"المهمشون" اليمنيون "الأخدام" في الدراسات الاستشراقية

بين الدس الاجتماعي والتبشير السياسي
خيوط
December 4, 2023

"المهمشون" اليمنيون "الأخدام" في الدراسات الاستشراقية

بين الدس الاجتماعي والتبشير السياسي
خيوط
December 4, 2023
.

كثر الحديث والجدل حول أصول فئة المهمشين الذين درج تسميتهم بـ"الأخدام"، وتناولتها أقلام الكتّاب والباحثين والمؤرخين بالبحث والدراسة. ومن هذه الدراسات البحث الذي قام بترجمة نصه الإنجليزي إلى العربية الأستاذ عبده علي عثمان، وقد كتب هذه المقالة بالفرنسية كلٌّ من TH. ArnaudوVayssiere عام 1810، في Journal Asiatique ، وقامت بترجمة النص من الفرنسية إلى الإنجليزية ك. قرطبة.

يبدي الأستاذ عبده علي عثمان في الهوامش التوضيحية والناقدة التي وضعها على النص المترجم غرضَه من ترجمة هذا النص، فيقول: "من الدوافع الهامة لمحاولة ترجمة هذا الموضوع إلى العربية، إلقاءُ الضوء قدر الإمكان على فئة الأخدام، ثم وضع بعض الهوامش الضرورية لمناقشة بعض المعلومات التاريخية المحرفة التي تضمنها المقالة...، وقد لا نخطئ إذا اعتبرنا مقالة اغنو (كذا وردت، والصواب أرنود) وزميله شكلًا من أشكال الدس الاجتماعي، والتبشير السياسي، خاصة أن قوى الاستعمار الأوروبي كثيرًا ما استخدمت بعض العلماء والأنثروبولوجيين للتمهيد لطموحاتها التوسعية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في القرن التاسع عشر".

يستهل النص المترجم الحديث عن هذه الفئة، فيقول: "تعيش هذه الفئة الهامشية في مناطق مختلفة من اليمن، وهي جماعات يطلق عليها اسم "الأخدام"، وينم هذا الاصطلاح عن موقعها السياسي في هامش التركيب الاجتماعي.

كما يذكر أن نيبور عند زيارته لليمن ذكرهم إجمالًا، حيث رأى أسرة متجولة استقرت تحت شجرة تسير وراء بعض الحمير والكلاب والخرفان والدجاج، لكنه لم يعد يذكر اسم هذه الجماعة، وذكر أن فتاة كان وجهها مكشوفًا طلبت منهم المساعدة، إلا أنه شبه هذه الجماعة بالجماعات البوهيمية في أوروبا التي لا تعرف الاستقرار، والتي تقوم باستجداء الفلاحين، واستدرار عطفهم ليجودوا عليها ببعض الطعام. 

من بداية البحث، يُبدي الباحثان ظنونهما أنّ هذه الجماعة قد تكون من أسرة حميرية، وأنها ترجع إلى أصول هندية، كما يُبدي الباحثان عدم القدرة على تحديد المناطق التي تعيش فيها هذه الفئة، إلا أنّها لا تذهب أبعد من عسير، كما تتوجه في اتجاه الشرق من مناطق الجوف (وردت في المطبوعة الجون)، كما يلاحظ الباحثان أنّ أقسامًا من هذه الفئة متواجدة في المناطق التي كانت تخضع لحكم التبابعة في اليمن. 

يلاحظ كاتبا المقال أنّ هذه الفئة تختلف في ملامحها الفيزيقية عن بقية السكان، وهم متشابهون مع سكان الحبشة وسامهار الذي يرى فيهم ليفينغ سمات مشتركة مع الهنود. أما السمات التي يشترك فيها أفراد هذه الفئة مع سكان الساحل الإفريقي، فتتمثل في لون الشعر الأسود غير المتجعد، والأنف الروماني، والشفاه الغليظة، كما يتميز أفراد هذه الفئة عن بقية السكان بقامات أطول، ويميلون إلى السمنة بعض الشيء، كما هو الحال بالنسبة للأسرة الأفريقية والهندية، أما بقية السكان اليمنيين، فيتميزون بأجسامهم النحيفة، وملامحهم الحادة.

