من هذه المعاينة في مرويات بعض رموز سبتمبر 1962م، في مذكراتهم وشهاداتهم وكتاباتهم المختلفة، إلى جانب اقتباسات من كتابات متعددة عن سبتمبر، تريد "خيوط" التذكير بما دوّنه بعضٌ منهم، وصارت معظم أرواح أصحابها تحلّق في عالم آخر، من باب التوثيق، وإرشاد القارئ إلى كتبهم التي تضمّنت مثل هذه الاقتباسات.
كانوا أكثر إحساسًا بالحدث وصنعوا مقدماته العظيمة، وواكبوا الكثير من تحولاته وانسداداته أيضًا، وتبقى مروياتهم شاهدة حقيقة على لحظة مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر تشبّث بها اليمنيون كحبل نجاة رهيف.
_______________________________________
اليد العربية الخيرة
"سبع سنوات كاملة قضيتها في القاهرة أتحيّن الفرصة من أجل إعلان مظلمة الشعب اليمني، وأتحايل على الظروف (والملابسات) من أجل إعداد الشعب للثورة على واقعه الفاسد... فإنّ إيماني بحتمية التعاون بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة لم يتغير، ولم يتزعزع؛ لأني وقد عشت ظروف بلادي، وعلمت أمورها، وخبرت شؤونها خلال ثلاثين عامًا من النضال المشرف الذي لا يستطيع دعِيّ أو مدسوس على حركة الشعب أن يزيفه أو يشوّشه. تيقّنت أنّ اليمن الحديثة المرجوة لا يمكن بناؤها، وقد تخلّفت عن ركب الحضارة العالمي– بدون اليد العربية الخيرة، وأين هي هذه اليد في بلاد العرب، إذا نحن عدونا مصر بإمكانياتها العلمية والاقتصادية والعسكرية".
(مذكرات أحمد محمد نعمان: سيرة حياته الثقافية والسياسية، مراجعة وتحرير: علي محمد زيد، تقديم: فرانسوا بورغا، نادية ماريا الشيخ، صنعاء، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، ص 258).
أرواح ترفرف
"وفي صبيحة الخميس 27 سبتمبر، (تحركت قوات الثورة يومَ الأربعاء 26 سبتمبر مساء، وأعلنت الثورة صباحَ الخميس 27 سبتمبر)، جاءنا السائق يحيى الكوكباني يقول: هل سمعتم إلى إذاعة صنعاء؟ لقد قامت ثورة، وأعلنت الجمهورية، وأسرعنا إلى الراديو؛ لنسمع صوت الأستاذ محمد الفسيل يجلجل بإعلان الجمهورية، ولم أكد أصدق ما أسمع، واستعرضت عيناي لحظتها مواكب الشهداء من سنة 48 إلى 61، وتخيلت أن أرواحهم ترفرف على أجواء اليمن في مهرجان النصر، فلم أملك عيني، وأنشدت قول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
لأول مرة قد ذاق جفني ** على ما ذاقه طعم السرور".
(مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، مطابع الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، طبعة أولى، 2013 الجزء الأول، 1910-1962).
خاتمة لحكم الطغاة
"وجاءت ليلة الـ26 من سبتمبر؛ ليعلن الأحرار للعالم بأنّ الثورة قد قامت، وأنّ الجمهورية اليمنية هي خاتمة حكم الطغاة...، وأذكر أنه كان هناك قبيل الثورة إحساس بأنها أصبحت على الأبواب، كما أذكر أنّي التقيت بالبطل علي عبدالمغني -رحمه الله- في ميدان التحرير، وسألته في حذر: ماذا وراءك يا عزيزي؟ فرد عليّ باقتضاب، إنكم قد أديتم، وتحملتم محنة الانتكاسة سنة 1948م، وعلينا اليوم أن نؤدّي الواجب، وأن نتحمل تبعة ما سنقوم به.
