يعمل في صندوق النظافة والتحسين بمدينة ذمار نحو (353) عاملًا وعاملة، جميعهم من فئة "المهمشين"، سبعة منهم فقط تولوا مناصب إدارية وسطية في إدارات الصندوق، جميعها مرتبطة بالأداء الوظيفي للعمال.
حتى من أصبحوا مدراء إدارات كانوا حتى وقت قريب عمال يزاولون عملهم في الميدان، رغم حصول بعضهم على شهادات جامعية، بحسب حديث يحيى عبيد لـ"خيوط"، مضيفًا أنّ المهمشين يتسربون من التعليم نحو سوق العمل ويعملون في أقل المهن دخلًا ولساعات طويلة في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، بعد أن تم حصر عملهم في "النظافة".
يحصل عامل النظافة، المثبت في كشوفات الموظفين الرسميين، على مبلغ 31 ألف ريال، كراتب شهري، بينما من يعملون بنظام الأجر اليومي –غير الرسميين- يحصلون على 20 ألف ريال شهريًّا، ومن يعملون في نظام الحوافز "المقلب" يحصلون على مبلغ يتراوح بين (60-70) ألف ريال في الثلاثة الأشهر.
تلك المبالغ الضئيلة لا تكفي لمتطلبات العيش الكريم، فضلًا عن مواجهة الأخطار الصحية التي يتكبدها العامل في مجال النظافة. يقول محمد رمضان، أحد مشرفي عمال النظافة - مسؤول مجموعة من العمال، لـ"خيوط": "لا يوجد تأمين صحي لعامل النظافة، وكل من يصاب بمرض يتم علاجه في المستشفى الحكومي - مستشفى ذمار العام، على نفقة الصندوق، لكن لا يتم تغطية كل الأمراض".
يصاب العامل بسلسلة طويلة من الأمراض المعدية لدى تعامله مع مخلفات المراكز الطبية أو المصانع، وسط افتقاره لأبسط أدوات الحماية.
ليس هناك تأمين، أو حتى أدوات حماية، رغم الأمراض والأضرار الصحية التي يتعرضون لها، أقلها عندما يتعرض عامل لجرح لدى جمعه مخلفات ورش الحدادة أو النجارة، يكتفي بمسحه أو يعمل له شاشًا أو معقمًا.
وفق أحد الأطباء العاملين في مستشفى ذمار العام -فضّل عدم ذكر اسمه- في حديثه لـ"خيوط"، فإن أمراض العيون، والحساسية، والأمراض الجلدية، تتصدر قائمة الأمراض التي يصاب بها عامل النظافة بشكل مستمر، مؤكدًا أن الآثار الصحية المترتبة على عمل عمال النظافة بالشكل الفوضوي الذي يحدث حاليًّا، يعرض حياتهم وأسرهم للخطر.
كما يشير إلى أن عامل النظافة معرضٌ وبشكل دائم للخطر والموت في أي لحظة، بسبب تعامله مع أنواع متنوعة من المخلفات الصلبة والسائلة، والكثير منها يحمل تهديدًا مباشرًا لحياته وأفراد أسرته.
مهنة شاقة وإمكانيات شحيحة
تدفع الظروف الاقتصادية الكثيرَ من فئة "المهمشين" للعمل في مجال النظافة، باعتبارها أسهل المهن التي يمكن أن يمارسها أيّ شخص، فضلًا عن الانغلاق المجتمعي الذي يتعامل بدونية مع هذه المهنة.
مدير قطاع النظافة بصندوق النظافة والتحسين بمدينة ذمار، منير الشاهر، يوضح لـ"خيوط": "نعمل بأقصى طاقتنا لتكون مدينة ذمار نظيفة"، مضيفًا: "لدينا 353 عاملًا وعاملة "كنس وخرش ونقل ومقلب" منهم نحو 20% إناث، وهو عدد قليل مقارنة بما تحتاجه مدينة ذمار لتغطيتها بشكلٍ كافٍ، إذ تحتاج إلى ما يقارب 600 عامل وعاملة، إضافة إلى معدات وآليات جديدة.
