تُظهِر إحصائيات الأمم المتحدة أن فئة المهمشين في اليمن تعاني من ارتفاع مقلق في معدلات الأمية، حيث تصل إلى نحو 92% في أوساطهم، حيث تتواجد هذه الفئة في مناطق مختلفة من الجمهورية اليمنية، وتعيش في ظروف معيشية صعبة، ويسكن معظمهم أكواخًا من الصفيح، مما يبرز حجم الفقر والتمييز الذي يعاني منه هؤلاء الأفراد.
بالرغم من التحديات، بدأت بعض الأسر تدفع بأبنائها نحو التعليم، وتمكن بعضهم من الوصول إلى التعليم الجامعي، كما تشير إحصائية صادرة عن الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا، فقد بلغ عدد الطلاب والطالبات الجامعيين في السنوات الست الأخيرة، نحو 126 طالبًا وطالبة.
ومع ذلك، لا تزال الأغلبية العظمى منهم خارج أسوار التعليم، مما يجعلهم غير مدركين لأهمية التعليم في تغيير واقعهم والخروج من حلقة الفقر والعزلة الاجتماعية.
التمسك بالأحلام والأهداف
يتخذ الكثير من الأهالي قرار ترك أبنائهم التعليم؛ لمساعدة أسرهم بدلًا من الدراسة، في ظل نقص الوعي والافتقار إلى أبسط الخدمات العامة الضرورية للتعليم، يأتي ذلك بالرغم من أن القانون اليمني يكفل حق التعليم للجميع دون تمييز. لكن بالمقابل، هناك نماذج، ولو كانت محدودة في هذا الجانب، ممّن تميّزوا بالعزيمة وتحدي الصعوبات لاقتحام التعليم الجامعي.
تواجه سعيدة صعوبةً بالغة في توفير مستلزمات الدراسة الجامعية، مع ذلك تقول: "لم أستسلم؛ من أجل الوصول لما أريد، في بعض الأوقات لا أستطيع توفير مواصلات للجامعة، ولكن أحاول وأعمل جهدي من أجل تحقيق هدفي، وأكون محامية في المستقبل القريب، لكي أدافع عن حقوق المظلومين".
في سياق حديثها عن تجربتها في التعليم الجامعي، تقول هاجر فهمان، خريجة حديثة من كلية الطب وتعمل مساعدة طبيب، لـ"خيوط": "أشعر بارتياح كبير بعد أن تحقق حلمي وتخرجت وصرت مساعدة طبيب؛ التعليم يجعل الإنسان يشعر بقيمته الحقيقية بين المجتمع"، مضيفةً: "سأكون عند حسن ظن الجميع، وسأعمل كل ما في وسعي لخدمة وطني ومجتمعي."
من جهته، يوضح محمد قائد، طالب في كلية الآداب بجامعة تعز، في السنة الرابعة بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها، لـ"خيوط"، أن التعليم الجامعي يمثل خطوة أساسية نحو النجاح، كما يقول: "إذا لم يكن التعليم جامعيًّا، فلا يساوي شيئًا. علينا التمسك بأهدافنا وأحلامنا للوصول إلى ما نريد."
هناك كذلك من يتحدث باهتمام عن الصعوبات التي واجهها في البداية، مثل أحمد، حيث كان يشعر بأنه غير مؤهل للجامعة، لكنه قرر الالتزام بمزيد من الجهد، وفقًا لحديثه: "مرت الأيام، وطلب مني أحد الأساتذة تكليفًا، حاولت، لكن لم أكن أفهم شيئًا خلال المحاضرات، فقررت أن أوقف الدراسة وأتعلم بشكل مكثف".
كانت النتيجة -كما يقول- عودة قوية مع مركز متقدم في دخوله الجامعة، الأمر الذي مكّنه من أن يصبح أحد الطلاب الأوائل في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.
الفخر الممزوج بالمعاناة
رغم التحديات والصعوبات الاقتصادية، يستمر العديد من الطلبة في العمل والدراسة في وقت واحد، إذ يُعد رشيد نموذجًا لذلك، حيث قام بتدريس اللغة الإنجليزية لتحقيق دخل يُساعده في دراسته وتقوية مهاراته.