فقلت له: اسألونا؛ فقد جربنا الخطأ. فردّ علي: لقد درسنا كل الاحتمالات، وعلى الله التوكل. فقلت له: أعانكم الله، ونحن شركاؤكم، وافترقنا ولم نزد على ذلك.
وهكذا بقينا نفكر ونتذكر حركة التاريخ، حتى كان صبح يوم الخميس 26 سبتمبر سنة 1962، حين دوت المدافع تدك قصر البشائر، وأعلن المذيع: هنا صنعاء، إذاعة الجمهورية العربية اليمنية".
(أحمد حسين المروني، الخروج من النفق المظلم – معالم سيرة ذاتية، ص183-184).
ما أسمعني إيّاه الرئيس قاسم
"وبينما كنت أتناول العشاء ضيفًا على اتحاد عمال العراق، مساء الجمعة 28 سبتمبر (أيلول) 1962، إذا بسيارة اللواء عبدالكريم قاسم تصل لتنقلني لمقابلته في وزارة الدفاع، حيث كان يقيم ويعمل، وقد ذكر لي أنّ ثورة قامت في اليمن، وأسمعني ما سجلته وكالة الأنباء العراقية من بيانات أذاعها راديو صنعاء، بينها بيان بتشكيل الحكومة التي عُينت فيها وزيرًا للخارجية".
(محسن العيني، خمسون عامًا في الرمال المتحركة - قصتي مع بناء الدولة الحديثة في اليمن، الميثاق للنشر، الطبعة الثانية، 2006، ص 49).
مهرجان الشروق
"إنّ الجيل الذي شهد مولد ثورة 26 سبتمبر سنة 1962، من تلك الأجيال التي واعدها القدر لتعيش لحظات الانتقال العظيمة التي تشبه مهرجان الشروق. لقد سبق مولد الثورة في اليمن ليلٌ طويل امتدّ مئات السنين، عاشها الشعب في صراع مستمر مع ظلام الاستبداد والظلم والتأخر. ليل عاشته أجيالنا قبلنا، وقاست أهواله، وتحملت مصاعبه؛ لكي تقرب منا لحظة شروق الشمس – شمس الحرية والقوة والكرامة".
(التاريخ السري للثورة اليمنية، عبدالله جزيلان، دار العودة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1977، ص13).
اليمن الجمهوري البديل
"إنّ الخط السبتمبري على امتداده أكثر اختلافًا من حروب التحرير ضد العثمانيين، ومن الحركات الدستورية، والتمردات العسكرية، والانتفاضات القبلية التي ملأت الخمسينيات؛ لأنّه أتى حاملًا على كتفه اليمن الجمهوري البديل عن اليمن الملكي، وهذا الحدث يميز سبتمبر من كل الحركات التي تمخض من خلالها".
(عبدالله البردّوني، اليمن الجمهوري، دار الأندلس، طبعة خامسة، 1959م، ص 383-384).
اختيار الثورة الأخطر
"وربما كان خطأ الرعيل الأول من الأحرار اليمنيين أنهم كانوا قد اعتنقوا فكرة الإصلاح والمهادنة. وبعد أن أدركوا أنّ فكرة الإصلاح ليست، في حال نجاحها، سوى نجاح للحكام أنفسهم وللأنظمة الفاسدة، كنظام الحكم الفاسد الذي عرفته اليمن قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، كان لا بدّ من الثورة؛ لكي تقتلع الفساد من جذوره، وتضع الشعب وجهًا لوجه مع قدره الجديد ومع أحلامه في التغيير. وإذا كان عامل الاختيار عنصرًا جوهريًّا في حياة الشعوب، فإنّ اختيار الثورة هو أهمّ وأخطر تلك العناصر".