يتحدث كاتبا النص المترجم عن أصول هذه الفئة فيقولان، (ص269-270): "لقد تحدثنا مع بعض المثقفين العرب عن هذه الجماعات، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحديد أصولها بوضوح، وقد اكتفوا بذكر بعض القصص التقليدية، منها أن العرب قد دخلوا في حروب متعددة مع ملوك الحبشة، وقد أخضع الغزو الحبشي الأخير اليمن لحكمه مدة سبعين سنة، ولكن اليمنيون تمكّنوا بعد ذلك من طردهم والتخلص من حكمهم، وبقي عدد من العائلات الحبشية متناثرة في البلاد بعد خروج الأحباش، وقد أخضعت هذه الأسر، وعوملت كخدم وأقنان للأسر اليمنية، ولم يُكتفَ بذلك، بل تم التعامل معهم، وخاصة الموظفين منهم بقسوة، وأخضعت أسرهم لتعمل في مهنة الحلاقة، والتي أصبح يتوارثها الأبناء عن الآباء في هذه الجماعات". 

وهذا الافتراض تبنّته أيضًا الباحثة جلوبفسكايا ألينا، في بحثها عن "مسألة الفئات الدنيا في الهيكل الاجتماعي للمجتمع اليمني"، والذي قام بترجمته محمد البحر، ونشر في مجلة دراسات يمنية، بحسب الأستاذ محمد سالم شجاب. 

يفند الباحثان هذه الرواية بأن المسلمين استخدموا بعض الأحباش الذين بقوا على دين المسيحية كعبيد بحكم الصراع السياسي والديني حينذاك، ولكن لم يتحولوا إلى خدم ومغنين وحواة أو حلاقين.

كما يفند الأستاذ عبدالرحمن الحضرمي، والأستاذ عبده علي عثمان هذا الرأي بعدم وجود نص يدل على ذلك، لا في الكتب، ولا النقوش، ويذهبان إلى عدم وجود طائفة مغلقة تسمى بالأخدام قبل القرن السادس الهجري.

يذهب الباحثان إلى أن أسلاف هذه الفئة كانت قوية يومًا ما، وكانت عاصمتها سبأ، وهم ليسوا مجرد قبيلة من الأخدام، أو جزءًا من السكان قدموا مع الأحباش، وتعرضوا للاضطهاد بعد خروجهم.

وهما، وإن سلّمَا بالصراع بين جنسي العرب، والأحباش، فإنهما يجعلان الأحباش -أسلاف "الأخدام"- هم الحميريون، وهم أصحاب الأرض الأصليون الذين تمت هزيمتهم، أما العرب -في نظر الباحثَين- فطارئون على البلدة؛ إذ نزحوا إليها من شمال الجزيرة العربية، وقد ساعد الإسلام -في نظر الباحثين- بعد ذلك أيضًا على محو كثير من آثار الأخدام.

يقول النص المترجم، (ص 275): "أما الأخدام، فهم أول جنس حل في الجزيرة العربية، وبالأخص جنوبي الجزيرة، وقد أبيد بعضهم في بعض المناطق عن طريق النازحين الجدد في اليمن، وفي مناطق أخرى دحروا عن طريق الغزو".

لقد تمت هزيمة الحميريين- "الأخدام"، بحسب الباحثَين، على يد العرب الطارئين من شمال الجزيرة، وأبيدوا، وانتزعت منهم الملكية والأرض. وهذا ما يرمي إليه البحث، ويبني عليه أفكاره الأساسية. 

ويقول الباحثان في النص المترجم، (ص 272): "وليس من الصعب إثبات أن الحميريين في العربية السعيدة وهامرا في الحبشة من أصل واحد، وقد يكون من المحتمل أن الاسمين قد اشتُقّا من كلمة أحمر، ونشعر أن اسم إثيوبيا قد أطلقه اليونان على جزء من شرق أفريقيا، وعلى جنوب الجزيرة العربية، ويدل هذا الاسم بدقة على سمات وهوية الجنس المتميز في هذه المنطقة، وتدل النقوش التي وجدت في مأرب وأكسوم على أن لغة المنطقتين التي يفصلها البحر الأحمر بعض حروفها واحدة، ويحتمل اشتقاق اللغتين من لهجة واحدة أو من لهجتين متقاربتين، وقد اشتهرت اللغة الحميرية في الجزيرة بقيام الحضارة القديمة، ولكننا نجد هذه اللغة في اللغة المقدمة للمسيحيين الأحباش الجعز، وفي سكان لهجة سامهار أو الساحل الإثيوبي للبحر الأحمر. إضافة إلى ذلك يمكن أن يوضح لنا الأصل المشترك أسباب وجود قصة ملكة سبأ وسليمان في بلاد الحبشة، وفي الجزيرة العربية، وفي أماكن أخرى، وفي نقش يوناني وضعه الملك إيزانا في أكسوم، يقول عن نفسه: إنه ملك هامرا وريدان وإثيوبيا وسبأ". 

