيذية بالشراكة مع المنظمات العاملة في محافظة مأرب، مخيمات للنازحين لتوفير الإسكان المؤقت، إلى جانب تقديم الخدمات الأساسية لهم؛ كالغذاء والدواء والتعليم والمواد الإيوائية والحماية والماء والإصحاح البيئي والكهرباء، وبالرغم من كل هذه الجهود المبذولة، ما تزال الاحتياجات قائمة نظرًا لتدفق النازحين وتواضع التدخلات.
الجدير بالذكر أنّ مأرب وحدها تضم مئات الآلاف من النازحين من مختلف المناطق والمحافظات اليمنية، بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد؛ أي ما يعادل 62% من نسبة النازحين في باقي محافظات الجمهورية.
كما تقوم الوحدة التنفيذية، بحسب عطاء، في حالة حدوث حرائق في المخيمات؛ بنقل النازحين إلى أماكن آمنة، مثل المدارس والمكاتب الحكومية، ثم تقوم بمخاطبة كتلة المأوى وكتلة الصحة وكتلة الغذاء وكتلة المياه والإصحاح البيئي وكتلة إدارة المخيمات، لتوفير الاحتياجات الأساسية بشكل عاجل.
كما تشمل المساعدات توفير خدمات الإطفاء والإسعاف والمأوى المؤقت والمساعدات الإنسانية الأخرى، حيث تتنوع المساعدات المقدمة حسب الحاجة والقدرة على التنفيذ والموارد المتاحة.
تشمل التدابير التي تسعى الجهات المختصة بالنازحين في مأرب للعمل على تنفيذها، تغييرَ المأوى الطارئ بمأوى أكثر ديمومة، إضافة إلى إجراءات للوقاية من الحرائق وقسوة الطقس الصحراوي، وتقديم الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، والمساعدة في إعادة التوطين وتحسين ظروف المعيشة للنازحين، وفق حديث عطاء.
ويؤكد عدم إمكانية الفصل بين المهمشين وغيرهم من النازحين، فهم في نظر الوحدة التنفيذية سواسية، ويتم التعامل معهم من منظور إنساني واحد، حيث إنّ أغلب النازحين من فئة المهمشين موجودون مع بقية النازحين.
وتظل معاناة المهمشين في جميع مناطق اليمن، جزءًا من مشكلة عامة تداخلت فيها عوامل عدة، اجتماعية وسياسية واقتصادية، في الوقت الذي حرص فيه اليمنيون على إدارة شؤونهم بعيدًا عن البحث في أسباب اختلال علاقاتهم الاجتماعية.