(د. عبدالعزيز المقالح، من الأنين إلى الثورة - قراءة في وثائق بدايات الحركة الوطنية في اليمن، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الثانية، 2011، ص279)
تمثّلت القديم والجديد
وقد يتبادر إلى ذهن المتتبع للحركة الثقافية فيما بعد ثورة 26 سبتمبر أنها ليست امتدادًا للثقافة اليمنية السائدة حينها. وعلى العكس، فلقد تمثّلت هذه الثورة الجديدَ والقديمَ في الثقافة اليمنية، ونفّذته على نطاق التشريع والقوانين والأنظمة الإدارية وحتى في المؤسسات الاقتصادية. وجاء أول دستور مؤقت للجمهورية العربية اليمنية مزيجًا من القديم والجديد، ولو أنّه تناسى الشعار المرفوع آنذاك، بالنسبة لقضية الوحدة اليمنية.
(عمر الجاوي، ثقافة 26 سبتمبر- افتتاحيات الحكمة، كتاب الحكمة 3، الطبعة الأولى، 1989، ص 30)
كل شيء لا يساوي الحرية
عند تجاوزنا للحدود (الشطرية السابقة)، استنشقتُ نسيمَ الحرية واطمأنّت نفسي، وكأن كابوس الهمّ والغم انزاح عني وأضاءت لي الدنيا، وكأني خرجت من الظلمات إلى النور، فلا إمام ولا حبس ولا جاسوسية ولا تهديد، وشعرت أنني أصبحت خالي البال، ممّا هوَّن عليَّ مفارقة السكن والمال. كل شيء لا يساوي الحرية".
(الطريق إلى الحرية – مذكرات العزي صالح السنيدار، إصدارات وزارة الثقافة - صنعاء 2004، ص 250)
يوم الانعتاق
"افتح صنعاء، افتح صنعاء؛ فإنّها تذيع أناشيد وطنية حماسية. يعلم الله ما هناك! ففتحت الراديو الصغير الذي كان مخبَّأً وراء الوسادة؛ لأنّه كان ممنوعًا علينا، ولكن لم يعترض أحد، وبحثت عن إذاعة صنعاء، فوجدناها أناشيد ثورية حقًّا، وكانت لحظات لا يمكن أن توصف، ثم بعد قليل استمعنا للبيان الأول، وكدنا لا نصدق أنفسنا، ولكنّها الحقيقة، وقد عرفنا أصوات بعض الإخوان، كالأستاذ محمد عبدالله الفسيل، والأخ علي قاسم المؤيد، وغيرهما الذين أعلنوا قيام الثورة، وكان يوم اليمن يوم الانعتاق لكل الشعب، لا لنا كمعتقلين".
(ذكريات وحقائق للتاريخ، حسين عبدالله المقدمي، مؤسسة العفيف الثقافية، الطبعة الأولى، 2004، ص124).
صفحة جديدة
"انفتحت صفحة جديدة في تاريخ اليمن الحديث. تأسَّس فيها نظام جمهوري، فتح الباب واسعًا لخروج اليمن من عزلتها وتخلفها، وأتاح لها الالتحاق بعالمها المعاصر، ووضع نهاية لنظام إمامي تكلس حتى لم يعد ينتمي إلى العصر الذي يعيش فيه".
(حسن مكي، أيام وذكريات، مركز عبادي للدراسات والنشر، طبعة أولى، ص114).
تخليص البلاد من محنتها
"كان من خطط الأحرار في تعز، العملُ على استقطاب المسؤولين المصريين لمعاونة العناصر الوطنية في اليمن، في تحقيق أهدافها. ولم يكن أمامي في ذلك الوقت من وسيلة لتحقيق هذه الغاية سوى إجراء اتصالات بالمسؤولين من مواطني مصر الذين يقيمون في تعز، أو يحضرون إليها كي أشرح لهم الأبعاد الصحيحة للموقف في اليمن، والجهود التي تبذلها العناصر الوطنية بها لتخليص البلاد من محنتها".
