يمتهن عديدٌ من المهمشين ضربَ المرافع والطارات والطياس الجلدية في مناسبات الأعراس في لَحج وكثير من مناطق اليمن، ولهذا يقطعون مسافات طويلة، كما هو الحال في مضاربة لحج، من أجل إحياء الحفلات، مقابل أموال يتحصلون عليها من أُسَر المحتفلين بالمناسبة، وهذه المهنة التي تبث الفرح في الناس يتوارثونها أبًا عن جد.
حالما يسمع فايز المنقح (50 عامًا)، عن عرسٍ ما، يشدّ الرحال إلى محل تنظيمه، حاملًا معه مرفعه وطاسته، ويبقى يضرب عليهما طيلة فترة العرس، وحتى يُشعِر الآخرين في القرى المجاورة، ليتوافدوا إلى المكان.
بات ضرب المرفع اليوم إشارة وإشعارًا بوجود عرس في هذه المناطق، بخلاف ما كان يستخدم في الماضي، وتحديدًا في أسحار رمضان إعلانًا بدخول المواقيت، فقد اختفت هذه العادة تقريبًا من مناطق شمال لحج، بسبب التبدلات في أنماط الحياة، لتبقى عادة ضرب المرافع ملازمة للأعراس فقط.
طيلة يوم العرس وعلى مدى ساعات النهار والليل، يتجمّع العشرات من الحاضرين أمام فائز المنقح، يطلبون منه ضرب المرفع بعدة إيقاعات ينظمون عليها رقصاتهم الشعبية، مقابل القليل من المال الذي يوضع على قطعة قماش موضوعة أمامه، وعن المبالغ التي يتحصل عليها مقابل إحياء هذه المناسبات، يقول فائز إنّها قليلة وشحيحة في ظل الغلاء وموسمية هذه المناسبات.
يقول المنقح إنه يجيد إيقاعات تنظيم الرقصات على المرفع، ولكل رقصة سعرها الخاص، إما لوقتها أو لصعوبة إيقاعها، ومن هذه الرقصات: الشرح، والزردي، والرقصة والبدوية، والبرعة، والشامي، واللحجي، وهي الأنواع الشائعة من الرقصات التي يجيدها المنقح مع أقرانه من فئة المهمشين، وهو يزاولها منذ ثلاثين عامًا.
وعن المرفع الجلدي الذي يستخدمه خلال مناسبات الأعراس، قال فائز المنقح إنه لم يشترِه، وإنما ورثه من والده الراحل الذي غادر قبل أكثر من 25 عامًا ليواصل المسير بعده في هذه المهنة التي تكاد تكون المهنة الوحيدة المشتركة بين أبناء فئة المهمشين، ومنها يتحصلون على الأموال القليلة.
الأسعار الحالية لهذه المرافع الجلدية مرتفعة، وتباع غالبًا في مناطق تعز القريبة من نواحي المضاربة، لكن رفيقه في هذه الرحلة يرى أنه الأفضل من حيث المتانة والجودة. المعضلة في هذه المهنة -حسب فائز المنقح- أنّ الأعراس في هذه المناطق أغلبها موسمية وتجتمع في الأعياد، وتتلاشى الأعراس في غير مناسبات العيد الذي تكثر فيه الزيارات الأسرية، وتستغل لإحياء الأعراس.
وعن دور النساء المهمشات في إحياء الأعراس، يقول المنقح إنهن أيضًا يمارسن ضرب الدف في أعراس النساء، ويقمن بجمع المال في أحد الأغطية، وفي نهاية العرس يتم توزيعه عليهن بالتساوي، وهذا المال تدفعه صاحبة العرس أو ما يتبرع به الضيوف، ويسمى شعبيًّا هنا بالجائزة، وما يجب التنويه إليه هنا هو (بَخس) أصحاب الأعراس عملَ المهمشين في العرس.
يظل الدف والمرفع وسيلة من وسائل متعددة، يتمسك بها المهمّشون كمهنة يتوارثونها نساء ورجالًا، جيلًا بعد جيل، في مجتمع ينظر بدونية لها، رغم ما تبثّه من بهجة في النفوس وقت الأعراس والمناسبات الفرائحية، وفي سبيلها يتحمّلون الكثير من متاعب التمييز والبخس.