كمفهوم مطلق لا يوجد فرق أو اختلاف أو تمييز بين الرجل الأديب وبين المرأة الأديبة، والنظر بعمق هنا يتمحور في الجوهر، حيث إن مهمة الأدب بشكل عام إيصال مشاعر الآخرين بطريقة تعبيرية أدبية لا يتقنها إلا من يهوى الشعر، ويبدع الكتابة، وينسج الخيال القصصي، ويكتب الرواية، ويتفنن في كتابة مقال أدبي بأسلوب محكم وبإيجاز، يخدم فحوى الموضوع الذي تدور الأفكار حوله. ومن وظائف الأدب أيضًا أن يعالج قضايا الإنسان التي تمثل عصب الحياة واستمرارها بالنسبة للكائن البشري، كالحب والكراهية والسلام والحرب والتطرف، وغيرها من القضايا التي تشعل فتيل الكتابة وتضفي عليها رونق الإبداع والتميز. كما أن من وظائف الأدب أن ينقل التجربة من الواقع المعيش إلى المتلقي بحس خيالي يلامس المشاعر والأحاسيس والأفكار وشغاف القلب، ليكون أقرب إليه من حبل الوريد، ويغوص في أعماق القارئ كي يعي جيدًا قيمة الطرح في الزواية الفكرية، سواء كانت بقالب الشعر أو النثر أو القصة أو الرواية... إلخ.
ومن هنا تحديدًا، نتطرق لأدب المرأة في اليمن -إن جاز التعبير- قديمًا، وكذلك في زمن الحداثة والمعاصرة. فقديمًا غُيبت الأديبة اليمنية بشكل ملحوظ، وإن صح التعبير أدرجت تحت مسمى مبني للمجهول فيما عرف بـ"الثقافة الشعبية اليمنية" أو تحت مسمى "الأدب الشفهي"، ليكون نتاجها ضمن أغانٍ تتألف من أبيات مفردة أو مقاطع شعرية مبتورة، وكذلك حكايات شعبية شفهية تقال وتسرد ضمن المناسبات، وهي مجهولة القائل أو مجهولة القائلين، وقد عدَّت ضمن موروث شفهي، حيث أدرجت ضمن مصطلح الفلكلور. وقد أبدعت الأديبة اليمنية قديمًا في بلورة جماليات الحياة بكل خصوصياتها، سواء كانت في الريف أو المدنية، وهناك حكايات شعبية وكذلك أبيات شعرية مفردة تدل على أن ما يتداول ضمن الثقافة الشعبية من نسيج وقريحة المرأة في مناسبات ومناخات عديدة، كالزواج، الاغتراب، الحج، أعمال البيت (أغاني المطحن) والمهاجل الزراعية وغيرها.
رغم تمكّن المرأة حديثًا من تجاوز بعض القيود التي كانت مفروضة عليها في هذا المجال، وظهور العديد من الأسماء النسائية من الشواعر والقاصات والروائيات، إلا أن المرأة الأديبة لا تزال ترزح تحت قيود التيارات الدينية والتضاربات السياسية
وهنا نستشف أن ما أبدعته المرأة أو أنشدته من أدب شفاهي، سواء أبيات أو مقاطع أو قصائد مبتورة، دليل على أن هاجس الكتابة والإبداع النسوي يعود إلى قرون خلت وسنوات بعيدة مضت، وهنا نستعرض نماذج مما قالته المرأة، ضمن ما أدرج في الأغاني الشعبية. ومما قالته المرأة عن الضرة (الطبِينَة):
الطبينة لها لها حرق الله قليبها
الطبينة لهالها ولها النار تِشوَها
وتقول أيضًا:
طبينتي لش ضربتين في الرأس
شليتيَ المحبوب قد كان لي خاص
وبقلب متألم تشكو المرأة المتزوجة جور الزمن عليها بقولها:
يا ليتني رأس الجبل جرادة
واكُل حشيش وابطّل الزواجة
وأيضًا:
ما طلّعتش للحيد يا دجاجة
قالت حيود الله ولا الزواجة
وقالت أيضًا عن الأخ الذي لا غنى لها عنه:
أخي من أمي عيّبوه عليّا
لا زِدْ بدا ولا التفت إليّا
أخي من أمي عيبتَه وما اقسى
أحيان يذكرني وأحيان ينسى
وعن شوقها للحبيب، حيث فاضت مشاعرها بأغانٍ خاصة موجهة للزوج المغترب، تقول:
ساجي العيون ارحم لحالي ارحم
أنت المُقلّد بي وأنت تأثم
ساجي العيون لا ابراك منب الدهر
وجيّتك فرحة وسيرتك قهر
كتبت لك مكتوب قدوه من الضيق
الخط من دمعي وأغريه بالريق
كتبت لك مكتوب بخط فاهم
اشتي وصولك لعن أبو الدراهم
وتعبر عن الحب في تأكيد أن الحب سمة إنسانية:
والنبي والقسم ما أحد من الحب يسلم
لو قرأ لو كتب أو كان سبعين معمّم
بالرغم من هذا الزخم الفكري الإبداعي الذي جادت به قريحة المرأة اليمنية، إلا أنه أدرج كما أسلفنا الذكر تحت مسمى "الثقافة الشعبية"، حيث إن الطابع القبلي الذكوري للمجتمع اليمني عمل على استفراد الرجل بالكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية، وإزاحة المرأة من منظور ثقافة العيب السائدة لدى المجتمع. ولا يفوتنا أن نورد سببًا آخر أسهم بصورة جلية في تغييب أو حجب المرأة وإزاحتها عن المشهد الثقافي والفكري، تمثل هذا السبب في النظرة المغلوطة لدور المرأة من منظور ديني، حيث أسهم التطرف في بلورة دور المرأة بعيدًا عن الأدب والإبداع الأدبي.
ورغم تمكّن المرأة حديثًا من تجاوز بعض القيود التي كانت مفروضة عليها في هذا المجال، وظهور العديد من الأسماء النسائية من الشواعر والقاصّات والروائيات، أمثال: هدى أبلان، وإبتسام المتوكل، وهدى العطاس، وآمنة يوسف، والروائية نادية الكوكباني، ونبيلة الزبير، وسوسن العريقي، ونجاة باحكيم، وغيرهن، إلا أن المرأة الأديبة لا تزال ترزح تحت قيود التيارات الدينية والتضاربات السياسية، وكذلك الفكر المجتمعي السائد الذي لا يزال يتمثل تلك النظرة التقليدية عن علاقة المرأة بالأدب والإبداع الأدبي.
وهكذا غُيبت المرأة اليمنية قديمًا قسرًا، وأُدرجت ضمن قائمة الأدب الشفهي الشعبي، وحديثًا بدأت تتصدر المشهد الثقافي، لكنها لا تزال تعاني من قصور وعوائق اجتماعية، وتحتاج لأفق ومتنفس أوسع للإبداع والكتابة.