لكن المترجم الأستاذ عبده علي عثمان يفند في هوامشه الناقدة هذا الكلام، فيقول في الهامش (2)، (ص272): "يذكر المؤرخ الإثيوبي Sergew M. Sellassie في كتابه التاريخ القديم والوسيط لإثيوبيا، 1972: إن اليونان القدماء يطلقون اسم إثيوبيا على المنطقة الواقعة في شرق أفريقيا والتي تقع جنوب مصر. 

أما تشابه المظاهر الحضارية في اليمن وبلاد الحبشة؛ فهو نتاج تأثير الحضارة اليمنية وامتدادها إلى الهضبة الإثيوبية.

يقول الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه، في كتابه "تاريخ اليمن القديم"، (ص 165): "قامت مملكة أكسوم –كما هو معروف، وكما تدل آثارها الباقية- في الجزء الجنوبي من إريتريا، وأثبتت تلك الآثار بما لا يدع مجالًا للشك الروابطَ الوثيقة التي كانت تربط بناة تلك المملكة بالحضارة اليمنية؛ وذلك لأنّ أقدم النقوش التي عثر عليها حتى الآن في ذلك البر الأفريقي لا ترقى إلى أبعد من القرن الخامس قبل الميلاد، في حين تعود أقدم النقوش اليمنية إلى القرن العاشر قبل الميلاد تقريبًا، كما أنّ أقدم الأخبار الموثوقة عن مملكة أكسوم لا ترقى إلى أبعد من القرن الأول قبل الميلاد، في حين تعود أقدم نقوش عهد المكربين في سبأ إلى القرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا، وهكذا، فإن كل ذلك يشير إلى أن تلك المظاهرة الحضارية التي وُجدت في البر الأفريقي، والتي كانت لها خصائص المظاهر الحضارية عند اليمنيين، إنما حدثت بفعل هجرة من الجانب اليمني في وقت يمكن تقدير تاريخه من دراسة تلك الآثار ومقارنتها". 

تفسير آخر لأصول فئة "الأخدام"

يذكر الأستاذ عبده علي عثمان عن المؤرخ عبدالرحمن الحضرمي في دراسة له نشرها في مجلة الحكمة، في ثلاث حلقات: أغسطس – سبتمبر - أكتوبر 76، بعنوان "ضحايا الصراع السياسي في اليمن"، أن الأخدام هم ضحايا الصراع السياسي في القرنين الخامس والسادس الهجريين بين الدولة النجاحية، وعلي بن مهدي من ناحية، وبين النجاحيين والصليحيين من ناحية أخرى...، ويذكر الحضرمي أنّ سعيد الأحول وأخاه جياش من أبناء نجاح قد استندا إلى أبناء قومهم في استعادة الحكم، وقيام الثورة على الصليحيين، لكن حكم النجاحيين في آخر الأمر تفسخ بسبب وطأته الإقطاعية؛ ما أثار نقمة المواطنين والفئات التي لا تنسب إلى الموالي، فنشأت حركة جديدة بقيادة علي بن مهدي الرعيني عام 531هـ، الذي قال في إحدى خطبه: "فوَحقِّ الله العظيم على كل مؤمن موحد لأخدمنكم (وردت في المطبوعة: لآخذ منكم) بنات الحبشة وأخواتهم، ولأخولنكم أموالهم وأولادهم". 

لقد استطاع ابن مهدي في آخر الأمر القضاء على حكم النجاحيين، وتحويلهم إلى خدم، وليس إلى عبيد، ومن هنا استمر تقليد هذه الفئة عبر فترات مختلفة.

وقد مال إلى هذا الرأي الأستاذ عبده علي عثمان، وأخذ به ورجحه الأستاذ محمد سالم شجاب، في كتابه (علي بن مهدي ومأساة الأخدام في المجتمع اليمني). 

ملاحظة على ما كتبه الأستاذ محمد سالم شجاب:

ذكر الأستاذ شجاب أن صاحب مقال "الأخدام في اليمن؛ أصولهم وعاداتهم" هو الكاتب والرحالة الفرنسي أرنودو افاسبير، والصواب أن كاتب المقال اثنان، هما: أرنود، وفاسيير، بحسب المقدمة التي وضعها الأستاذ عبده علي عثمان على النص الذي وضعه المذكوران. 

  المصادر:

  1.  كتابات في التاريخ الاجتماعي للمجتمع اليمني، عبده علي عثمان، مركز الدراسات والبحوث، الآفاق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2011م. 
  2. علي بن مهدي ومأساة الأخدام في المجتمع اليمني، محمد سالم شجاب، مركز عبادي للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 2003م. 
  3.  تاريخ اليمن القديم، محمد عبد القادر بافقيه، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان - بيروت. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English