"بينما كنت في الصف الخامس أدرس وأتدرب في مدرسة أكتوبر للتمهيد للمرحلة الثانية التي أدرس فيها بشكل رسمي، قاموا شلّوني (أخذوني) من بين زملائي، وما عاد خلوني أستمر في المدرسة، حيث كانت مديرة المدرسة تناديني بشكل دائم "مهمشة"، فأصابني ذلك بالحزن والإحباط، والابتعاد عن الدراسة".
هكذا تصف الطفلة أسمار سامي عياش (12 عامًا)، من سكان حي (دي لوكس) وسط مدينة تعز. ما جرى لها والذي أدّى إلى نفورها من التعليم وتسربها من المدرسة، بعد أن كانت في الصف الخامس الابتدائي حيث كانت تحلم باستكمال دراستها ونيل الشهادة الجامعية.
تقدر دراسة قامت بها منظمة مجتمع مدني نسبة الأطفال المهمشين الذي يدرسون بشكل مختلط في المدارس العامة في تعز، بنحو 5% فقط، بينما نسبة مماثلة يتلقّون تعليمهم في مساكنهم المعروفة باسم "المحاوي"، وهو ما يعتبره باحثون وناشطون في الحقوق المدنية، تمييزًا وممارسة عنصرية في عزل الأطفال ذوي البشرة السمراء في مدارس خاصة بهم.
التسرب وأسبابه
في السياق، يتساءل المواطن طلال حمود (35 عامًا) من سكان حي طلحة في مدينة تعز، في حديثه لـ"خيوط"، عن أسباب التعامل معهم بهذه الطريقة المتعجرفة، ولماذا لا يلتفت أحد لمعاناتهم، ويقول: "نحن معشر "السود" فقراء ولدينا أيتام، نحن بلا وطن وبلا دولة، مهمشين لم يفدنا أحد، ولم ينظر إلينا أحد. أين أصحاب الرحمة والفكر والوعي ينظروا إلى أصحاب الوجوه البريئة؟".
مكونات المجتمع بمختلف فئاتها ومنظمات المجتمع المدني عليها أن تعمل على إتاحة الفرص المتكافئة للفئات الأشد فقرًا، والبحث عن توفير بيئة آمنة متكافئة لتعليم الأطفال ذوي البشرة السمراء، وتشجيعهم على الاندماج الكامل والمشاركة الفاعلة في العملية التعليمية.
ويواجه المهمشون في جميع المناطق اليمنية تحديات وظروفًا صعبة نتيجة التمييز والنظرة الدونية للمجتمع، والتي وصلت إلى العملية التعليمية ودفعتهم إلى التسرب من التعليم والمدراس في وقت يستعد الجميع لبدء العام الدراسي الحالي في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا والتي لا تشمل هذه الفئة المحرومة من أبسط الحقوق والخدمات العامة.
الناشطة الحقوقية ريمان حميد علي، وهي مسؤولة في الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا (المهمشين) - فرع تعز، تقول لـ"خيوط"، إن تدني مستوى الوعي لدى أولياء أمور الأطفال بأهمية التعليم وعلاقته بمستقبل أفضل للطلاب وتحسين الواقع المعيشي الصعب الذي تعيشه الفئات الفقيرة والأكثر فقرًا؛ جعلهم غير مدركين ماذا يعني التعليم في حياة المجتمعات وتقدمها الاقتصادي والتنموي.
كما أنّ للتنمر الحاصل في المدارس من قبل زملائهم الطلاب، وفي بعض الأحيان من قبل المدرسين والمدرسات والممارسات التمييزية، أثره الكبير على تعليم المهمشين، إضافة إلى غياب الوعي المجتمعي بأهمية التعليم وضرورة دمج ذوي البشرة السوداء في المجتمع والعملية التعليمية.
وتؤكّد ريمان أنّ عدم امتلاك الأطفال شهادات ميلاد، وكذا عدم امتلاك معظم أولياء الأمور للوثائق (البطائق الشخصية)، من أهم أسباب تسرب الأطفال المهمشين عن التعليم والمدرسة، مشيرةً إلى أنّ انخفاض الدخل للأسر يجعلها غير قادرة على توفير مستلزمات التعليم للطلاب من الأساسي حتى الجامعي.
