عن دار "جدار" للثقافة والنشر في الإسكندرية، صدر مؤخراً كتاب أدبي مغاير تحت اسم "روايات لا تطير" للروائي اليمني سمير عبدالفتاح يتضمن 41 مصغرة.
"روايات لا تطير" نمط سردي مستحدث، أطلق عليه مؤلفه مسمى 'المصغرات"، والتي تدور فكرتها الأساسية حول إشراك القارئ في عبء تخيل الرواية، استخدم الكاتب فيها طريقة كتابة تعتمد بشكل أساسي على وضع مقطع من الرواية كافتتاحية تحدد الشكل الذي ستكون عليه من حيث اللغة، والأسلوب، وضمير الراوي، ثم وضع هامشاً بفكرة الرواية وعدد صفحاتها، وبهذا يتم إعطاء القارئ ملمحاً عن لغة النص وضمير السرد، وكذلك حول حجم الرواية، والأحداث التي تجري داخلها؛ وعلى القارئ في ضوء ما يقدمه له الكاتب تخيل الرواية بشكلها الكامل مشاركاً في صياغتها، فيُكمل الرواية بحسب خلفيته وثقافته وميوله لتظهر في ذهنه على هيئة نص سردي مكتمل، وبهذا تتشكل الرواية بحسب مخيلة القارئ وتفضيلاته، وتتعدد صيغها بتعدد قرائها المشاركين في إكمالها". كما جاء في كلمة الناشر
الارتياب من الجديد
يوضح الكاتب سمير عبد الفتاح: أن الجهور الأدبي في اليمن والوطن العربي بشكل عام يرتاب من الجديد، فهو يخاف مغادرة نقطته الآمنة إلى نقطة لا يعرفها أو لم يرتادها من قبل، وهو إما أن يقترب بحذر من الجديد أو يتجاهله بانتظار أن يتضح له أكثر ويعرف تبعات ذلك الجديد، بالمقابل هناك جانب ملول في الإنسان يحفزه على مغادرة المألوف والبحث عن جديد يخرجه من الرتابة التي يشعر بالضيق من البقاء في دائرتها، هذان الجانبان يحددان السلوك الإنساني تجاه أي جديد في أي مجال.
وبالنسبة (للمصغرات) فهي تنتمي إلى ما يمكن اعتباره جنساً أدبياً جديداً مربكاً، وهي في البداية ستختبر نوعين من ردة الفعل فمن جانب هناك من ستصدمه ويكون أقرب إلى الرفض لها أو لنقل عدم قدرته على قبولها بوصفة تحاول إحداث شرخ في المألوف لديه، وهناك من سيتحمس لها لكن بتحفظ بانتظار معرفته لردة فعل الآخرين عليها، لكن بالمجمل كما هو الحال دائماً (يمنياً وعربياً) سينتظر الأغلبية من سيقوم بتحمل مسئولية إصدار الحكم عليها سواء (بالرفض) أو (القبول) ومن ثم سيتبعه الآخرون، فنحن في مرحلة لا يزال خوفنا من الجديد كبيراً، ولا نزال ننتظر أن يُقرر لنا ما يجب أن نعمله.
جهد سنوات
ويؤكد عبدالفتاح لخيوط: أن" (المصغرات) مشروع بدأته منذ عدة سنوات، ومع اكتمال الاشتغال على الكتاب الأول لها كنتُ أنتظر العثور على ناشر يمكنه المغامرة بنشر هذه التجربة، وخيار نشر (المصغرات) أرتبط أساساً بشرط أن أجد دار نشر تتحمس لإصدار تجربة جديدة، وكذلك دار يمكنها أن توصل هذه (المصغرات) إلى فضاء أوسع مما يمكن أن يقدمه فضاء دور النشر المحدود في اليمن، لهذا كان البحث عن دار نشر خارج اليمن مهما فعبره يمكن نشر (المصغرات) على نطاق أوسع" وهذ ما وجده عند دار "جدار".
محاولة للتأطير
ويشير: إلى أن (المصغرات) ليست تجربة لمرة واحدة أو لكتاب واحد، بل هي في الأساس محاولة لتأطير جنس أدبي يمكن الكتابة ضمن فضائه مثل بقية الأجناس الأدبية المتعارف عليها.
مؤكداً: بأن "هناك 101(مصغرة) كتبتها ضمن هذا الإطار لم يتضمن منها كتاب (روايات لا تطير) سوى41 مصغرة فقط، وكذلك هناك اشتغال على (مصغرات) جديدة بانتظار فرصة لإطلاقها ونشرها".
المصغَّرات محاولة للخروج من دائرة المألوف، واستكشاف طرق جديدة للسرد، فأشكال السردية القائمة لم تتغير منذ قرون، ورغم التجريب في بعضها وظهور المدارس الأدبية المختلفة لكنها تظل ضمن النسق الثابت للشكل الأدبي الذي يجعل الكاتب هو المهيمن. ومن هنا كانت (المصغرات) التي تدعم تقاسم الكاتب والقارئ لهذه الهيمنة، وبذلك يتحول القارئ من متلقي إلى فاعل أساسي في عالم الكتابة.
