أثناء وقوع إعصار لبان في محافظة المهرة (شرقي اليمن) العام 2018، خشيت المئات من العائلات التي غرقت منازلها جراء الإعصار، من أن يكون مصيرها التشرد، لكن بيوت أهالي غير المتضررين كانت مفتوحة لإيوائهم، وكان أكثر المتضررين من ذلك الإعصار هم "الحرافيش".
في تلك الكارثة انتشر فيديو يظهر فيه راجح باكريت، محافظ المهرة في الحكومة المعترف بها دوليًّا، آنذاك، وهو يتفقد الأهالي وقاطني المناطق المتضررة، وبجانبه فرق ميدانية تعمل على إخلاء المواطنين من المنازل المتهالكة.
أثناء ذلك، لفت انتباه باكريت، منزل متهالك فيه مواطنون من فئة "الحرافيش"، حينها نزل من سيارته الشخصية وقام بإخلائهم بنفسه وأرشدهم وأخذهم إلى أماكن أكثر أمانًا؛ تلك كلمات كتبها ناشطون من المهرة عملوا على ترويج ذلك الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان الأمر مستغربًا بالنسبة لآخرين من المهرة، يرون أن الحرافيش لا يحتاجون لمساعدة أحد.
وفي الآونة الأخيرة، تعرضت عدد من مخيمات المهمشين في المهرة، لحوادث حريق متتالية؛ ففي بداية شهر فبراير/ شباط الماضي، تعرضت مخيمات تقع في حي المطار بمنطقة الغيضة، لحريق كبير كان يعيش فيها ما يقارب 100 عائلة مهمشة.
وفي الثالث عشر من مارس/ آذار الفائت 2023، أقدم مسلحون مجهولون على إحراق مخيمات للمهمشين في حي بيت صمودة بالمدينة ذاتها، إذ كانت هذه المخيمات تُؤوي نحو 120 أسرة مهمشة، ما أدّى إلى إصابة طفلين ورجل معاق بجروح خطيرة، كما تسبب ذلك الحريق بوقوع خسائر كبيرة في ممتلكات المواطنين المهمشين القاطنين في ذلك المخيم.
حينها لم تهتم الجهات الأمنية بالتحقيق في ملابسات وخيوط الجريمة، وكأن الأمر لا يعنيها؛ كما يقول المواطن الثلاثيني عبدالله عنبر، في حديثه لـ"خيوط"، مضيفًا: "أنا وغيري ممن يسموننا بالحرافيش، تألمنا من عدم قيام الجهات الأمنية بواجبها تجاهنا، وإلى الآن لم نعرف هوية الأشخاص المتسببين بهذا الحريق ولا ما هي دوافعهم، لكننا ندرك جيدًا أن لا صوت لنا وأن العنصرية تلاحقنا، حتى كاد العنصريون أن يقضوا على حياتنا للأبد".
في محافظة المهرة، يتواجد المهمشون على تخوم مدينة "الغيضة"، وفي مناطق "صرفيت"، وبالقرب من أسواق بيع "القات" في جميع مديريات وأحياء المهرة؛ غالبيتهم محرومون من الحصول على حقوقهم المعيشية؛ بسبب التمييز الطبقي والعرقي الذي يعانون منه.
حصلت العائلات المتضررة من تلك الحرائق على مساعدات عينية من الهلال الأحمر اليمني في المهرة، معظمها تركزت على مواد الإيواء وأدوات المطابخ. في حديثه لـ"خيوط"، يشير وائل كريم، رئيس فريق الاستجابة للطوارئ إلى أنّ "المهمشين القاطنين في المخيمات التي وقعت فيها تلك الحرائق فقدوا كل ممتلكاتهم".
بين التهميش والاندماج
"الحرافيش" -بحسب تسمية أهالي المهرة لهم- هم فئة المهمشين مجتمعيًّا والأكثر فقرًا هناك، وهم من ذوي البشرة السمراء؛ إذ يعيش بعضهم في منازل متهالكة وعشوائية، بينما يقطن الأغلبية منهم في مخيمات تفتقد أدنى المتطلبات المعيشية الكريمة للإنسان. ويعود أصل مصطلح "الحرافيش" أو "الحرافشة" -مفردها حرفوش- إلى طبقة متدنية من الناس عاشوا في العاصمة المصرية القاهرة في العصر المملوكي، أشار لهم مؤرخون مثل تقي الدين المقريزى وجمال الدين ابن تغري، وقد استعمل الأديب المصري نجيب محفوظ اسم الحرافيش عنوانًا لأحد أعماله الروائية "ملحمة الحرافيش" سنة 1977.
