عبد الغني مطهر، السبتمبري المغيب

حينما صار رأس المال رافعة ثورية في بلد معزول
محمد شمسان
September 25, 2024

عبد الغني مطهر، السبتمبري المغيب

حينما صار رأس المال رافعة ثورية في بلد معزول
محمد شمسان
September 25, 2024
.

في كل مرة تطل علينا ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تثار عدة أسئلة عن المُغيَّب من فصول هذه الثورة وأحداثها والفاعلين فيها، والسبب في ذلك أن القوى المتحكمة بالمشهد السياسي طيلة ستة عقود ولأسباب عديدة -سياسية وغير سياسية، وحسابات خاصة- عمدت إلى تضبيب الصورة الكاملة وتعتيمها أيضًا، ولم تكتف بذلك، بل عملت أيضًا على إسقاط شخصيات بعينها من فعل القراءة والتتبع الرسمي، وهي التي أحدثت الأثر البالغ في مسار الأحداث الكبيرة. 

عبد الغني مطهر إلى جوار الرئيس عبدالله السلال في تعز عام 1963

وتتجسد من حالة التغييب هذه شخصية رجل الأعمال عبد الغني مطهر التي تم التعتيم على أدوارها عن عمد، رغم حضورها الكبير في أحدث المرحلة الثورية، وتفاصيل مجرياتها، منذ تأسيس أول مكون مالي داعم لمشروع الثورة، بعد عودته من المهجر في العام 1957، وفتحه لمحلين تجاريين، الأول في مدينة تعز، والثاني في مدينة المخا. وقد تشكل هذا المكون من عدد من تجار لواء تعز، الذي شكل مصدرًا كبيرًاً، وربما وحيدًا للدعم المالي للثوار وتحركاتهم. فقد ضم هذا المجلس الذي كان يرأسه مطهر شخصيًا أهم الرموز التجارية الوطنية، ومنهم: علي محمد سعيد أنعم، شائف محمد سعيد، عبده طاهر أنعم، دائل عبد الواسع، محمد قائد سيف، علي حسين غالب الوجيه، محمد الحاج المحلوي، أحمد ناجي العديني، وآخرين تعمد بعض المؤرخين والموثقين تجاهلهم وتغيب أدوارهم الوطنية.

تنسيق داخلي وخارجي

لم يكتف المناضل الوطني الكبير عبد الغني مطهر بتقديم الدعم المالي المطلوب لقيام الثورة، بل كانت له جهود كبيرة في التخطيط والتحضير لها. فقد تم تكليفه من قبل تنظيم الضباط الأحرار بمهمة التواصل والتنسيق مع القيادة المصرية، ممثلة بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الداعم الأهم لمشروع الثورة من منطلق مشروعه العروبي الكبير للتحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما. وتذكر المصادر التاريخية أن تنظيم الضباط الأحرار قام بتكليف الملازم علي عبد المغني بالنزول من صنعاء إلى تعز ومقابلة الثائر الوطني عبد الغني مطهر. ويقول الأخير في كتابه "يوم ولد اليمن مجده" عن اللقاء الأول وما تلاه من لقاءات مع علي عبد المغني:

"في أواخر عام ١٩٦١ حضر إلى تعز الملازم على عبد القوي، وبرفقته الملازم أحمد الخمري، وتوجها إلى منزلى حيث بدأ بيننا لقاء مطول استمر من الساعة السابعة حتى الحادية عشر مساءً. وقد أبلغني الأخ على عبد المغني التحيات والتوصيات اللازمة من الإخوة عبد السلام صبرة، والعقيد حسن العمري، والزعيم عبد الله السلال. كما أخبرني أنه كان يطِّلع على كل ما كان يصل منا إلى صنعاء من تقارير ومعلومات خلال السنوات الثلاث السابقة."

 ويضيف مطهر في ذات السياق:

"كان الأخ على عبد المغني مفتوح القلب، صريحًا معي إلى أبعد الحدود، حين حضر إلى منزلى في اليوم التالي وأبلغني أن نقاشًا حادًا دار في صنعاء بين قادة التجمع الوطني بها وبين أعضاء ضباط الأحرار حول اتجاه بعض أولئك الضباط إلى عدم سبقة التجار وأنا منهم في الإعداد للثورة وتفجيرها، لأن هدفهم -كما زعم البعض- هو تسليم الحركة الوطنية بعد الاستيلاء على الحكم الإمامى إلى طبقة برجوازية لن يكون لها من هدف سوى تنمية ثرواتها على حساب الشعب! واستطرد الأخ عبد المغني أن هذا الحوار والجدل استغرق اجتماعات عدة انتهت إلى رفض اتجاه هؤلاء الضباط الذين يشكلون أقلية محدودة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. وقد أضاف الأخ علي عبد المغني قائلاً إنه لم يكن ليصارحنى بذلك الذي حدث لولا أن شعوره بالمودة الصادقة نحوي كان يحتم عليه أن يكون مفتوح القلب معي، وألا يخفي عني شيئًا كما فعلت أنا معه تمامًا. وليقينه العميق بوطنيتى وما بذلته من مال وجهد وعرق في سبيل تحقيق الهدف الأسمى الذى نسعى نحوه جميعًا، وليقينه أيضًا بأنني لن أفضي لأحد بما أخبرني به خشية حدوث انقسامات بي الضباط."