(عبدالغني مطهر، يوم ولد اليمن مجده، الطبعة الثانية 1990 (بدون إشارة لدار النشر)، ص 109)
لم تكن حكرًا على أحد
"لم تكن ثورة 26 سبتمبر حكرًا أو ملكًا لتنظيم الضباط الأحرار، بل لجميع اليمنيين الذين ساعدوا على نجاحها بمشاركتهم في الدفاع عنها بالمال والدم والأرواح؛ لهذا هي ليست ملكًا لطبقة أو فئة معينة من فئات الشعب، بل كانت ملكًا للشعب، شماله وجنوبه، دون استثناء، كما أنّها ليست وليدة الصدفة، وإنّما كانت نتيجة حتمية للنضال الكبير لكلِّ فئات المجتمع الذي ضاق من الظلم الذي لحق به خلال سنوات عديدة؛ لهذا لم تكن الثورة وليدة الصدفة أو مستوردة من الخارج، كما قد يعتقد البعض؛ لذلك تعتبر ثورة 26 الوليد الشرعي والمكتمل النمو لثورة 1948، ولحركة 1955، وما تخلل تلك السنوات من أحداث وتضحيات جسام، ونضال مرير وعنيف توّج باليوم الخالد والمجيد في 26 سبتمبر 1962".
(عبدالسلام صبرة – ضمير الوطن، مطابع دائرة التوجيه المعنوي، الطبعة الأولى، دون ذكر تاريخ الطبع، ص134).
البحث عن مخرج
"عندما قامت ثورة 26 سبتمبر المجيدة كان الشعب اليمني يبحث عن مخرج أو مخلص من الحكم الإمامي المستبد...، وقبل الثورة، وربما من بعد ثورة 1948 بدأ شيئًا فشيئًا يتحرك في أذهان الناس معنى التغيير؛ حتى إنه عندما قامت ثورة 26 سبتمبر كان الشعب اليمني مهيّئًا تهيئة كاملة للتغيير في حد ذاته. ثورة 26 سبتمبر كانت نتيجة الحركة الوطنية من بداية الثلاثينيات؛ إنها الخلاصة للنضال الوطني والاستنارة المخلصة، وكان النضج قد وصل إلى مرحلة اليقين؛ بمعنى أن الناس كأنها كانت تريد التغيير والخلاص".
(أحمد جابر عفيف، شاهد على اليمن- أشياء من الذاكرة، مؤسسة العفيف الثقافية، الطبعة الأولى، 2000، ص267-268).
إشراقة جديدة
"في صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، أفقنا على أصوات أساتذتنا الأجلّاء: الأستاذ محمد عبدالله الفسيل، والزميل المقدم علي قاسم المؤيد، والأستاذ عبدالعزيز المقالح، والأستاذ المرحوم عبدالله حمران، والأستاذ حمود السرحي، والأستاذ عبدالوهاب جحاف، وهم يرددون خلال الإذاعة: هنا الجمهورية العربية اليمنية، وكانت الإشراقة الجديدة على شعبنا، والانعتاق من دولة العبودية المطلقة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهي مخالفة لكل الشرائع السماوية". (شاهد على الحركة الوطنية)
(يحيى مصلح مهدي- سيرته ونضاله، مركز عبادي للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 2011، ص 84).
الزحف الكبير
"بعد مرور يومين اثنين على هذا الزحف الكبير، وإسقاط مشروع قيام دولة الجنوب العربي التي يخطط لها الاستعمار، قامت ثورة 26 سبتمبر 1962، في شمال الوطن انتصارًا للحركة الوطنية المقاومة لهذا المشروع، وأسقطت النظام الملكي في شمال الوطن الذي كان ساكتًا عن عبث الاستعمار، وأقامت هذه الثورة النظام الجمهوري، وأتاحت المجال لبداية الكفاح المسلح لتحرير جنوب الوطن المحتل، وتحقيق الوحدة الوطنية في طريق الوحدة العربية".
