حتى منتصف القرن العشرين، عانى اليمني كثيرًا -إلى جانب عزلته الخارجية- عزلةً داخلية بفعل عدم وجود شبكة طرقات سالكة، في بلد أقل ما يمكن وصفه بالجبلي والوعر. لكن بعد الثورة اليمنية، شهد هذا المجال جهدًا لا بأس به لتعمير الطرقات، أبرزها تجربة التعاونيات التي ازدهرت في أثناء حكم الرئيس إبراهيم الحمدي. لذا، فإنّ المراقبين يرون في الطريق الوسيلة الثانية، بعد التعليم، لخلق تنمية، فضلًا عن أن يتم قطع هذه الطرق وتخريبها بفعل الاحتراب وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية.
في السنوات العشر الأخيرة، والتي شهدت اضطرابًا ومن ثَمّ حربًا أهلية ضروس، استخدم قطع الطريق كأداة حرب إن لم تكن أداة عقاب جماعي بحق المدنيين، ومن عرف وتابع حصار مدينة تعز من قبل جماعة أنصارالله (الحوثيين)، يعرف ما الذي نعنيه. ولم تكن بالطبع تعز هي المتضررة الوحيدة، لكنها الأعنف تضررًا، فهناك طرق أخرى مثل دمت-عدن، والحديدة-العدين، والتي تضرر الناس والتجار بشكل فادح من إغلاقهما، كما تضاعفت أجور السفر وأسعار السلع، مع تضاعف المسافة ومن ثم معاناة الناس.
تحاول "خيوط" من خلال هذا الملف، المساهمة بتسليط الضوء على جزء من المأساة التي يعيشها اليمنيون يومًا إثرَ يوم وهم يحاولون مواصلة حياتهم، وهي قصة كفاح، تعكس مدى حرص الناس على عدم الاستسلام لواقعهم الكارثي، عوضًا عن التجارب الاستثنائية في تعويض غياب الدولة والنظام والقانون. هذا الأخير يظهر جليًّا في المبادرات الاجتماعية لشق الطرقات وبنائها، لتُعِيد إلى الأذهان حكاية اليمني الذي لا يقهر، اليمني الذي نطمح ونريد.
صورة الغلاف ل: نشوان صادق - خيوط