من جانبه، يرى مرزوق ياسين، كاتب صحفي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ وجود أطفال خارج أسوار المدارس في القرن الواحد والعشرين، وفي بلد يدّعي أنّه دولة ديمقراطية، يعد كارثة كبيرة، ولها عواقب كبيرة على الواقع الاجتماعي وتماسك واندماج المجتمع على أساس مبدأ المواطنة المتساوية.
وبحسب مرزوق، فإنّ هؤلاء الأطفال المحرومين من التعليم سيكونون في وضع صعب في المستقبل غير قادرين على مواكبة التقدم التكنولوجي المتسارع، إلى جانب عدم قدرتهم على الاندماج الاجتماعي؛ مما يؤدّي إلى مجتمع مفكك وغير مواكب للعصر ولا لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات الفقيرة والأكثر فقرًا.
تهيئة البيئة الآمنة
وتحث رئيسة مبادرة (سوا) للسلام والتنمية، فتحية محمد عبدالله، في حديث لـ"خيوط"، مكونات المجتمع بمختلف فئاتها ومنظمات المجتمع المدني، على أن تعمل على إتاحة الفرص المتكافئة للفئات الأشد فقرًا، والبحث عن توفير بيئة آمنة متكافئة لتعليم الأطفال ذوي البشرة السمراء وتشجيعهم على الاندماج الكامل والمشاركة الفاعلة في العملية التعليمية.
وتضيف أنّ الفئات الأشد فقرًا قابلة للتغيير والاندماج إذا كان هناك عمل حقيقي في أوساط تجمعاتهم السكنية، والتعرف على مشاكلهم الحقيقية، والبدء بعمل حلول صحيحة لتحسين وضعهم وحياتهم.
ويعتبر التعليم حقًّا أساسيًّا لكافة أفراد المجتمع، بمن فيهم الفئات الأشد فقرًا للمساهمة في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومنح الأفراد فرصة للعيش في حياة كريمة، وإحداث تغيير حقيقي في مجتمعاتهم، والحصول على فرص عمل وتحسين المستوى الصحي.
ويرى مازن جواس، استشاري طب الأطفال، وأستاذ طب الأطفال بجامعة حضرموت، أنّ هناك نوعين من التغيب عن الدراسة: التغيب الذهني، والتغيب الجسدي، ورغم خطورة الأول، يشكّل التغيبُ الثاني خطرًا أكثر، حينما يبدأ الطفل بالعمل، إذ إنّ ذلك قد يشتته ذهنيًّا ويصبح غائبًا وإن حضر بجسده.
ويزداد الأمر سوءًا حينما يتغيب الطفل كليًّا، وهنا يصبح عرضة للاكتئاب، خصوصًا في حال قارن نفسه بأصدقائه الذين لا يعملون، وهذا يدفعه لفقدان الثقة بنفسه والهروب الكلي من المدرسة.
الدور الحقيقي تجاههم
"يتجسد دورنا تجاه الأطفال في متابعة وزارة التربية والتعليم ومكاتب التربية في المحافظات، بتسهيل التعليم وإتاحته لجميع الأفراد في المجتمع"، كما يقول المدير التنفيذي للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا (المهمشين)، مرتضى الزكري، إذ يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ جهود متابعة وزارة التربية والتعليم تكللت بالنجاح خلال الفترة الماضية بإعفاء الطلاب والطالبات ذوي البشرة السوداء من الرسوم الدراسية والمساهمة المجتمعية من قبل وزير التربية والتعليم في حكومة صنعاء.
في حين أصدر مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة إب (وسط اليمن)، محمد درهم الغزالي، قرارًا يعفي بموجبه الطلاب والطالبات المهمشين من رسوم التعليم والمساهمة المجتمعية في كافة المدارس بمحافظة إب، بناء على توجيهات وزارة التربية والتعليم في صنعاء، لتشجيعهم على التعليم ودمجهم في المجتمع كونهم مواطنين يمنيين.
وتؤكد منظمة اليونيسف أن ما يقارب (1.3) مليون طفل هم خارج أسوار المدارس في اليمن، حيث كانت المنظمة الأممية المعنية بالطفولة قد حذرت سابقًا من ارتفاع العدد بسبب تعطيل العملية التعليمية خلال سنوات الحرب، والذي قد يصل إلى 6 ملايين طفل، بسبب الفقر والنزاع وانعدام الفرص.