(مسيرة الحركة الوطنية اليمنية 1962-11 20، اللواء الركن علي محمد هاشم عون، الطبعة الثانية، دون ذكر المطبعة، 2020، ص36).
حماس ووطنية
كانت صنعاء تغلي بالمؤامرات ضد نظام الحكم التقليدي المتخلف عن ركب الحداثة؛ فكانت محاولات 48، و55، و60، للخلاص من الأئمة. والذي ساعد على نجاح الانقلاب العسكري الثوري في 62، والذي انتهى بثورة في أسس الحكم، وإلى حدٍّ ما، في بنية المجتمع- عدةُ عوامل داخلية، مثل معاناة الناس، وتململ الطبقة الوسطى، والتنافس القاتل بين أفراد الأسرة الحاكمة، وفقدان ولاء القادة والسادة الذين ناصروا الحكم، ونشدان الثأر من بعض مشائخ القبائل الثائرة؛ لأخذ الثأر، وتضرر بعض أفراد التجار من احتكار الأعمال، وعلى رأس الجميع حماس ووطنية بعض الشباب المتعلم، وفي مقدمتهم أولئك الضباط البواسل، وأخص منهم أولئك الذين استشهدوا، أو عاشوا ولم يقبضوا الثمن".
(محطات حياتي، حسين علي الحبيشي، سيرة ذاتية، مركز عبادي للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1424هـ-2003، ص225).
مواطن مطحون
"إنّ حكم بعض الأئمة في اليمن كان خرابًا ووبالًا على البلاد وأهلها؛ فقد سجّل التاريخ وقائع يشيب لها الرأس، وكان المواطن اليمني هو المطحون عبر جميع المراحل... على أنّ عهود الإمامة المظلمة لم تمرّ دون مواجهات؛ فالمجتمع اليمني لم يخضع لظلم الأئمة ومكائدهم بشكل مطلق، وقد سجّل التاريخ الكثير من الوقائع التي تؤكّد رفضه للدجل الكهنوتي، والاستعباد باسم الدين، وخاصة بعد أن تكشفت له الحقائق، واتضح أنّه يعيش وهمًا كبيرًا صنعته ضمائر شريرة باسم العقيدة الإسلامية السمحاء لخدمة أغراضها الدنيوية الصغيرة، وكانت آخر المواجهات الشعبية للتخلص من جبروت الظلم الإمامي، هي تلك التي تميزت بها فترة الأربعينيات والخمسينيات بدايةً من ثورة 17 فبراير 1948 ضد الإمام يحيى حميد الدين، مرورًا بانقلاب مارس 1955، والتمرّدات الكبرى 1959، وانتهاءً بثورة السادس والعشرين من سبتمبر1962".
(حقائق ثورة سبتمبر اليمنية إعدادًا وتنفيذًا، العميد صالح علي الأشول، نشر بمشاركة مؤسسة العفيف الثقافية، ط3، 2001، ص50-52).
تخلف رهيب
"لا بدّ من ذكر شيء ولو بسيط عن المجموعة المؤمنة التي شنّفت أسماع اليمنيين من الداخل والخارج، وشدّت انتباه العالم بصوت الحق المدوي في جنوب الجزيرة العربية من صنعاء بأنّ ثورة ضد التخلف الرهيب، وجمهورية أعلنت في اليمن، قد قامت لنصر الله وإيمان الشعب اليمني ونضال الأحرار في أن يعيش حرًّا كريمًا بين الشعوب. تلك المجموعة التي بادرت من الساعات الأولى لقيام الثورة بعزم وتضحية، وشدّوا سواعدهم وهممهم وتجاربهم مع ثورتهم- ثورة الشعب، وانطلقت الحناجر موضّحة كيف كانت تعيش في عالم المجهول".
(ذكريات ومحطات من سيرة محمد عبدالكريم المأخذي- عضو مجلس قيادة ثورة 26 سبتمبر، دار الإمام زيد بن علي للطباعة والنشر، طبعة أولى، 2016م، ص232).