في العام 2019، تم تقييد حسابات وإيرادات صندوق النظافة بمدينة ذمار، بوزارة المالية التابعة لسلطة صنعاء، وتحول الصندوق من جهة إيرادية محلية مستقلة إلى أحد الأوعية الإيرادية المرتبطة بوزارة المالية.
ويحصل الصندوق حاليًّا على ميزانية شهرية من قبل الوزارة، وقبل ربط الصندوق بوزارة المالية كانت الإيرادات الشهرية تتجاوز 140 مليون ريال، لكن المبلغ الإجمالي الذي يتم توريده لوزارة المالية عبر صندوق النظافة والتحسين "معلومة سرية" لا يمكن الإفصاح عنها، وفق تعبير مسؤول حالي للصندوق، في حين يؤكد مصدر مطلع تحدث لـ"خيوط"، أن الإيرادات الشهرية تتجاوز 200 مليون ريال، بعد أن تم الإبقاء على عائدات الأسواق الحكومية بمدينة ذمار بيد السلطة المحلية بمحافظة ذمار.
ويبدي مدير قطاع النظافة بصندوق النظافة والتحسين بمدينة ذمار، أسفه لعدم وجود تأمين صحي للعمال، وما يُقدَّم لهم هي مساعدات مالية هي قليلة جدًّا، بالمقابل يتكفل العامل بالعلاج في حال إصابته بأي مرض، رغم أن الكثير منهم يصابون بالأمراض وهم يعملون في النظافة.
يقول شاهر: "مشكلتنا هي وزارة المالية، حيث خصصت مبلغًا ثابتًا للصندوق وبات لا يستطيع تنفيذ أي خطة أو برنامج أو حتى تطوير الأداء"، مردّدًا عبارة "نحن مقيدون" ثلاث مرات، أثناء حديثه مع "خيوط". مضيفًا: "رغم أن الصندوق يملك عددًا كبيرًا من الخطط والبرامج لتطوير العمل، التي تم إرسالها إلى المالية، فإنه لم يتم تنفيذ أيٍّ منها".
عمالة الأطفال
يقول هذا المسؤول في صندوق النظافة والتحسين، بذمار: "لو تعاملت وزارة المالية في صنعاء معنا، كما تتعامل مع مديرية واحدة في أمانة العاصمة، لكنا أفضل بكثير مما نحن عليه الآن".
ليذهب إلى ما هو أبعد من التأمين الصحي، ويتحدث عن "عمالة الأطفال الرسمية"، قائلًا: "لدينا عمال صغار السن، منهم لم يتجاوز 15 عامًا، كما أن بعض العمال تتجاوز أعمارهم 60 أو 70 عامًا، لهذا يقومون بإرسال أبنائهم أو بناتهم ليقوموا بأعمالهم، من باب استمرار المستحقات المالية، ووسط العجز في عدد العمال وتراكم الأعمال وحجم المخلفات، نضطر إلى القبول بهذا الوضع غير الطبيعي.
وبعيدًا عن العمال الأطفال، قفزت جهود أعمال النظافة كثيرًا في مدينة ذمار، لتصنع فرقًا كبيرًا خلال السنوات الماضية. في صندوق النظافة والتحسين بمدينة معبر، مركز مديرية جهران، عمال النظافة يتقاسمون الهم والوجع اليومي ذاته، ويعيشون ظروفًا اقتصادية ومعيشية متشابهة تمامًا مع عمال النظافة في مدينة ذمار.
