عرفت مدينة تعز الحرب في أعقاب التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية والإمارات على اليمن في 26 مارس/ أذار 2015، لكن التوتر الذي مهد للانهيار الكامل للوضع، كان قد سبق ذلك بعدة أشهر، مع محاولة جماعة أنصارالله (الحوثيين) السيطرة على المدن بقوة السلاح.
قبل ذلك، كانت مداخل المدينة لا تزال متاحة للناس من أجل المرور وخصوصًا المداخل الشرقية والشمالية النشطة. في 16 إبريل/ نيسان 2015 بدأت تتكون مجموعات مسلحة فيما عرف حينها "بالمقاومة الشعبية" بقيادة حمود سعيد المخلافي.
بعد يوم واحد فقط؛ أي في 17 إبريل/ نيسان، كان الناس في تعز على موعد مع أبرز حدث فيها، والذي تمثل في قصف طائرات التحالف لمبنى القصر الجمهوري، اندلعت بعدها المواجهات بصورة عنيفة في الجهة الشرقية من المدينة وتحديدًا في شارع الحوض والثورة وما حولهما.
ورغم ضراوة القتال إلا أن المنافذ الشرقية من المدينة تلك كانت لا تزال متاحة لمرور المدنيين عند توقف القتال بين أطراف النزاع.
المنفذ الشمالي الشرقي
مع احتدام المعارك العسكرية في الشهور الأخيرة من عام 2015، تراجعت القوات التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) وذلك في 16 أغسطس/ آب، تاركة عدم مواقع منها شارع الحوض ومبنى محافظة تعز ومقر الشرطة العسكرية وما حولها ليسيطر مسلحو (المقاومة الشعبية) والقوات العسكرية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، حتى وصلوا إلى حدود القصر الجمهوري ومعسكر التشريفات من الجهة الشرقية وإلى حدود معسكر الأمن المركزي من الجهة الشرقية الشمالية.
في مثل هذا اليوم بدأ الحصار الفعلي لمدينة تعز، وإغلاق المنافذ الشرقية تمامًا على المدنيين من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) الذين تمركز مسلحيها في تباب السلال وما حولها وكذلك دوار القصر الجمهوري ومعسكر الأمن المركزي.
يضاعف انقسام العملة الوطنية من معاناة المسافرين بين أطراف مدينة تعز على الرغم من محاولة الناس ابتكار طرق لهم للخروج من هذه المآزق بأقل الأضرار.
وأدى إغلاق المنافذ الشرقية إلى تحول سكان المدينة نحو الجهة الغربية، فيما اشتهر بـ(معبر الدحي) كامتداد لمعاناة المعابر. مطلع سبتمبر/ أيلول بدأت بوادر أزمة معبر الدحي الأولى تتوسع بصورة بشعة.
"ثلاث ساعات بجانب أسطوانات الغاز وتحت قساوة الشمس ننتظر إذن المرور من قبل مسؤول الحوثيين في المعبر"، هكذا يروي علي عباس (اسم مستعار- 50 سنة) إحدى المواقف التي حدثت معه في أواخر ديسمبر/ أيلول 2015.
استمر مسلسل معبر الدحي المأساوي بقصصه حتى 11 مارس/ آذار 2016 عندما أجبرت قوات من (المقاومة الشعبية) جماعة أنصارالله (الحوثيين) على الانسحاب وسيطرت على المنطقة حتى مشارف معسكر اللواء 35 مدرع شمالاً وحتى منطقة الضباب التي تصل تعز بمدينة التربة جنوبًا، في ذلك اليوم بات للمدينة منفذ جنوبي يصلها مباشرة بمدينة عدن ليجد سكان مدينة تعز منه متنفسًا.
طريق الأقروض
بعد 11 مارس/ آذار 2016 عادت حاجة الناس الملحة لوجود منفذ من الجهة الشرقية، كون المنفذ الجنوبي لا يصل تعز بالعاصمة صنعاء، إلى جانب حاجة المدنيين لمختلف المنتجات والبضائع والتي مصدرها الوحيد ما بعد الحوبان من المناطق الشمالية التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين) إضافة إلى توفر الخدمات الطبية بشكل كبير هناك وهو ما لا يتوفر في داخل مدينة تعز.