هذه التسمية حديثة يتداولها أهالي المهرة وحضرموت وبعض المناطق الجنوبية والشرقية في اليمن، وهي تسمية مختلفة لذات الفئة التي يطلق عليهم في المناطق الشمالية من اليمن؛ اسم "الأخدام" أو المهمشين.
يشبه أمين مباركوت، وهو ناشط مجتمعي من أبناء المهرة، طبقة "الحرافيش" بالفئة غير المسيطر عليها، وتصل أفعال بعضهم أحيانًا إلى إرباك الحياة العامة، وفي أضعف الأحوال امتهان التسول، ولهذا من الصعب أن تندمج فئة "الحرافيش" في المجتمع المهري في هذا الوضع.
ويضيف مباركوت: "نقول ذلك ليس استنقاصًا منهم بل بسبب وضعهم الخاص وطرائق إدارة حياتهم التي تصل إلى الفوضى، وتتصاعد لتصير بعضها قضايا جسيمة".
في محافظة المهرة، يتواجد المهمشون على تخوم مدينة "الغيضة"، وفي مناطق "صرفيت"، وبالقرب من أسواق بيع "القات" في جميع مديريات وأحياء المهرة؛ غالبيتهم محرومون من الحصول على حقوقهم المعيشية؛ بسبب التمييز الطبقي والعرقي الذي يعانون منه، كما يقول الناشط في حقوق الأقليات، سالم مكيش، لـ"خيوط".
ويمتنع المجتمع المهري "القبَلي" من تزويج المهمشين بنسائهم أو الزواج بالمهمشات، كما تمتنع المدارس الخاصة من تسجيل الطلاب من أبناء المهمشين فيها؛ الأمر الذي يعتبره الناشط في حقوق الأقليات مكيش، اضطهادًا وتمييزًا يمارس بحق هذه الفئة من المجتمع.
توظيف سياسي
يتهم الناشط الاجتماعي في المهرة، أمين مباركوت، أحدَ الأحزاب السياسية -التجمع اليمني للإصلاح- بأنه يعمل على استغلال فئة "الحرافيش" أو المهمشين سياسيًّا في المهرة، من خلال تحريضهم على عمل فوضى أمنية ومشكلات تتسبب في إقلاق السكينة العامة في المحافظة الواقعة شرقي اليمن.
يعيش "الحرافيش" في المهرة منذ سنين تليدة، ومنذ اندلاع الحرب في اليمن قبل تسعة أعوام تزايدت أعدادهم هناك، حتى إنّ بعض الشخصيات القبَلية في المهرة اعتبرت ذلك مخططًا من قبل بعض أطراف النزاع في اليمن بهدف تغيير التركيبة السكانية لأهالي المهرة.
في حين يتهم الناشط السياسي، علي العوبثاني، المجلسَ الانتقالي الجنوبي، بتجنيد أفراد من فئة "الحرافيش"، ضمن قوات مسلحة خارجة عن الدولة اليمنية.
يؤكد العوبثاني لـ"خيوط"؛ أنه يتم استغلال هذه الفئة لأنّها فقيرة ومهمشة مجتمعيًّا، مضيفًا: "في كثير من المناسبات، حينما تشعر قيادات المجلس الانتقالي في المهرة بأن لا قبول لها في الشارع المهري، تقوم بتحشيد الحرافيش لتنظيم المظاهرات والجميع في المهرة يعرف ذلك جيدًا".
من جانبه، يرى الناشط الحقوقي مكيش، أنّ المهمشين في المهرة، يتم استغلال ظروفهم ومعاناتهم للتوظيف السياسي من كافة أطراف النزاع في المحافظة، داعيًا إلى أهمية الوقوف معهم ومساندتهم، وعلى المنظمات المحلية والحقوقية النظر إلى المهمشين بوصفهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، ويمكن أن يتم إدماجهم في المجتمع عبر تنفيذ أنشطة وبرامج طويلة المدى، بالتعاون مع السلطة المحلية والجهات الحكومية والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الأقليات في المهرة.