قبل قرابة قرن كامل من الآن (1927)، أصدر المهاجر الحضرمي في إندونيسيا، أحمد عبدالله السقاف، رواية "فتاة قاروت" التي عدّها المؤرخون أول رواية يمنية (حديثة)، وإن كانت حاضنتها الجغرافية غير يمنية، ولأن كاتبها وموضوعها المتصل بالهجرة اليمنية، كان يكفي ليصير الأمر محسومًا في تقولات المدافعين عن يمنية هذه الريادة.
وبالمقابل، يرى نقاد كثيرون في رواية "سعيد"، لمحمد علي لقمان المحامي، التي صدرت في العام 1939 بعدن، أنها هي التي يمكن أن تكون باكورة هذا النوع الجديد من الكتابة الذي لم يألفه اليمنيون في ذلك الوقت، وإن كانوا يمتلكون قبله تراثا غنيًّا متنوعًا من الحكايات، ولهم "إسهاماتهم في السرد العربي القديم، وأبرز نماذجهم في ذلك: كتاب (التيجان في أخبار ملوك حمير وأقيالها) لوهب بن منبه، ولا يزال الكثير من المؤرخين السرديين يشيرون إلى ذلك في دراساتهم المختلفة. إلى جانب كتب الأخبار والمسامرات والسير والتراجم والملاحم والحكايات الشعبية والمنظومات الحكائية القديمة وشروحها التي صارت في سياق القراءات المعاصرة أشبه بملاحم تروي تاريخ اليمن القديم بنزوع سردي".
الحقيقة المشتركة بين هذين النموذجين التأسيسيين (فتاة قاروت وسعيد)، أن الرواية بوصفها جنسًا أدبيًّا جديدًا هي في الأصل نتاج معاينة إبداعية لرجّات المجتمع المتعدد وخضّاته وتحولاته بعد أن تخلص من سكونه وواحديته. المجتمع الجديد الذي نعنيه هو المدينة بتنوع فضاءاتها الحكائية وأزمنتها المتداخلة، ولهذا مثلًا، كانت عدن هي أول فضاء مكاني استوعب هذا الجنس في رواية سعيد، التي ذيّلها الكاتب بقوله بأنها: "رواية أدبية، أخلاقية، تاريخية وقعت حوادثها في عدن"، ولهذا "ستعكس -وإن (بطريقة تعليمية تقليدية)- واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في مدينة عدن".
وعدن ذاتها ستنتظر قرابة عقد من الزمن، حتى يصدر الطيب أرسلان رواية (يوميات مبرشت) 1947، وهي معاينة لحالة التهريب في سنوات الحرب العالمية الثانية، التي وصلت تأثيراتها إلى المدينة التي كانت مستعمرة بريطانية. وفي عدن أيضًا، سيصدر في نهاية الخمسينيات علي محمد عبده روايته "حصان العربة"، التي خاضت في أوضاع العمّال اليمنيين المهاجرين. غير أن الاكتمال الروائي ونضوجه سيكون منتصف الستينيات مع رواية محمد عبدالولي (يموتون غرباء)، التي عاينت هي الأخرى موضوع المهاجرين اليمنيين في إثيوبيا.
الكتابة الروائية بأقلام نسائية بدأت من مدينة تعز، حينما أصدرت رمزية الإرياني رواية "ضحية الجشع" في العام 1970، وهي معاينة مجهرية لواحدة من قضايا تسلط المجتمع الذكوري على النساء. وما بين رواية "ضحية الجشع" ورواية "الدِّيَنّا" لنهى الكازمي في عامنا هذا 2024، جرت مياه وتجارب كثيرة تحت جسر الكتابة الروائية المكتوبة بأقلام نسائية، طرقت فيها موضوعات اجتماعية لم تقتصر على قضايا الهمّ الأنثوي الذاتي، بل خاضت في الهمّ السياسي إلى جانب قضايا المرأة والمجتمع.
خلال قرن كامل، تنوعت أساليب الكتابة السردية، وتوزعت على توصيفات مدرسية متعددة، حتى صار نضجها اليوم واضحًا، ليس فقط على صعيد تقنية الكتابة، بل في اختيار موضوعاتها الأكثر جرأة عن تفاصيل الهامش والمسكوت عنه في يوميات المجتمع.
الرواية في اليمن صارت اليوم الجنس الأدبي الأكثر غزارة في الإنتاج والتعاطي القرائي، قياسًا إلى الأجناس الأخرى، مثل: الشعر، والمسرح، والقصة القصيرة، وصار مُغريًا كتابيًّا للكثير من الأدباء والكتّاب، خصوصًا الشبان منهم.
في هذا الملف، تعيد "خيوط" تجميعَ كلّ ما كُتب في زواياها ونوافذها المختلفة عن الرواية اليمنية، لتسهم في وضع المادة المتنوعة أمام جمهور التلقي المهتم بهذا النوع من الكتابة الأدبية.