برهان حامد (33 سنة) وجد نفسه مضطرًا لعبور طريق الأقروض (المنفذ الوحيد الذي يؤدي بصعوبة إلى شرق المدينة) والذي سيمكنه من الوصول إلى صنعاء من أجل استكمال علاج شقيقته.
يبرر برهان ذلك بأن الطبيب المتخصص لحالة شقيقته اختار النزوح عند بداية الحرب، وهو ما فعله الكثيرون من التجار ورؤوس الأموال كما يقول.
طريق الأقروض على ما فيه من الوعورة والشدّة، هو الآخر يتم قطعه أمام المسافرين، أحياناً تحت مبرر وجود اشتباكات، وفي أحيان كثيرة يمنع مرور السيارات بعد السادسة مساءً، ما يضطر المركبات والمسافرين ليتجهوا نحو طرق فرعية أخطر، ومن ذلك طريق سامع.
في 17 مارس/ آذار 2021 اندلعت اشتباكات بين طرفي النزاع ا أدى إلى قطع هذا الطريق أيضاً.
نجيب أحمد (اسم مستعار) (35 سنة)، وهو سائق سيارة (نوع صالون)، من أهالي مديرية سامع، يتحدث عن ذلك اليوم: هذه الطريق متعبة للغاية، إضافة إلى كونها أكثر وعورة و تستهلك ساعات سفر أطول من طريق الأقروض.
وأضاف أنها لا تصلح إلا لمن يمتلكون سيارات الدفع الرباعي الأكثر قوة، على عكس طريق الأقروض التي تمر منها مختلف السيارات بكلفة أقل.
معاناة العملات
يضاعف انقسام العملة الوطنية من معاناة المسافرين بين أطراف مدينة تعز على الرغم من محاولة الناس ابتكار طرق لهم للخروج من هذه المآزق بأقل الأضرار.
خالد نصيب (اسم مستعار) (35 سنة) وهو أحد عمال مصانع مجموعة هائل سعيد في منطقة الحوبان يقوم بتحويل الأموال لأسرته عن طريق شراء العملة السعودية من خلال العملة المحلية القديمة ثم إرسالها بفارق بسيط لتصل لأسرته داخل مدينة تعز بفارق معقول بالعملة المحلية الجديدة.
يعمل خالد طيلة أيام الأسبوع، وحين تأتي إجازته في يومي الثلاثاء والأربعاء كفرصة للدخول إلى داخل مدينة تعز لزيارة أسرته يضطر للركوب في سطح خارجي لسيارة السفر ودفع ألفي ريال يمني بالعملة القديمة بدلاً من دفع 6 ألف ريال يمني بالعملة القديمة لو أنه أراد أن يركب في الداخل.
يقول خالد: "تجاوزت الحرب عامها السابع، ولا يمكنني الاستمرار وركوب مقعد فاخر يكلفني في دخولي الواحد فقط إلى وسط المدينة نصف راتبي الأسبوعي".
يحكي خالد أن بعض العمال ممن يعرفهم يستقلون مركبة نقل عامة إلى منطقة الدمنة غربي تعز بمبلغ 500 ريال يمني قديم، وهي المكان والممر الذي تحتشد فيه المركبات بمختلفها من أجل الدخول إلى مدينة تعز ومن هناك يقومون بالتشبث في مؤخرة الشاحنات الكبيرة في عملية خطيرة لكنها مجانية.
اعتياد الوجع
"ست سنوات في طريق قاتل لأرواح ومشاعر الناس"، هكذا وصف السائق صادق طريق الأقروض الجبلي الوعر من على أريكة ممزقة بجانب سيارته في فرزة ديلكوس وسط تعز.
صادق قال بتحسر كبير إن الحرب طالت والناس قد اعتادت على طريق كانت مدته خمس دقائق وأصبح حوالي 5 ساعات.
يصف السائق قلب الطريق؛ كيفية تراصّ سيارات من مختلف الأحجام في بقعة ضيقة ووعرة يتخطفها السيل الجارف تارة ونوائب سفر لا تعد. "يموتون في الطريق"، هكذا يحكي السائق صادق حال بعض المسافرين في طريق الأقروض وخصوصًا كبار السن منهم. عرفت تعز الحرب لكنها عرفت الحصار أكثر وتظل معاناتها في ذلك مستمرة.