ولاحقًاً تم إبلاغه بواسطة عبد المغني بقرار التنظيم بتكليفه بالسفر إلى القاهرة، عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، في مهمة طلب دعم القيادة العربية لدعم مشروع ثورة. كان ذلك في بداية شهر أبريل من العام 1962. وبالفعل انتقل من تعز إلى القاهرة عبر مدينة عدن، وتم اللقاء بالقيادة المصرية وطلب دعمها وإسنادها للثورة. وقد كلف الزعيمُ عبد الناصر محمدَ أنور السادات، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية، بمهمة تولي الملف اليمني وتوفير كافة الدعم اللازم للضباط الأحرار.

قام السادات بتكليف عبد الرحمن البيضاني لدراسة الملف مع مطهر في بلد بعيد عن الأنظار، وهو ما تم بالفعل بسفر الاثنين إلى ألمانيا بشكل منفرد، وبعد ثمانية أيام من المناقشات كما يقول مطهر أعدا تقريرًا شاملاً عن الحالة رفعت للقيادة المصرية التي أعطت الضوء الأخضر بالتحرك وحددت ساعة الصفر بـ 23 يوليو. 

عاد المناضل عبد الغني إلى مدينة تعز، وأبلغ تنظيم الضباط الأحرار اليمنيين بموافقة القيادة العربية المصرية على دعم التحرك الثوري، وحمل إليهم رسالة بها الكثير من التفاصيل، ومنها بدأت الأمور الثورية تأخذ مسارًا جادًا في التحضير، وصولاً إلى يوم اندلاعها في فجر يوم الخميس من صباح السادس والعشرين من سبتمبر 1962، بعد أن تعذر إعلانها يوم 23 يوليو لأسباب تتصل بدرجة رئيسة بعدم اكتمال التحضير.

تم الإفراج عنه في ذروة حصار صنعاء مطلع 1968، بكفالة مالية كبيرة جدًا، ثم كُلف بالعودة إلى تعز لتجنيد المتطوعين لفك حصار صنعاء. وبعد عودة القيادات العسكرية الهاربة وإمساكها بزمام الأمور وجَّهت له اتهامًا خطيرًا، هو سعيه لفصل لواء تعز عن "الجمهورية العربية اليمنية، وإلحاقه بعدن، جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية،" فزج به من جديد في غياهب السجون في صنعاء.

من فاعل ثوري إلى معتقل 

بعد قيام ثورة سبتمبر المجيدة تفرغ عبد الغني مطهر لجملة من الأعمال الرسمية في الدولة الوليدة، توزعت بين عضوية مجلس القيادة ووزارة الصناعة والتجارة، وختامها محافظ لتعز حتى انقلاب الخامس من نوفمبر 1967، حين تم اعتقاله في تعز بحجة قربه من شخص الرئيس السلال والقيادة المصرية، وإرساله إلى صنعاء، حيث بقي معتقلاً لأشهر طويلة قبل أن يفرج عنه ويغادر إلى القاهرة لاجئًا سياسيًا معدمًا بعد أن بدد ثروته التي راكمها في المهجر في دعم مسارات الثورة من لحظة التخطيط حتى التنفيذ.

يقول عن اعتقاله: 

"الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة خمسة نوفمبر، أيقظني الحرس الموجودون بمنزلى وأخبروني بأن مصفحة بباب المنزل، بها ضابط وخمسة جنود، وأنهم يريدون مقابلتي. وقد عرفت منهم أن الضابط المذكور هو على الضبعي، فأذنت له، فأخبرني أن صنعاء اتصلت به بصفة عاجلة وطلبت أن أتوجه معه فورًا إلى القيادة في تعز، ولم يغب عن ذهني احتمال أن تكون عناصر الغدر قد بادرت بالكشف عن حقيقة نواياها.

وبعد أن استبدلت ثيابي وألقيت السلام على أفراد الأسرة اصطحبنى الضابط على الضبعي إلى مقر القيادة، حيث كان هناك قائد اللواء أحمد الفقي ونائبه العقيد محمد عبد الولي، وكانت معالم الخجل والأسف تبدو واضحة على وجهيهما حين استقبلاني، أما الضابط على الضبعى فقد كان للأسف الشديد يبدو في موقف الشامت المنتصر. وقد أخذني العجب حقًا من الضابط على الضبعي. فقد كان أحد الضباط المتعاونين مع أعضاء خلية تعز. وكان على اتصال دائم بي خلال فترة الكفاح العصيبة، فضلاً عن أنه كان هو بالذات موضع عطفي، فلم أبخل عليه يومًا بأي عطاء نقدي أو عيني من محلي التجاري."

تم الإفراج عنه في ذروة حصار صنعاء مطلع 1968 بكفالة مالية كبيرة جدًا، ثم كُلف بالعودة إلى تعز لتجنيد المتطوعين لفك حصار صنعاء، وبعد عودة القيادات العسكرية الهاربة وإمساكها بزمام الأمور وجهت له اتهامًاً خطيرًا، هو سعيه لفصل لواء تعز عن "الجمهورية العربية اليمنية، والحاقه بعدن، جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية،" فزُج به من جديد في غياهب السجون في صنعاء لمدة أحد عشر شهرًا تخللها التعذيب الشديد والقهر النفسي، وتم الإفراج عنه بشرط إبعاده عن اليمن، وهو ما كان في منتصف أغسطس 1969، فقد أُبعِد إلى القاهرة، وبقي لاجئًاً سياسيًاً فيها ولم يعد إلى اليمن إلا في منتصف الثمانيات، وتوفي في 2003 في مدينة تعز، وفيها دفن.

•••
محمد شمسان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English