تزامنت الذكرى الثامنة لحصار تعز المفروض من قبل "الحوثيين" مع حملات واسعة على كافة المستويات مع التركيز على مواقع التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على ما تقاسيه مدينة تعز وسكانها من معاناة فاقت كل حدود وقدرات الاحتمال، في ظلّ عدم وجود أيّ حلول جدية لرفع الحصار.
وناشد أبناء مدينة تعز في هذه الحملات المجتمعَ الدولي بضرورة إعطاء الأولوية لفك الحصار المفروض على محافظة تعز، والتوصل إلى حل شامل يخفف معاناة سكانها الذين يقاسون تبعات جائرة لهذا الحصار الذي تسبّب بمفاقمة الأزمة المعيشية والاقتصادية لملايين المدنيين من سكان المحافظة.
وطالب سكان مدينة تعز وناشطون وقيادات ومسؤولون في السلطة المحلية جميعَ اليمنيّين في الخارج والداخل والصحفيين والإعلاميين ووسائل الإعلام المحلية والدولية ومنظمات المجتمع المدني، بمساندة هذه الجهود بفعالية لتسليط الضوء على معاناة المدنيين في المحافظة، وتوثيق ذاكرة المدينة -المتضرِّر الأكبر من هذا الحصار- والمساهمة معًا في تشكيل قوة ضغط شعبية ومجتمعية ومدنية لرفع الحصار وتخفيف معاناة السكان.
ويشكو مواطنون من مشقة حياة قاسية، فاقمت أوضاعهم المعيشية وجعلت مراضهم حبيسي المنازل، خصوصًا في مناطق التماس بسبب تواجد مكثف للقنّاصين على منافذ المدينة، إذ يقول المواطن منير الأكحلي (44 عامًا) لـ"خيوط": "قمتُ أنا بتوليد زوجتي مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية؛ بسبب هذا الوضع الذي لم نعد قادرين على تحمله، ونتيجة عدم الخبرة في التوليد، فقد شرب المولودان من ماء المشيمة، حسبما أخبرني الأطباء لاحقًا، الأمر الذي أدّى إلى إصابتهما بثقوب في القلب".
لم يتوقف الأمر على الأطفال المولودين، بل شمل الأم التي أصيبت بجرثومة في الرحم، وتضاعفت حالتها حتى تكوّن لديها كيس دهني، مؤخرًا أجرت عملية استئصال الكيس، لكنها ما تزال تعاني حتى الآن.
جاء قرار المبعوث بناء على تنفيذ رؤية المجتمع المدني باختيار طريق مناسب لا يتضرر منه طرفا النزاع عسكريًّا، حيث رحب المجلس الرئاسي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا بهذا القرار، في حين رفض الحوثيون القرار، ليكون المحك الرئيسي الذي يبيّن عدم جديتهم في مفاوضات رفع الحصار.
يتابع منير: "موقع تمركز "الحوثيين" يبعد عنّا قرابة مئة متر فقط، لذلك لا نخرج من البيت، إلا بأوقات محددة في اليوم"، مؤكّدًا على أنّ طلقات القناص لا تُفلت أحدًا، في حين تشمل المعاناة جميع أفراد الأسرة ما بين إصابتهم بأمراض مزمنة وعدم قدرتهم على تلقي الرعاية الصحية المناسبة، والتوقف عن التعليم بالنسبة للأطفال وإصابتهم بأمراض نفسية وبرهاب القذائف.
حملات المواقع
ويواصل ناشطون ومواطنون حملتهم المكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظلّ تفاعل واسع وردود أفعال على المستوى المحلي والدولي اعتبرت هذا الحصار الجائر أبشع وسائل التعذيب والعقاب الجماعي ضد ملايين المدنيين.
تؤكّد ألفت الدبعي، عضو هيئة التشاور والمصالحة في مكتب المبعوث الأممي، لـ"خيوط"، أنّ كل الوساطات والجهود التي بذلتها اللجنة الرسمية المعنية بقضية الحصار والمجتمع المدني كان مصيرها الفشل، حيث اصطدمت برفض جماعة أنصار الله (الحوثيين) بفتح طرقات تعز، مضيفةً: "يستخدم الحوثيون أثناء التفاوض مراوغات للرفض، أبرزها اقتراح فتح طرقات جديدة مع إبقاء الطرق الرسمية مغلقة".
ويعمل مفاوضو الجماعة المُحاصِرة في كل مرة على نقل ملف الحصار من مفاوضات الشق الإنساني إلى مفاوضات الجانب العسكري، للإبقاء على هذا الوضع، الذي يحقق لهم مكاسب اقتصادية وأمنية كبيرة، على حساب معاناة ملايين المدنيين المحاصرين تحت أنظار العالم.