لا يقارن بأي حدث آخر
إنّ حدث 26 سبتمبر 1962، لا يقارنه أي حدث آخر في تاريخ اليمن، قديمه وحديثه. فقد استطاعت هذه الثورة المجيدة أن تحرر الشعب اليمني من الحكم الفردي الأوتوقراطي، المستبد المتخلف الذي استمر أكثر من ألف عام، كما أنّ هذه الثورة تعرّضت لمؤامرات واعتداءات داخلية وخارجية وحرب أهلية استمرت عدة سنوات بين قوى التقدم والتخلف، "وذهب ضحيتها الآلاف من اليمنيين وإخوانهم العرب من المصريين الذين هبوا لنجدة الثورة والجمهورية".
(سلطان ناجي، التاريخ العسكري لليمن 1839-1967، دار العودة، بيروت، الطبعة الثانية، 1985، ص220).
"إلى أولئك الرجال الذين كتبوا بدمائهم أنصع صفحات الخلود من أبناء اليمن ومن أبناء مصر العروبة الذين قدّموا أرواحهم رخيصة دفاعًا عن الثورة والجمهورية. إلى كل المناضلين الذين رفعوا راية الثورة وحافظوا عليها عالية وخفاقة في ربوع اليمن".
(اللواء الركن علي محمد صلاح، من مذكراتي: الدراسة، معركة النصر بحجة، مطابع التوجيه، 2012، الطبعة الأولى).
ظروف متشابكة
"واقتربت لحظة تحول الحلم والأمل إلى حقيقة عشية سقوط الإمامة بثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 وقيام الجمهورية، وتقلّصت مسافة الوصول إلى استعادة الوحدة اليمنية بقيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 في الجنوب، وجلاء الاستعمار البريطاني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967. ورغم هذين الانتصارين بنهاية الإمام وجلاء الاستعمار، إلَّا أنّ ظروفًا قد حالت دون الوصول إلى الحلم الوحدوي عشية خروج الاستعمار البريطاني من عدن، واستقلال جنوب الوطن، وظروف الحرب الباردة، وظروف انقسام التطلعات القومية وتأثر القوى الوطنية بها، بل وانقسامها، والتطورات الداخلية والإقليمية العربية؛ ومنها مغادرة القوات المصرية اليمن، وقيام حركة الخامس من نوفمبر 1967، ومواجهة حصار السبعين يومًا لصنعاء 1968".
(يحيى حسين العرشي، الاستقلال .. الوحدة، مطابع التوجيه المعنوي – صنعاء، الطبعة الأولى، 2013، ص17).
مخلفات بائدة
"لم تكن ثورة 26 سبتمبر إلا تعبيرًا تاريخيًّا عن طموحات الشعب اليمني النضالية في بناء مجتمع أفضل تسوده "العدالة الاجتماعية"، وتنتفي فيه مخلفات العهود البائدة التي عمقت الجهل والتأخر الفكري".
(أ. عبده علي عثمان، الخلفية الاجتماعية لثورة 26 سبتمبر- ثورة 26 سبتمبر: دراسات وشهادات للتاريخ، مركز الدراسات والبحوث اليمني، ط 2، 2013، ص 18).
امتداد لحركة وطنية
"لم تكن ثورة 26 سبتمبر مقطوعة الجذور عمّا سبقها من نضالات وطنية لجماهير شعبنا، بل هي امتدادٌ طبيعي لحركة وطنية شاملة، بدأت بمقاومة الغزو التركي والاحتلال البريطاني".
(سيف أحمد حيدر، الخلفية الاجتماعية لثورة 26 سبتمبر- ثورة 26 سبتمبر: دراسات وشهادات للتاريخ، مركز الدراسات والبحوث اليمني، ط 2، 2013، ص 95).