نحو 40 عاملًا وعاملة، يقضون ساعات دوامهم اليومي وهم يجمعون القمامة والمخلفات بدون أي أدوات حماية أو تأمين. مسؤول سابق في صندوق النظافة بمدينة معبر، قال لـ"خيوط": "عمال النظافة الأقل دخلًا والأكثر عملًا، في حين يتوزع نحو خمسين موظفًا في الأعمال الإدارية الأخرى بالصندوق، ويتقاضون مبالغ أكثر من عمال النظافة"، مشيرًا إلى أنّ عامل النظافة هو الحلقة الأضعف في سلسلة العمل اليومي المرتبط بالنظافة والتحسين في ذمار أو معبر، والجميع يتكئ على أكتافهم وأعمالهم.
ليس هناك تأمين، أو حتى أدوات حماية، رغم الأمراض والأضرار الصحية التي يتعرضون لها، أقلّها عندما يتعرض عامل لجرح لدى جمعه مخلفات ورش الحدادة أو النجارة، فيكتفي بمسحها أو يعمل لها شاشًا أو معقمًا، وفق تعبير المسؤول السابق، في إشارة إلى مدى الإهمال الذي يلاقيه عمال النظافة.
القانون ومسؤولية التأمين
في تقدير المستشار القانوني والناشط المدني، عبدالكريم المصري، يجب على صندوق النظافة والتحسين بمدينة ذمار، التقيد بشروط العمل المنصوص عليها في قانوني "الخدمة المدنية والعمل"، من حيث الحقوق والواجبات المنصوص عليها بالقانون، مثل بقية الموظفين، لكن ما يحدث غير قانوني، خاصة في جزئية "التأمين على صحة موظفي وعمال صندوق النظافة"، كونهم يعملون في أعمال خطرة.
ويؤكد في حديث لـ"خيوط"، أنّ العمّال الموظفين بشكل رسمي، يخضعون لقانون الخدمة المدنية، بينما العمال الذين يعملون بنظام التعاقد أو الأجر اليومي ينطبق عليهم "قانون العمل" الذي يعمل على "حماية العمال بشكل عام، والمفروض قانونًا أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي المسؤولة عن تطبيق القانون".
في حين يحظر "قانون العمل" تشغيل النساء أو الأحداث في الأعمال الخطرة والشاقة المضِرة بالصحة، يجوب عشرات من صغار السن –دون الثامنة عشرة، جميعهم من فئة المهمشين- شوارعَ وإحياء مدينة ذمار، لجمع القمامة والقيام بالكنس والتنظيف، وهو وضع يراه المصري "غير صحيح".
يضيف: "بالنسبة للأحداث لا يجوز تشغيلهم إلا بموافقة ولي أمره وإشعار مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل. وفي جزئية الرعاية الصحية والتأمين الصحي لعمال وعاملات النظافة، بين المستشار القانوني عبدالكريم المصري، ضرورة تعاقد صندوق النظافة والتحسين مع أطباء متخصصين أو مؤسسة طبية لعلاج العاملين فيه، ويتحمّل نفقات العلاج ومستلزماته، ويجب على صندوق النظافة أن يُجري كشفًا طبيًّا للعمال قبل التشغيل وفتح ملف لكل عامل، حسب نص المادة 119 من قانون العمل.
كما يؤكّد أهمية أن يعمل صندوق النظافة -باعتباره جهة حكومية- على "التأمين الصحي" للعمال، بالإضافة إلى توفير الملابس الواقية لحماية العمال من التعرض للإصابات والأمراض المهنية.
واستعرض بعض الجوانب القانونية التي لا يلتفت إليها عمال النظافة، وهي "أنّ لديه إجازة سنوية مدتها شهر كامل بأجر، إضافة إلى إجازة مرَضية، بينما المرأة العاملة لديها إجازة مدتها سبعون يومًا أثناء الولادة وأربعون يومًا أثناء وفاة الزوج، بأجر"، لافتًا إلى أنّ العامل الذي يصاب بمرض مهني أو إصابة أثناء العمل يستحق إجازة بأجر كامل حتى يبت في حالته الصحية، وفقًا لقانون التأمينات الاجتماعية؛ لذا يتوجب على صندوق النظافة أن يقوم بـ"التأمين على العمال في حالة الشيخوخة أو الوفاة".