يعاني المجتمع اليمني من مشاكل عدة؛ من بينها التمييز العنصري على أساس النوع أو اللون، ونظرًا للتركيبة السكانية للمجتمع المحافظ والتقليدي، والمتجانس، إلا أن هناك العديد من الانتماءات القبلية، وبعض الانتماءات العرقية، التي تتعرض لممارسات عنصرية.
هذه الفئات تواجه تنمُّرًا ممنهجًا وتمييزًا على أساس لونهم، إذ يتم تسمية المواطنين اليمنيين ذوي البشرة السوداء بـ"الأخدام"، في إشارة لتدني مكانتهم الاجتماعية. يحدث هذا دون وجود قانون يُجرّم أو يُعاقب الأشخاص المتنمّرين، بل إن الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات، قد ساهمت في زيادة وطأة المعاناة الإنسانية لذوي البشرة السمراء -تحديدًا- باعتبارهم الحلقة الأضعف اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
مواقف مؤلمة
فاطمة محمد (46 سنة)، تقول لـ"خيوط": "سافرت من إحدى قرى تعز إلى المدينة من أجل العلاج، واجهت خلال فترة جلوسي في مستشفى المدينة موقفًا ما يزال أثره عالقًا في قلبي وذهني حتى اللحظة".
تتابع حديثها: "شعرتُ بالعطش، فذهبتُ لثلاجة المستشفى لأشرب الماء؛ شربت بكأس كان موضوعًا فوق الثلاجة، ثم عدت إلى المقعد لأنتظر الطبيب، بجانبي كان هناك امرأة وطفلة في سن العاشرة تقريبًا، حين ذهبت الطفلة لتشرب بنفس الكأس الذي شربت به، وبّختها أمها، وسحبت كأس الماء من يدها، وقالت لها: كيف تشربين به، وقد شربت منه الخادمة؟!".
لم يكن الموقف الأول لفاطمة، فهي متعودة على التنمّر والكلمات العنصرية حد تعبيرها، لكن الضرب الذي تلقته الطفلة من أمها، وارتفاع سقف توقعاتها بنساء المدينة اللواتي كانت تعتقد أنهن أكثر تحضرًا، وإدراكًا للاختلاف والتنوع، كان له وقع مؤلم في نفسها.
فئة المهمشين (وجُلّهم من أصحاب البشرة السمراء) في أسفل هرم التركيبة الطبقية في المجتمع اليمني، وهذا السبب شكّل حاجزًا وسدًّا منيعًا أمام أي محاولة للمهمشين في النهوض والاندماج المجتمعي.
الجذور التاريخية، والأسباب
يرجِّح بعض المؤرخين أن تواجد أصحاب البشرة السمراء في اليمن، عائد إلى فترة الاحتلال الحبشي لليمن قبل الإسلام، إضافة إلى بقايا دولة بني نجاح، وعاصمتها مدينة زبيد في الساحل التهامي غرب اليمن.
يقول رئيس دائرة المهمشين، نعمان الحذيفي، لـ"خيوط": "هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء التمييز العنصري ضد أصحاب البشرة السمراء؛ منها ما هو تاريخي، ومنها ما هو متعلق بطبيعة التركيبة الاجتماعية الهرمية للمجتمع اليمني".
ويضيف الحذيفي أن فئة المهمشين (وجُلهم من أصحاب البشرة السمراء)، في أسفل هرم التركيبة الطبقية في المجتمع اليمني، وهذا السبب شكّل حاجزًا وسدًّا منيعًا أمام أي محاولة للمهمشين في النهوض والاندماج المجتمعي.
وبصرف النظر عما إذا كان المهمشون أفارقة أو عربًا ينتمون إلى الدولة الحميرية -أقدم حضارات شبه الجزيرة العربية- فإن مسألة الحديث عن الأصول بحسب الحذيفي، بعد أكثر من ألفين وأربع مئة سنة من مجيء الإسلام، لا يمكن الأخذ به كوننا يمنيين ننتمي لأرض ووطن وعقيدة واحدة".
ووفقًا لبيانات إحصائية صادرة عن دائرة المهمشين، فقد بلغ عدد الأشخاص ذوي البشرة السمراء ثلاثة ملايين ونصف، سنةَ 2014؛ أي ما يشكّل نسبة 12% من سكان اليمن.
معضلة قانونية
على الرغم من أن المجتمع اليمني مجتمع متعايش، ويتداول قيمًا ومعتقدات دينية ترتكز على المساواة بين الناس، إلا أن الممارسات على الواقع تُظهر الكثير من التمييز والعنصرية بحق الطبقات المصنفة طبقات دنيا في المجتمع، وتحديدًا فئة المهمشين، يليها التمييز بحق مِهَن وحِرَف كالجِزارة والحلاقة والتزيين، إضافة إلى التمييز بين طبقة الهاشميين -الذين يدّعون أنهم من آل الرسول- وبين بقية الشعب اليمني.
ولتجاوز المعضلة القانونية يؤكد الخبير القانوني، عمر الحميري لـ"خيوط"، أن الضرورة تقتضي سن التشريعات التي تعمل على تفعيل القوانين العقابية، وتشديد عقوبات جرائم التمييز العنصري، لا أن تظل نصوصًا جامدة، وجودها من عدمه على حد سواء.
يضيف أنه يجب اتخاذ تدابير إدارية تساند المهمشين وتمنحهم حقوقًا تعزز قدراتهم، وتمكنهم من الوصول إلى المساواة، أسوة بكل اليمنيين، من حيث ضمان حق الحصول على التعليم والوظيفة والخدمات الصحية بدون انتقاص".
تجارب وحلول ملهمة
تتحول الأنظمة القانونية بفعل الزمن من مجرد أنظمة يطبقها الناس خوفًا من العقوبات إلى قيم مجتمعية تتبع النسيج الثقافي للمجتمع، إذ إن القانون يهذب الإنسان، ونجاح الكثير من الدول التي عانت من العنصرية، في كبح جماحها، أو التقليل منها، كما هو الحال في جنوب أفريقيا وأمريكا، لهو خير دليل على أن إعمال القانون وتفعيل نصوصه، هو الضامن الرئيس لإزالة الفوارق بين الطبقات.
واتجهت دول عديدة، يشبه وضعها اليمن، في تشديد الإجراءات والعقوبات، ونجحت في القضاء على العنصرية، وهو ما يجعل تجاربها نماذج يمكن استلهامها والاستفادة منها، مثل تجربة دولة رواندا في أفريقيا؛ إذ استطاع هذا البلد بعد سلسلة من الصراعات الأهلية، سنَّ عقوبات لكل من يمارس العنصرية أو حتى يتلفظ بألفاظ تؤجج النعرات العرقية.
ويختتم الحذيفي حديثه لـ"خيوط" بالقول: "الاعتراف بالمعضلة العنصرية والتعامل معها كقضية وطنية يجب استئصالها من المجتمع، وإنشاء محكمة متخصصة في مناهضة التمييز، يناط بها تطبيق قانون المساواة وعدم التمييز- هو الحل الناجع الذي سيقضي على العنصرية والتمييز عمومًا، وسيحمي الفئات المختلفة، ومنها فئة المهمشين من المعاملة بدونية".