وفي تقرير نشرته السلطة المحلية لمحافظة تعز، اطلعت عليه "خيوط"، فقد بلغ عدد الحوادث المرورية بسبب الطرق الوعرة البديلة 481 حادثًا مروريًّا، نتج عنها 374 حالة وفاة، و966 حالة إصابة، وبلغ متوسط خسائر الحوادث ما يقارب 474,590,091 ريالًا، وهذا ما تم رصده فقط، وهناك حالات لم يتم رصدها خلال سنوات الحصار.
ويذكر أنّ عدد المدارس التي أغلقت بسبب الحصار 31 مدرسة، وشرد عن التعليم بسبب إغلاقها 32,200 طالب. ويبين التقرير أنّ الكوادر النازحة في كل القطاعات، عدا جامعة تعز، بلغ عددهم 10464 نازحًا. فقد كان كادر جامعة تعز قبل الحصار، كان يصل عددهم إلى 2100، وبعد الحصار أصبح عددهم 833 فقط، في حين بلغ عدد الطلاب المتضررين من عدم القدرة على الوصول إلى الجامعة بسبب الحصار، حوالي 8567 طالبًا.
وتلفت الدبعي إلى أنّ أكبر دليل على أنّ الحوثيين هم الطرف المعرقل لقضية الحصار تعز، هي عندما قام المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في آخر مفاوضات جرت خلال شهر يونيو/ حزيران 2022، بإصدار بيان يتضمن أمرًا فوريًّا بفتح الطريق الرسمي للمنفذ الشمالي الذي يشير إلى فتح خط الحوبان المؤدّي إلى الأربعين والروضة وشارع الستين وعصيفرة.
تستدرك: "جاء قرار المبعوث بناءً على تنفيذ رؤية المجتمع المدني باختيار طريق مناسب لا يتضرر منه طرفا النزاع عسكريًّا، حيث رحب المجلس الرئاسي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا بهذا القرار، في حين رفض الحوثيون القرار، ليكون المحك الرئيسي الذي يبيّن عدم جديتهم في مفاوضات رفع الحصار".
تفاقم الأزمات
في السياق، يرى توفيق الحميدي، مدير منظمة سام، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ القيود التي فرضها الحصار على تدفق السلع والخدمات وحرية التنقل، ساهم في خلق كارثة إنسانية في المحافظة، أثّرت بصورة مباشرة على أهم الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي، كما تسبّب في ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 1000%، مع وقف الحركة التجارية وحرمان المدينة من إيرادات ضخمة يمكن أن تساهم في ترميم البنى التحتية التي دمّرتها الحرب.
وذكر الحميدي مثالًا لفارق أسعار البضائع المحلية من الحوبان، حيث ارتفع إيجار الطن إلى نحو 20000 ريال يمني، فيما لن يزيد على 4000 ريال يمني في حال فُتحت الطرقات الرئيسية لنقل البضائع. علاوة على ذلك، تتعرّض تلك البضائع للتلف بسبب وُعورة الطرق الجبلية وطول الطريق الذي يستمر لعدة أيام، أو التقلبات الطقسية كالسيول، والانهيارات الصخرية والحوادث، وما إلى ذلك، حيث تتعرض البضائع مثل الأجبان والدجاج المجمد والأسماك والألبان للتلف، بسبب تلك العوامل.
من جانبه، يشدد الناشط الحقوقي، رياض الدبعي، في حديثه لـ"خيوط"، على أهمية الحملة لتسليط الضوء على ما قام به الحوثيّون من ممارسات على محافظة تعز، تنتهك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان عبر الحصار.
ويشير إلى ما ينتج عن هذا الحصار من انتهاكات متواصلة للحوثيين من قنص يستهدف المواطنين الأبرياء والأطفال، وتبعات اقتصادية بالنظر إلى امتداد هذا الحصار، إذ يفرضون في منطقة إب ومنطقة الراهدة جمارك وضرائب كبيرة على التجار؛ الأمر الذي يتسبّب في ارتفاع التكلفة الاقتصادية على المواطنين داخل المدينة.
لا يقتصر الأمر على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، بل يمتد ليشمل المياه التي تعتبر الوسيلة الأولى للعيش، حيث تقوم جماعة الحوثيين بمنع وصول المياه إلى مدينة تعز، والتي تأتي من منطقة الحيمة في الحوبان الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، إضافة إلى سيطرتهم على منطقة الحوبان الزراعية والصناعية، بحسب حديث رياض الدبعي، التي يحقّقون منها فوائد كبيرة من الضرائب، وهذا ما يجعلهم يتمسكون بالحصار كونه يعود عليهم بالفائدة الاقتصادية.
ويقول إنّ "الحوثيّين" يقطعون الكهرباء مثلما يقطعون المياه، فقد كانت الكهرباء تأتي من المخا، ولكن بعض المناطق التي يمر منها التيار الكهربائي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين الذين تسبّبوا في قطاع التيار الكهربائي عن المدينة.