طالما كان الاحتفال بثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، احتفائياً طيلة 58 سنة. على المستويين الرسمي والشعبي، ظل هذا الحدث التاريخي الكبير قاسماً مشتركاً بين السلطة والشعب، فقط، لكونه أسقط نظام الحكم الوراثي، وجاء بنظام الجمهورية الذي لا يجيز احتكار السلطة في فرد أو عائلة، أو يشترط صفات وراثية معينة في الوظيفة العامة؛ ابتداء من أصغر وحدة إدارية وانتهاءً بأعلى قمة في هرم السلطة؛ مؤسسة الرئاسة. كان ذلك أحد أهداف الثورة، وقد تحقق عملياً بتولي ضابط من خارج عائلات الحكم والمشيخ في اليمن، أول رئاسة للجمهورية. غير أن هذه الرئاسة صارت منذ ذلك الوقت، إما بوابة للفوضى والحرب، أو لاستقرار هش يعتمد استمراره على الحظ وتوافقات مرجعية، محلية وإقليمية ودولية، خارج نطاق الدستور والمصلحة العامة للبلاد.
انسحب هذا الاختلال على بقية مؤسسات الدولة، وصولاً إلى حالة من الاحتقان الشعبي إزاء ترهل مؤسسات الدولة، وتعثر مسيرة التغيير باختلال شروط التنمية والمواطنة المتساوية، وانفلات زمام القرار السيادي من أيدي القادة والمرجعيات الحاكمية، إلى أيدي دول الإقليم والمجتمع الدولي، بينما لا يزال الاحتفال بمناسبة الثورة على المستوى الرسمي والمرجعي، احتفائياً. لقد تجاور الاحتفاء والاحتقان سنة بعد أخرى، على ما ينطويان عليه من عُجب سلطوي وسخط شعبي. وهكذا أدى خَدَر السلطة وألم الشعب إلى حالة من عمى البصيرة الوطنية، إلى درجة فقدان القدرة على التقييم الذاتي وتقبّل النقد، وتالياً فقدان مهارة الحوار. أليس ذلك ما أوصل البلاد إلى الحرب المستمرة منذ ست سنوات؟
لم تكن ثورة 26 سبتمبر التحول الوحيد في تاريخ اليمن المعاصر خلال الستين سنة الماضية، لكنها حدث مفصلي يفترض استقراء سرديته في ضوء ما آلت إليه نتائج الأحداث التاريخية الأخرى؛ ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول في الجنوب، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، الوحدة، حرب صيف 94، ثم الانتقال السياسي الذي تعسر مخاضه بعد فبراير/ شباط 2011، فولد حرباً.
ذلك ما نحاول تقديمه في منصة "خيوط" عبر هذا الملف الخاص بالحدث الأول، على أمل أن نتمكن من تقديم ملفات قادمة عن الأحداث الأخرى التالية له.