"لم أكن أعلم شيئًا عن أمورنا الحياتية ومتطلباتها"؛ تشرح سميرة علي، البالغة من العمر 35 عامًا، تجربتها الشخصية وتفاصيل الصعوبات التي تواجهها جراء معاناتها من الجهل والأمية.
واحدة من أهم الصعوبات التي تواجهها سميرة وغيرها، هي عدم معرفتهم بكيفية أداء الشعائر بالشكل الصحيح، تقول لـ"خيوط": "هذا الجهل يؤثر على روحانية العبادة، ويضعف ارتباطي بالدين والمجتمع".
ومع ذلك لا يقتصر التحدي على المعرفة الدينية فحسب، بل يشمل أيضًا المعرفة بالمتطلبات الحياتية الأساسية. سميرة تشتكي من عدم معرفتها بمهارات حياتية بسيطة، مثل: القراءة والكتابة والحساب، ما يجعلها تعتمد على الآخرين في حياتها اليومية.
تنتمي سميرة لفئة المهمشين في اليمن، وتشترك في تجربتها مع المئات من أبناء فئتها الذين يسكنون مخيم النزوح في "العلاجنة" التابعة لمديرية القطن في وادي حضرموت، ويواجهون نفس الصعوبات. هؤلاء الأشخاص يعيشون في حالة من الجهل والأمية، ويعانون العزلةَ والتهميش في المجتمع.
فصل عنصري
17 ميلًا هي عائق يمنع العشرات من أطفال المخيم من الالتحاق بالمدارس الحكومية الواقعة في مدينة سيئون، بحسب محمد قائد، عاقل المخيم. يشير محمد إلى أن المسافة ليست العائق الوحيد أمام أبناء هذه الفئة، فالفصل العنصري الذي يمارسه المجتمع، يجعل من المستحيل للأطفال أن يلتحقوا بالمدارس، ويصف ذلك بـ"النبذ الاجتماعي".
ويؤكد أيضًا أنّ الظروف الصعبة التي يعيشها ساكنو المخيم، تجعل من الصعب جدًّا عليهم الاهتمام بالتعليم، ويضيف لـ"خيوط": "الهم الوحيد الذي نعيشه كل يوم، هو توفير لقمة العيش لأطفالنا، البحث عن التعليم بالنسبة للكثيرين هنا، رفاهية وليست أولوية".
تؤكد تقارير صادرة من منظمات دولية؛ أبرزها منظمة "إنقاذ الطفولة"، حاجة 80% من الطلاب في اليمن إلى مساعدات تعليمية، كاشفةً عن تسرّب أكثر من (2.7) مليون طفل من التعليم في البلد. وتقدّر الأمم المتحدة أنّ أكثر من 2900 مدرسة تعرّضت للتدمير أو أصيبت بأضرار جزئية أو استخدمت لأغراض غير تعليمية، منذ اندلاع الصراع في اليمن.
فصل دراسي
وفي ظل التهاوي الذي يشهده قطاع التعليم في اليمن، وارتفاع نسبة الأمية لتصل بحسب منظمات دولية إلى 30%، فإن بعض الجهود للاستزادة بالعلم، تظهر بين حين وآخر.
في المخيم نفسه، ظهرت أصوات ومطالبات لإقامة فصل دراسي حتى يستطيع أبناء المخيم التعلم فيه، لكنها لم تقابل بالاستجابة؛ لذا لجأ الأهالي بالإضافة إلى إمام جامع المخيم سعيد حسن، لتعليم الطلاب تحت ظل إحدى الأشجار في المكان، حيث تبرع سعيد بتعليمهم ومحو أميتهم.
"أعتقد أن التعليم هو المفتاح لمستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال. إنهم يستحقون الفرصة نفسها التي حصل عليها أطفالنا، وأنا سعيد جدًا لأنني أستطيع أن أكون جزءًا من هذه المبادرة وأسهم في تغيير حياتهم".
أدرك سعيد الحاجة الملحة لتوفير فرص تعليمية للأطفال المهمشين، خاصة أنه يرى مدى الأمية المنتشرة في المخيم، وبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها، قرر سعيد أن يأخذ المبادرة ويبدأ مع مجموعة من أبناء المخيم ببناء الفصل. وفي يوم الافتتاح، شعر سعيد بسعادة غامرة عندما رأى وجوه الأطفال المشرقة وهم يدخلون الفصل بفرحة وحماس. كانت البداية الجديدة لهؤلاء الأطفال، الذين لم يكونوا يأملون في الحصول على فرصة للتعلم.
يضم الصف الجديد 40 متعلمًا، منهم أمهات وأطفال وشباب وشابات، يسعون جميعًا لاكتساب المعرفة والمهارات التي تمكّنهم من الاندماج والتفوق في مجتمعهم. تعتمد الغرفة التعليمية على إنشاءات معدنية بسيطة مصنوعة من صفائح الزنك، وبالرغم من احتشاد الطلاب وتراصّهم في مساحات ضيقة، بسبب ضيق الفصل، وارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، فإن هذه المبادرة تعد خطوة إيجابية نحو توفير فرص تعليمية لهذه الفئة، كما يعتقد ساكنو المخيم.
وفي حديثه عن المبادرة، قال سعيد: "أعتقد أن التعليم هو المفتاح لمستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال. إنهم يستحقون الفرصة نفسها التي حصل عليها أطفالنا، وأنا سعيد جدًّا لأنني أستطيع أن أكون جزءًا من هذه المبادرة وأسهم في تغيير حياتهم".
تجاوب الأطفال بحماس كبير مع الفصل الجديد، وأصبحوا متحمسين للذهاب إلى المدرسة يوميًّا. ومن خلال التعليم الذي يتلقونه الآن، يكتسبون المعرفة والمهارات التي تساعدهم -نوعًا ما- في بناء مستقبل أفضل لأنفسهم ومجتمعهم.