أصدر الفوتوغرافيّ اليمنيّ المعروف، عبدالرحمن الغابري، عمله الروائيّ الأول عن دار عناوين ثقافية بالقاهرة، وحمل عنوان "بيت الزوقبي".
بيت الزوقبي هو سجن النساء الذي عُرِف بصنعاء، وكان يقع بحارة الميدان، محاذيًا لسور قصر السلاح، وأنتجت منه المخيلة الشعبية قصصًا مأساوية ارتبطت بالنساء اللواتي يزج بهن فيه، فيفقدن بعده أيّ أمل بالنجاة من نظرة المجتمع التحقيرية، بما فيه الأُسَر التي تتخلّى عنهن بضغط اجتماعي.
يقول الكاتب عن البيت:
سجن طافح بالأوبئة والحشرات، تعاني فيه السجينات ظلم السلطة والمجتمع؛ فمن زُج بها في هذا السجن المرعب والمخيف، إما: من وقعت ضحية مَظْلَمةٍ ما، أو تمرّدت على بيئتها، أو لم تُلَبِّ رغبات رجال وعسكر السلطات، وتظلّ فيه حتى الموت، وحتى لو عرف الناس جميعًا أنّها ضحية ومظلومة، بما في ذلك أهل السجينة، الذين لا يجرؤن حتى على مراجعة السلطات للإفراج عنها، خوفًا من العار الذي توصم به السجينة مهما كان الجور عليها، فالكل يعتبرها فاقدة للحياة. ويتجرّع الأهل هذا الفقد ويقبلون به طوعًا وكرهًا.
الرواية تناقش جزءًا من تاريخ اليمن المأساوي منذ أربعينيات القرن الماضي حتى مطلع ستينياته وقبل حدث ثورة 26 سبتمبر، وتُبرز حالات البؤس الشديد الذي مرّ به الإنسان اليمنيّ عامة، والنساء خاصة، وتُبرز أيضًا نبل الإنسان من خلال طالب ريفيّ أتى لمدينة صنعاء، للدراسة والبحث عن تعليم غير تعليم (المِعلامة) في القرية، ومدرسين غير (سيدنا) المتخلف، فكانت الحياة مفاجئة له في صنعاء، وكذلك أنماط الحياة في هذه المدينة الكبيرة مقارنة بقريته الريفية والمغلوبة والمنغلقة على أيّ تطلع للحياة واتساع قهر الإنسان بطرق (جحيمية) لا تمت للإنسانية بصلة، فقهر الإنسان متساوٍ، ريفًا وحضرًا، فالظلم والخداع وسحق الناس شاملٌ البلاد كلها، وخصوصًا النساء، فهنّ الهدف الأول لأيّ طامع، بالذات اللواتي ينحدرن من أُسَر الفلّاحين والحرفيين وممارسي الفلكلور.
لهذا فحال اليمني في الظلم متساوٍ بالتدجين وإشاعة الخرافة وتدريسها للأجيال مقابل استمرار الطغيان والجبروت، وبروز طبقة الإقطاع المتمثّلة في الوجاهات من المشيخة القبَلية والدينية وطبقة التجار.
بطل الرواية -الطالب الريفيّ- ناضل لكسر الحواجز، فنشأت بينه وبين إحدى السجينات الشابات علاقة حبّ، ابتدأت حين كان يبيع "الشونجم" (العِلْكة) و"الكِدَم"، وعند مروره أول مرة ببوابة السجن طلبت منه الشابة -من بين جميع الطلاب الصغار الذي يمارسون نفس المهنة- أن تشتري منه بضاعته، وداومت على ذلك لسنوات، نشأت خلالها علاقة حبّ بين الاثنين، انتهت بتمكّنه من إخراجها من السجن والزواج بها ووعده لها بتتويجها ملكة، حين يتمكّن من هدم السجن وسجون القلعة الثلاثة المبنية على أنقاض قصر غمدان الحميري الشهير، وبحلمه الجميل ستصبح حبيبته ملكة لهذا القصر، وهو سيصبح ناشرًا للعدالة وإنصاف اليمن وردّ الاعتبار لتاريخها.
أمّا الذي مكّن الطالب من مواصلة دراسته وجعله في مركز تجاري وتعليمي مرموق، فهي (حارسة العسل) التي كان منتجو الخرافة يحذّرون عامة الناس منها، كونها كما يدّعون، (الجِنِّيَّة صَيَاد) ماسخة البشر؛ إلّا أنّها في الواقع هي مصدر الخير وحامية كلّ مَن تسبّبَ الطغاةُ والإقطاعيّون بقهرهم، وهي الكائن التنويريّ الأوحد لإنقاذ البشر من الظلم والتعسف والتجهيل، كما يروي الطالب الريفيّ.