تتفاقم معاناة فئة المهمشين في اليمن، يومًا تلو آخر؛ جراء الحرب الراهنة في البلاد منذُ ثمانية أعوام، في ظلّ غياب الرعاية الصحية وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ممّا يجعلها أكثر تهميشًا، إذ يعيشون في مساكن متناثرة مبنية من القش والصفيح وفي مخيمات متهالكة لا تقيهم حرّ الصيف ولا برد الشتاء، معرضةً لجميع الأمراض والأوبئة.
وتفتقر العديد من النساء المهمشات إلى غياب الرعاية الصحية ومتابعة الأطباء، خصوصًا أثناء فترة الحمل؛ لأسباب كثيرة، كالفقر وعدم حصولهن على المال، وتدهور المرافق الصحية الحكومية أثناء الحرب، ممّا جعلهن يواجهن الأوبئة والأمراض التي يؤدّي بعضها إلى الوفاة.
تقول الخمسينية مسك عبدالله، وهي إحدى النساء المهمشات في ريف المعافر (جنوبي محافظة تعز)، لـ"خيوط": "نحن فئة (الأخدام) -فئة المهمشين- حالتنا يرثى لها، نمر بأسوأ الأمراض والأوجاع، ولا نعرف الدواء ولا المستشفيات إلا قبل الموت أحيانًا؛ لأنّنا لا نملك "الفلوس"، ولأنّ حالتنا المعيشية متدنية".
المشكلة الأكبر
أكنتَ مهمشًا أم غير ذلك فأنت إنسان، وقد كفل الدستور اليمني حقوقَ اليمنيين دون تمييز، فغالبًا ما تحتاج إلى المال من أجل الصحة والبقاء، وإذا لم تمتلك فأنت في عداد الموتى، كأخت مسك التي ماتت بعد يومين من مخاضها أثناء الولادة.
هذا ما تؤكّده مسك، في حديثها لـ"خيوط"، حين قالت: "توفّيت أختي بعد يومين من الوجع والنزيف المستمر؛ لأنّنا لم نستطع إسعافها، فزوجها عاطل عن العمل، ولا يمتلك المال"، فهي مثل كثير من المهمشات يواجهن معاناة قاسية تصل إلى الوفاة في المنازل أثناء الولادة لعدم توفر تكاليف المستشفيات.
غياب الرعاية الصحية، ليس العامل الوحيد المقصور على المهمشين، بل الوضع العام، سواءً على الصعيد السكني أو البيئي في الأحياء والتجمعات التي تعيش فيها هذه الفئة، مما يؤدّي إلى انتشار الكثير من الأمراض المعدية.
في هذا السياق، يقول رئيس منظمة نهضة شباب لتنمية المهمشين، أكرم الشرعبي، "لخيوط"، إنّ ما تتعرّض له النساء المهمّشات من غياب الرعاية الصحية، خصوصًا أثناء مرحلة الحمل والولادة والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، تعد من أكبر المشاكل التي يعاني منها مجتمع المهمشين.
ويضيف الشرعبي، أنّ عدم توفر مراكز صحية مجانية خاصة بفئة المهمشين، فاقم من معاناتهم، حيث إنّهم غير قادرين على شراء الأدوية، فهم أكثر الفئات المتعبة ماديًّا، فبعض الأحيان يتضاعف عليهم المرض، ويصبحون فريسة سهلة، لا سيما النساء اللواتي يفتقرن لأبسط الخدمات الصحية.
حرمان وأمراض
يرى المهمشون في اليمن، أنّهم محرمون من كلّ شيء، وليس فقط في الحصول على الرعاية الصحية، في مجتمع ينظر للمهمشين بدونية ولا يؤمن بحق الفئات والأقليات، حيث طالهم التهميش في المساكن والمساعدات والأعمال وغيرها، حتى اللقاحات، حسب وصفهم.
تقول مريم محمد (35 عامًا)، لـ"خيوط": "نحن مهمشون ومحرومون من الاهتمام بالصحة وبالعمل وبالمساعدات، حتى في اللقاحات التي لا تصل إلّا في بعض الأحيان، يمرض أطفالنا إلى أن يتعافوا دون قدرتنا على علاجهم، بالأخير نحن "أخدام" (مهمشين) لا أحد يلتفت إلينا".
يعدّ اليمن واحدًا من أعمق الأزمات الإنسانية، وأكثرها رسوخًا في العالم، في ظلّ الصراع طويل الأمد، والانهيار الاقتصادي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتدهور الخدمات الصحية.
بدوره، يتحدث نعمان الحذيفي- رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين ورئيس المجلس الوطني للأقليات، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ غياب الرعاية الصحية ليس العامل الوحيد المقصور على المهمشين بل الوضع العام، سواءً على الصعيد السكني أو البيئي في الأحياء والتجمعات التي تعيش فيها هذه الفئة، ممّا تؤدّي إلى انتشار الكثير من الأمراض المعدية، فالوضع الصحي للمهمشين سيئ للغاية، كما يصفه.
ويؤكّد تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في أبريل/ نيسان 2023، اطلعت عليه "خيوط"، أنّ الرعاية الصحية الأساسية غير متوفرة على نطاق واسع، موضحًا أنّ نحو 5.5 مليون امرأة وفتاة في سنّ الإنجاب في اليمن، لديهن وصول محدود أو معدوم إلى خدمات الصحة الإنجابية.
يلفت الصندوق الأمميّ إلى أنّ امرأة واحدة، تموت في اليمن، كلّ ساعتين أثناء الحمل والولادة؛ بسبب تأخر أو عدم حصولهن على الرعاية الصحية والخدمات الضرورية، إذ يعدّ ذلك من بين أعلى المعدلات في المنطقة، وهو رقم مروع للغاية بالنظر إلى إمكانية الحد من هذه المشكلة من خلال الوصول إلى الخدمات الصحية.