ثورة ثورة يا سلال
"ذهبت بعدها مباشرة إلي بيت التاجر علي حسن الوجيه، والذي كانت تربطه بوالدي علاقة ممتازة، حيث كان منها يتم تجهيز فدائيّ الثورة والراغبين في الالتحاق بالتشكيلات العسكرية الوليدة مثل الحرس الوطني. وجدت في البيت وقتها عشرات الراغبين في السفر إلى تعز وصنعاء ومنهم حسن السحولي، الذي ترافقت معه وآخرين بسيارة لاند روفر حديثة عن طريق الراهدة -بعد سنوات طويلة، وبعد أن صار سفيرًا، ذكّرني بالتعب الشديد الذي ألمّ به في رحلة الصعود إلى تعز وكنت مستشاره الطبي طيلة الطريق حيث أُسعف إلى المستشفى فور وصولنا- في الطريق كنّا نشاهد الكثير من البوابير العتيقة والشاحنات المتوسطة وهي محملة بعشرات المتطوعين المتقدين بالحماس وهم في طريقهم إلى تعز للانضمام للحرس الوطني. تركوا أعمالهم وأشغالهم ومدارسهم في عدن ليلتحقوا بركب الثورة، وكان منظرًا جليلًا يؤثر في كل من يراه، أما هتافهم المجلجل: (ثورة ثورة يا سلال.. وحدة وحدة يا سلال)، فقد كان يأخذنا إلى مدى أبعد من الحماس".
(حياة تُملِّحُها الحكايات - حسين السفاري وأيامه، طبعة خاصة، يونيو 2021، ص99).
مهمّة وطنية
"وأنا في "بئر علي" حينها سمعت عبر الراديو بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، فشعرت بالفرح، وفي الوقت نفسه انزعجت لعدم وجودي ومشاركتي في صنع أحداث هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من تاريخ اليمن. وقتها تلقيت رسالة، مع الطائرة التي كانت تأتي مرة واحدة كل أسبوع من عدن، مبعوثة من الأستاذ علي عبدالعزيز نصر، يقول فيها: ارجع سريعًا، فوطنك يحتاج إليك، فتفاعلت مشاعري الوجدانية مع موضوع الرسالة، وقررت العودة لتأدية واجبي الوطني. ولأنّ الخروج من المنطقة لا يتم إلا بموافقة سلطان الواحدي، عُدتُّ إلى ميفعة، وكنتُ قد كوّنت صداقة مع المسؤولين هناك، وعند مجيء الطائرة صعدت على متنها مُدّعيًا البحث عن "عفش" (أثاث) مرسل لي من عدن للبيت تجهيزًا لوصول زوجتي، عندها غمزت لضابط المطار، وقلت له: اسمع لدي مهمّة وطنية، فقال لي: اذهب، رافقتك السلامة. ولم يكن معي ملابس ولا مستلزمات أخرى. ومن عدن التي وصلتها بالطائرة، سافرت إلى لحج، ومنها إلى تعز".
(سلطان أحمد زيد، محطات من تاريخ حركة اليسار في اليمن- تجربة شخصية، مركز إرم للتنمية الثقافية - صنعاء، الطبعة الأولى، 2020، ص 48)
مرحلة جديدة
"كانت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار حدثًا ثوريًّا تاريخيًّا هامًّا قامت به نخبة من أبناء اليمن البارزين الطموحين، وقد سبقته العديد من الأحداث، فقد بدأ التفاوت الاجتماعي يظهر بوضوح في نهاية الخمسينيات، وفي نفس هذه الفترة أصبح نمط الإنتاج الرأسمالي مسيطرًا، وتراجعت بقوة مجموعة الأنماط الإنتاجية ما قبل الرأسمالية، فكان ذلك إيذانًا ببدء مرحلة جديدة".
(التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية: رؤية سوسيولوجية لتحول بناء القوة، د. عبدالملك المقرمي، دار الفكر المعاصر، بيروت- لبنان، دار الفكر- دمشق سورية، الطبعة الأولى، 1991م، ص350).