دعوة للتكاتف
وبحسب سمير فقد أطلق على مصغراته اسم "روايات لا تطير" بما يمكن اعتباره دعوة لمساعدتها على التحليق، حيث يرى أن هذه الروايات برؤيتها السردية الجديدة وشكلها المتفرد بحاجة إلى إيد ترفعها عن الأرض، وإلى أن يُنفخ فيها لتحلق، وهي بحاجة أيضاً إلى عيون تتابع تحليقها وتشجعها على مواصلة التحليق. لذا بدون تفاعل القارئ ستظل هذه الروايات لا تطير.
اختراق الثغرات
وعن توقعه للطريقة التي سيستقبل بها القارئ العربي هذه الجنس الأدبي أوضح سمير عبدالفتاح لخيوط: " بطبيعة الجال إننا (مثل باقي الناس في بقية العالم) مهيؤون تماماً لتلقي الجديد في أي مجال كان، لكن القارئ العربي تنقصه الثقة الكاملة تجاه نفسه، لذا يعمد إلى متابعة الآخرين وينتظر إشاراتهم ليسير على ضوئها، ويتقبل بسهولة ويتحمس للتجارب الجديدة التي تأتيه من الخارج، لكنه يتردد ويتوجس من التجارب التي تنبع من داخله، ويرفع لها راية الرفض حتى قبل أن يختبرها، طبعاً هذا ليس تعميماً مطلقاً، لكن هذه النظرة موجودة بدرجة ما بين القراء العرب، لكن رغم هذا هناك ثغرات بين الحين والآخر تمكن التجارب العربية الجديدة من الوصول للقارئ العربي، لكننا بحاجة إلى أن يرفع القارئ ثقته وقدرته أكثر ولا يخشى من التعالق مع التجارب العربية الجديدة، فيقبلها أو يرفضها بوعيه هو بعد أن يغوص فيها جيداً.
كسر المألوف
وتأتي "المصغرات" كما يوضح سمير كمحاولة للخروج من دائرة المألوف، واستكشاف طرق جديدة للسرد، فأشكال السردية القائمة لم تتغير منذ قرون، ورغم التجريب في بعضها وظهور المدارس الأدبية المختلفة لكنها تظل ضمن النسق الثابت للشكل الأدبي الذي يجعل الكاتب هو المهيمن. ومن هنا كانت (المصغرات) التي تدعم تقاسم الكاتب والقارئ لهذه الهيمنة، وبذلك يتحول القارئ من متلقي إلى فاعل أساسي في عالم الكتابة.
قارئ مشارك
وعن قدرة القارئ على الإبداع ضمن النص كما لو أن الكاتب نفسه قد كتبه، يرى عبدالفتاح: بان القارئ هو الهدف النهائي الذي يريد الكاتب أن يصل إليه، ومهما قال الكاتب أنه غير مهتم بشيء آخر غير ما يكتبه فالقارئ هو الحاكم المطلق على ما يقدمه له الكاتب، فالذي يكتب حتى ولو كان يكتب النص لنفسه فقط ولن يعرضه على أحد فهو بعد الانتهاء منه سيقرأه ويصدر فيه حكمه، أيضاً الكاتب بعد انتهائه من الكتابة الأولى يقوم بدور القارئ ويحكم على ما قام بكتابته فيضيف أو يعدل أو يضعه في سلة المهملات. وإذا لم يكن الكاتب مؤمناً بقدرة القارئ على استيعاب وفهم ما سيكتبه لن يكتب. القارئ لديه وعيه، وتجربته الحياتية، وميوله لذا هو يقبل بعض الكتابات ويرفض البعض، أحياناً يشعر بالنشوة مما يقرأ وأحياناً بالخيبة مما قرأه، ولولا استمرارية القارئ في متابعة ما يصدر لانتهى الأدب منذ زمن طويل. وفي (المصغرات) يمكن تحقيق حلم القارئ أن يكتب نصه الذي يريد، نصه الذي يتمنى أن يكتبه كلما لمح كتاباً.
بشكل أو بآخر
والجدير بالذكر أنه دار "جدار" طرحت مصغرات سمير عبدالفتاح على شبكة الإنترنت بشكل مجاني، وهو الأمر الذي علق عيه الكاتب بهذا الشكل "يمكن الإجابة على هذا السؤال (بنعم) و(لا) حسب ما سيؤول إليه الأمر لاحقاً، وهل سيستطيع الكاتب الحصول على حقوقه بطرق أخرى سواء أكانت مباشرة عن طريق نسبة من الإعلانات في المنشورة في موقع تنزيل الكتاب أو غير مباشرة نتيجة انتشار الإصدار. لذا ليس النشر المجاني سيئاً بالمطلق، وكذلك ليس جيداً بالمطلق للكاتب."