لا تزال الغالبية العظمى من فئة ذوي البشرة السمراء، ممن أصبح يطلق عليهم مؤخرًا "المهمشين"، يعيشون في أكواخ مبنية من الصفيح والأحجار الصغيرة وإطارات السيارات؛ ويسكنون في مجاري السيول وأطراف المدن، وتفتقر منازلهم إلى أبسط الخدمات العامة.
لا يستطيعون شراء منازل خاصة بهم، ولا يمتلكون المال الكافي أو الأعمال التي تجعلهم يشترون الأرض ويبنون المساكن الملائمة للعيش، إذ حدد المجتمع أنه ليس من حقهم امتلاك العقارات، وليس بالأمر السهل على ذوي البشرة السمراء امتلاك المساكن، بسبب التمييز الممنهج الذي يمارس ضد هذه الفئة منذ عشرات السنين.
عبده غالب الزارعي، أحد المستفيدين من مشروع مدينة الوفاء (المدينة السكنية) في منطقة البعرارة، بمدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، يعمل في مدرسة لجمعية خيرية في هذه المدينة السكنية لتعليم الأطفال والنساء والفتيات القراءة والكتابة، إذ يقول الزارعي لـ"خيوط": "نبذل جهودًا كبيرة لتعليم أبناء هذه الفئة ونسائها في محو الأمية وفي بعض الجوانب التعليمية الأخرى، ونهدف إلى التوسع في ذلك".
خلال السنوات الماضية، تم بناء ثلاث مدن سكنية للمهمشين في اليمن؛ مدينة سعوان في العاصمة صنعاء، وتحتوي على (2250) وحدة سكنية، وفي تعز قامت منظمة فرنسية ببناء مدينة سكنية تضم 96 وحدة سكنية، إضافة إلى مدينة الوفاء في البعرارة وسط مدينة تعز، وتحتوي على 244 وحدة سكنية بُنِيَت بتمويل من البنك الدولي.
يشرح رئيس جمعية تنمية من أجل الدمج، والناطق الرسمي للاتحاد الوطني للفئة الأشد فقرًا (المهمشين)، عبدالغني عقلان، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ عدد المستفيدين من المدن السكنية الثلاث يبلغ (14800) نسمة، وهي نسبة قليلة جدًّا من إجمالي عدد "المهمشين" في اليمن، الذي يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة، لا يزال الغالبية العظمى منهم -وفق عقلان- يعيشون في الأكواخ الصغيرة وهم بحاجة إلى بناء مساكن تقيهم من حرارة الشمس وصقيع البرد، وتهيئ أطفالهم للتعليم أسوة ببقية الأطفال اليمنيين.
هناك أثر إيجابي للمدن السكنية في اندفاع الأطفال نحو التعليم والالتحاق بالمدارس، واختفاء نسبة التسرب لدى الأطفال، خصوصًا عندما تكون هذه المدن قريبة من المرافق التعليمية والمدارس الحكومية.
يضيف عقلان؛ أنّ تعلُّم الأطفال قبل الانتقال إلى المدينة السكنية في منطقة "البعرارة" بتعز، كان متدنيًا جدًّا، وكان هناك نسبة قليلة جدًّا من الأطفال الذين يجيدون القراءة والكتابة، والأغلبية خارج العملية التعليمية، إضافة إلى عدم الاهتمام بتعليم الأطفال من الدولة نفسها، ويتم التعامل معهم كمهمشين منسيين من كافة الحقوق المدينة.
اندفاع نحو المدارس
انعدام المرافق التعليمية في تجمعات "المهمشين" أو وقوعها في مناطق بعيدة من المرافق الخدمية، له تأثير سلبي على العملية التعليمية للأطفال ذوي البشرة السمراء؛ إذ لا يزال التعليم في التجمعات السكنية الخاصة بهم، من أهم المشكلات التي يواجهونها.
يقول فوزي مهيوب، ناشط حقوقي في أوساط "المهمشين"، لـ"خيوط": "هناك تدنٍّ ملحوظ للعملية التعليمية داخل التجمعات السكنية الخاصة بـ"المهمشين"، وغياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية والمنظمات العاملة في هذا المجال، فالعلم أساس التنمية، وهو المخرج الوحيد للاندماج الاجتماعي".
يضيف مهيوب أنّ السكن محفز أساسي للتعليم بنسبة 100%، ويعتبر السكن الملائم من أهم العوامل الأساسية للتحصيل العلمي، حيث يقود الطالب للتركيز أثناء المذاكرة والمثابرة في التعليم.
بعد الانتقال إلى المدينة السكنية، أصبح لدى أولياء الأمور صحوة تجاه التعليم والدفع بأبنائهم إلى المدارس، حيث وصل عدد الأطفال الملتحقين بالتعليم في العام الماضي 2022، إلى ما يقارب 72 طالبًا وطالبة في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، معظمهم في مدرسة جعفر، ومدرسة الإحسان في مدينة النور.
يؤكّد غسان سعيد مرشد، عاقل مدينة "الوفاء" السكنية لـ"خيوط"، أنّ 80% من الآباء والأمهات يحرصون على تعليم أطفالهم ومتابعتهم، مشيرًا إلى أنّ هناك صحوة تغيير، ورغبة شديدة في الالتحاق بالصفوف الدراسية، حيث تم تجاوز الكثير من الصعوبات والتحديات قبل الانتقال إلى المدينة السكنية.
ويتطلع مرشد إلى أن يزيد عدد الطلاب والطالبات كل عام أكثر من العام الذي يسبقه، إذ إنّ هناك بعض الجمعيات الخيرية تقوم بتوفير جزء من المستلزمات التعليمية للأطفال الأشدّ فقرًا واحتياجًا بقدر الاستطاعة، مع العلم أنّ بعض الأسر يدرِّسون أطفالهم في مدارس أهلية خارج المدينة السكنية.
من جانبها، تشدّد هدى الشرماني، مديرة مدرسة جعفر الواقعة في مدينة النور القريبة من المدينة السكنية، في حديثها لـ"خيوط"، على الأثر الإيجابي للمدن السكنية في اندفاع الأطفال نحو التعليم والالتحاق بالمدارس، واختفاء نسبة التسرب لدى الأطفال، خصوصًا عندما تكون هذه المدن قريبة من المرافق التعليمية والمدارس الحكومية. وتشير الشرماني إلى أنّ أكثر من 35% من الأطفال الملتحقين بالمدرسة يسكنون في المدينة السكنية الواقعة في البعرارة، وكذا في مدينة "النور"، وهذا يعد مؤشرًا لأهمية المدن السكنية في تعليم الأطفال المهمشين.
ضرورة للتخلص من العزل
في السياق، تقول الناشطة الاجتماعية، منى الجمل، رئيسة منظمة نسوية في مدينة سعوان بالعاصمة صنعاء، لـ"خيوط"، إن المدن السكنية للمهمشين ضرورة ملحة، وهي عامل أساسي للاهتمام بالتعليم؛ حيث يشعر الآباء والأمهات بضرورة دفع أطفالهم إلى المدارس طالما توفر المسكن الآمِن واللائق للإنسان.
تضيف أنّ امتلاك منازل خاصة يساهم في تغيير النظرة الاجتماعية تجاه أبناء فئة المهمشين، وكذا تجاه الطلاب والطالبات في المدارس، حيث يصبح من السهل استخراج شهادات ميلاد ووثائق للآباء والأمهات؛ لأن السكن عنوان رسمي للإنسان، وبالتالي تحل كافة الصعوبات والمشكلات التي كانت قائمة من قبل.