من اسمٍ كبير في عالم رياضة الجودو في اليمن، إلى حمّالِ بضائع بالأجر اليومي في سوق الأدوية بـ(الأجينات) والأسواق القريبة منها بمدينة تعز، هكذا تحولت حياة البطل اليمني هشام البليهي، ذي الخمسة والثلاثين عامًا، بعد أن حصد في مشواره الطويل العديدَ من الألقاب والميداليات، ليجد نفسه اليوم يحمل البضائع تحت ضغط الحاجة وأعباء الحياة اليومية، بعيدًا عن الأضواء التي كان يستحقها.
بدأت قصة هشام مع الجودو في سن مبكرة، حيث أظهر موهبة استثنائية في هذه الرياضة، أثناء تدريبه في إحدى النوادي الشعبية في مدينة تعز.
يقول هشام في حديث لـ"خيوط": "في عام 2000، بدأت مسيرتي مع الجودو، التي لم تكن تحظى بشعبية واسعة آنذاك، لقد كنتُ متميزًا وهذا ما شجّع مدير نادي الشهاب الشعبي، على ترشيحي للالتحاق بنادي الصقر الرياضي المعروف، بعد أن أعجب مدرب نادي الصقر بالأداء الذي نقدّمه، ومن خلال ناديي الجديد الصقر، أتيحت لنا فرصة المشاركة في بطولات محلية".
من بوابة نادي الصقر، مثّل هشام الناديَ في بطولة الجمهورية الأولى لرياضة الجودو للأندية، ليحصل على المركز الأول في البطولة، "كانت أول مشاركة لي في بطولة محلية، وسعيدٌ جدًّا أنني مثّلت نادي الصقر، ومن أول مرة نلت الميدالية الذهبية"؛ يضيف هشام.
سريعًا ما أصبح اسم هشام لامعًا في الساحة الرياضية اليمنية، وحقّق العديد من الإنجازات على المستوى المحلي؛ إذ حصل على عشر ميداليات ذهبية، وأخرى فضية وبرونزية، خلال مشاركاته في بطولات الجمهورية للجودو.
لم يكتفِ هشام بالإنجازات المحلية، بل تجاوزها إلى العالمية، حيث مثّل منتخب اليمن في العديد من البطولات الخارجية، وحقّق نتائج مشرّفة، ليحصل على اثنتَي عشرة ميدالية ذهبية متنوعة، أبرزُها حصوله على الميدالية الفضية في بطولة العالم للجودو، التي أقيمت في كازاخستان.
بالإضافة إلى الإنجازات الشخصية التي حقّقها وهو لاعب، حقّق الكثير أيضًا من البطولات وهو مدرب لمنتخب الناشئين في رياضة الجودو. يقول هشام لـ"خيوط": "أفتخر بأني مثلت اليمن في مختلف دول العالم، شاركت في بطولات أقيمت في الأردن، وسوريا، والتشيك، وبيلاروسيا، وتركيا، وكوريا، والكثير من البلدان، وبعد حصولي على شهادة رسمية بأن أصبح مدربًا لمنتخب الناشئين، حصد فريقي الكثيرَ من الألقاب والأوسمة".
تزداد الأعباء يومًا بعد آخر على عاتق هشام، خاصة بعد أن تزوج وأصبح لديه ثلاثة أطفال؛ الأمر الذي جعله يخرج مجبرًا، للبحث عن مصدر دخل آخر يُمكّنه من توفير احتياجات أسرته، ولأنّ المهنة التي سخّر لها سنين حياته هي رياضة الجودو، والتي -كغيرها من الرياضات في اليمن- تعاني من الإهمال والنسيان، اتجه إلى العمل حمّالًا للبضائع بالأجر اليومي.
بطل منسي
وعلى الرغم من مسيرة اللاعب والمدرب الحافلة بالإنجازات، على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فإنه وجد نفسه غير قادر على توفير لقمة العيش لأسرته، حيث ظلّ طيلة هذه السنوات معتمدًا على راتب ضئيل يُقدّر بثلاثين ألف ريال (15 دولارًا تقريبًا)، يتقاضاه من صندوق النظافة والتحسين في تعز، جراء عمله مشرفًا على عمّال النظافة في الصندوق. "كنت أسافر وحيدًا إلى البطولات، وأنا أحمل على عاتقي آمال شعب بأكمله"؛ يقول هشام، مضيفًا بحسرة: "كنت أرى اللاعبين من الدول الأخرى يعيشون حياة كريمة، بينما أنا أصارع من أجل لقمة العيش".
تزداد الأعباء يومًا بعد آخر على عاتق هشام، خاصة بعد أن تزوج وأصبح لديه ثلاثة أطفال؛ الأمر الذي جعله يخرج مجبرًا، للبحث عن مصدر دخل آخر يُمكّنه من توفير احتياجات أسرته من مأكل ومشرب وملبس، ولأن المهنة التي سخّر لها هشام سنين حياته هي رياضة الجودو، والتي -كغيرها من الرياضات في اليمن- تعاني من الإهمال والنسيان، اتجه إلى العمل حمّالًا للبضائع بالأجر اليومي، يقول هشام: "لم يكن لدي مهنة أخرى لتحسين دخلي، وجدتُ نفسي مجبرًا على الخروج إلى السوق للعمل حمّالًا بالأجر اليومي في سوق الأدوية والأسواق القريبة، فأصبحت أتنقل هنا وهناك بين المخازن والمحال التجارية لحمل البضائع".
فساد وإهمال
يُعرِب الكابتن محمد ناجي، رئيس فرع اتحاد ألعاب القوى السابق بمحافظة تعز، عن استيائه من الظروف المادية الصعبة التي يعيشها اللاعب والمدرب السابق للمنتخب الوطني للجودو، ويقول لـ"خيوط": "من الغريب أن يعتمد هشام على راتب زهيد من صندوق النظافة والتحسين، رغم خبرته الطويلة ومشاركاته الدولية وحصده الكثير من الميداليات والألقاب باسم اليمن"، ناجي يؤكّد أن (هشام)، الذي يمتلك سجلًّا حافلًا بالإنجازات الدولية، يستحق أكثر من راتب صندوق التحسين الضئيل، معتبرًا عدم دعم وزارة الشباب والرياضة له إجحافًا بحق بطل وطني حقّق الكثير من الإنجازات الفردية والجماعية، بصفته لاعبًا ومِن ثمّ مدربًا لناشئي الجودو.
يعتقد ناجي أيضًا، أن تفشي الوساطة في الوسط الرياضي، والمتوغلة -بحسب قوله- في كل الجوانب، سواء الإدارية والفنية، كلها أسباب أدّت إلى تجاهل وإهمال الكفاءات والكوادر الفنية الحقيقية التي تمثّل مستقبل الرياضة بكل ألعابها في اليمن. ويشير إلى أن التمادي في سوء الممارسات الإدارية، يساهم في استمرار خلخلة المنظومة الرياضية وتدهور الأداء لممثلي المنتخب في المشاركات الخارجية في مختلف الرياضات، ويصف حضور المنتخبات الرياضية اليمنية في المحافل الدولية بـ"الحضور الباهت"؛ بسبب ما يجري في البلاد.
ومع أن (هشام) عرف الطريق يقينًا، وعلم الصعاب واقعًا ملموسًا في هذه الرياضة، فإن جذوة الشغف بداخله لم تنطفئ، ليورث ولده راكان (10 أعوام) من بعده هذا الحلم، من خلال تدريبه المستمر وتأهيله للمشاركة مستقبلًا في البطولات المحلية لرياضة الجودو.