يؤكد الطالب في كلية الآداب بجامعة تعز، رشيد أحمد، لـ"خيوط"، أن التعليم الجامعي يشكل مرحلة حاسمة للتغلب على مخلفات الجهل والعنصرية، مضيفًا: "هدفنا هو مواصلة الطريق حتى نيل شهادة الدكتوراة، لنصبح فخرًا لأبناء جلدتنا."
يعبّر الحاج أحمد، والد الطالب رشيد، عن مشاعره تجاه إنجاز ابنه، حيث يقول لـ"خيوط": "أنا فخور جدًّا بابني، وكم حلمت أن أراه خريجًا؛ لقد سهرت من أجله الليالي، وعملت في كل الأعمال لأوفر له مصاريف التعليم. اليوم أصبح ابني لا فرق بينه وبين أي طالب آخر من أبناء المجتمع."
يستذكر الحاج أحمد معاناته في الماضي: "زمان، كنا نحلم بالحصول على التعليم، وبقينا معزولين عن المجتمع، نعمل ليلًا ونهارًا لتوفير لقمة العيش للأطفال. لم نجد من يساعدنا، وبقينا خارج التعليم. العمل نور والجهل ظلام."
مفاتيح العدالة الاجتماعية
نجاحُ الكثير من المهمشين في تجاوز الصعوبات والتحديات والالتحاق بالتعليم الجامعي، له تأثير إيجابي يحقق الوعي في أوساطهم. عبدالله سرحان، مدير الخدمات الطلابية بجامعة تعز، يؤكد في هذا الصدد لـ"خيوط"، أن التعليم الجامعي يحقق عدالة اجتماعية من خلال التنافس على المقاعد في الكليات المتقدمة العليا، مثل كلية الطب، وكلية الهندسة، وتجري الامتحانات بشفافية تامة.
يشير سرحان إلى أن التعليم يخلق وعيًا لدى مثل هذه الفئة المهمشة، وتدفع بهم أكثر إلى الجامعة، لافتًا إلى أن الأعوام القليلة الماضية شهدت -كما يلاحظ- تزايدًا تدريجيًّا سنويًّا للتعليم الجامعي في أوساط فئة المهمشين، وهناك عدد لا بأس به من مختلف المناطق، إضافة إلى أن كل من وصل وتعلم يدفع أخاه أو قريبه أو جاره، وهذا مؤشر نجاح مهم وملموس.
غير أن سرحان يتمنى ويأمل من المنظمات والمنسقية العليا للفئة، أن تكثف إعلانها داخل وخارج المدينة والمناطق الصيفية، بما يخص التعليم الجامعي والمقاعد المجانية.
حواجز قد تعيق إكمال التعليم
تصر سعيدة أحمد، طالبة في كلية الحقوق بجامعة تعز، على عدم الاستسلام للعوائق والصعوبات والتحديات التي تقف أمام تحقيق حلمها، فالتعليم -وفقًا لحديثها لـ"خيوط"- "مستقبلنا الواعد، وبدونه لن ننجز شيئًا في الحياة".
تواجه سعيدة صعوبة بالغة في توفير مستلزمات الدراسة الجامعية، مع ذلك تقول: "لم أستسلم؛ من أجل الوصول لما أريد، وفي بعض الأوقات لا أستطيع توفير مواصلات للجامعة، ولكن أحاول وأعمل جهدي من أجل تحقيق هدفي، وأكون محامية في المستقبل القريب؛ لكي أدافع عن حقوق المظلومين".
في السياق، يقول رئيس الاتحاد الوطني للفئة الأشد فقرًا في اليمن، نعمان الحذيفي، لـ"خيوط": "نحن فخورون جدًّا بوجود كوكبة من أبنائنا وبناتنا خريجين في مختلف كليات التعليم الجامعي"، ومن المهم -وفقًا لحديثه- أن يجد خريجو الجامعات فرصتهم في التوظيف، معبرًا عن أمله في أن تعمل الحكومة على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، باعتبار الالتحاق بالوظيفة العامة حقًّا مكتسبًا لكل أبناء الوطن.
ويؤكد الحذيفي أن التعليم بكافة مستوياته، بما في ذلك التعليم الجامعي والعالي، يمثل أحد أهم أدوات التغيير الإيجابي والإدماج الاجتماعي، ويعزز المشاركة في الحياة العامة والوصول إلى مواقع صنع القرار على قدم المساواة مع بقية فئات المجتمع اليمني.