مهما قيل ويقال، ومهما أبدينا من ملاحظات، تظل ثورة 26 سبتمبر فعلًا عظيمًا، لضرورة قصوى. لم تأتِ نتيجة رغبة شخصية أو ضد شخص بعينه، بقدر ما كانت ثورة على أوضاع وصلت باليمن إلى ما بعد الكارث. ولسنا بحاجة إلى تأكيد أنّ اليمن الشمالي -تحديدًا- كان غير موجود تقريبًا على خارطة معرفة الإنسان في العالم، يفصل بينه وعدن مساحةٌ بسبب صعوبتها كأنما هي بين عالم وعالم آخر، وكانت عدن في الأول والأخير متنفس اليمنيين جميعًا، ومنفذًا منه يهرب المقهورون من جَور الأوضاع القاهرة إلى البحر وما وراءه!
لن يجيء أحدٌ يمتلك عقلًا ويقول إنّ ثورة سبتمبر كانت مثالية، بل هي كأي ثورة في واقعٍ متخلفٍ لم يكن يوجد فيه ما يؤسِّس للبناء عليه، لذلك يصح القول، بل هو كذلك، إنّنا بدأنا من الصفر أو من قبله، ولولا مساندة مصر ربما كانت وُئِدت في أيامها الأولى بالتوازي مع اندفاع الناس للدفاع عنها في وجه الجيران الذين رأوا فيها مصيبتهم، وليس فرصتنا للخروج. هل كانت ثورة؟ أو انقلابًا؟ أقول: يصح عليها ما يصح على ثورة يوليو في مصر.
يكابر كثيرون الآن تحديدًا على أنّ مثالب كثيرة لحقت بالثورة وثوارها، وأيّ عاقل يدرك أنّ الثوار لم تكن لديهم رؤية لما بعد نجاحها.
صعوبة الواقع تبدّى فيما بعد، والحرب ضدها من اليوم الثاني زاد الأمر صعوبة، فكان على البلاد أن تحارب في جبهات كثيرة، في ظل ظروف داخلية وإقليمية وعالمية قاهرة.
إنّ على من يريد إدراك ضرورتها كثورة، أن يعود للأنّة الأولى للنعمان، ليرى أيَّ واقعٍ وأيَّ إنسانٍ كانا بحاجة إلى من ينقذهما بأي طريقة وبأي أسلوب وتحت أي شعار.
لم يكن هناك غير مصر، الوحيدة القادرة على إنجاح الثورة، لكن خلافات الصف الجمهوري، أدّى إلى اعتقال القيادة اليمنية، وأدّت نكسة يونيو 67 إلى اتفاق مصر والسعودية، ليؤدّي الانقسام والنكسة إلى 5 نوفمبر التي جاءت بشعار السلام مع الجيران إلى أن يحتوي الجيران الثوار والفعل كله.
رؤيتان حكمتا الأسلوب والفعل، وأدّتا فيما بعد إلى أنّ كل طرف حاول أن يفعل كلَّ ما يستطيع لإثبات أنّ رؤيته هي الصحيحة.
الأحرار والثوار
الأحرار وحكمت رؤيتهم للواقع النظرَ من زاوية الجهل والتخلف، وصعوبة أنّ تثور في واقع جاهل، واجهها بالمقابل عسكريون كان همّهم التخلص من الإمام، ولم يضعوا أمامهم السؤال، والذي سيكون ابتداء من اليوم التالي.
بالمقابل، كانت خلايا الأحزاب القومية مقتنعة بأنّ شعارات حزب البعث بشقيه، وكذلك أحزاب اليسار، صالحة للواقع؛ بينما كانت تبعد كل البعد.
كل ضبابية الأيام الأولى جاءت بالقبيلة إلى الواجهة، وهي التي فلترت الثورة فيما بعد، بحسب رؤية نخبتها التي كانت ترى في الجمهورية عملًا شيطانيًّا إن لم تؤدِّ الثورة إلى استبدال الإمام بالشيخ أو بالفندم القبيلي.
حتى مصر تاهت رؤيتها، ولم تستطع في النهاية أن تفعل شيئًا بسبب عدم فهمها للواقع. وعودة إلى الجزء الثاني من مذكرات القاضي الإرياني تبيّن ذلك بوضوح، ورسائل النعمان في كل اتجاه.
تعاقبت الوجوه بعد 5 نوفمبر، حتى تاه سبتمبر، وأكتوبر الذي كان ثورة يفترض أن تكون إضافة ومحركًا قويًّا إلى الأمام، وإذا بسبتمبر وأكتوبر يتلوها، ليصرخ البردّوني: "يا سبتمبر، قل لأكتوبر".
60 عامًا ولا تزال الأسئلة الكبيرة بدون أجوبة :
- هل حقّق الثوار أهداف الثورة؟
- لماذا لم تنتج مرحلة الستينيات بزخمها، ثقافةَ الثورة وأجيال الثورة؟
- لماذا لم يتم تقييم ما حصل في 26 سبتمبر 62؟
- لماذا لم يتم استخلاص أي نتائج للمراحل اللاحقة للثورة؟
- في ظل 5 نوفمبر، هل بقيت ثورة سبتمبر أو أنّ العلم هو الذي بقيَ وحيدًا؟
- هل أدّى تصادم رؤيتي الأحرار والثوار إلى ما وصلنا إليه؟
- هل أعادت القبيلة كل شيء إلى ما كان عليه، حسب رؤية نخبها؟
وفي الأخير:
- هل أجهضت الثورة بعد أن التفّ الشعب حولها وخذله صراع الثوار؟
والآن وبشجاعة، لا يستطيع أي مكابر. منجزات ثورة 26 سبتمبر 62، في كل مناحي الحياة.
لماذا لا نرى للثورة اليمنية أجيالًا تدافع عنها؟
60 عامًا، نحن بحاجة إلى إعادة القراءة.