تعدّ شبكات النقل والمواصلات، أحد المؤشرات التي تعكس التنمية في أيّ دولة في العالم؛ لما تخلقه من تقارب بين المجتمعات، بالإضافة إلى فرض إدارة الدولة على جميع المناطق المختلفة في حدودها، لذلك سعت القوانين المحلية والمواثيق الدولية لضمان وتعزيز حقوق التنقُّل للمواطنين، باعتباره حقًّا لا يمكن سلبه.
وقد عكست الحربُ في اليمن آثارَها على حياة المواطنين؛ حيث أصبحوا يعانون صعوبةَ التنقُّل بين المحافظات، خوفًا من أن يفقدوا حياة أو أن يتعرّضوا للاعتداء من قبل الجماعات المسلحة ونقاط التفتيش التي تواجههم خلال رحلتهم التي تستغرق ساعات تتراوح ما بين 12 إلى 14 ساعة، وفي بعض الأحيان إلى أيام، بعد أن كانت قبل الحرب لا تتجاوز الرحلةُ ساعاتٍ قليلةً بين المحافظات. على سبيل المثال؛ أقل من 8 ساعات، السفر من صنعاء إلى عدن.
استهداف الطرقات والجسور
طالت الضرباتُ الجوية الطرقات والجسور التي كانت تربط المحافظات بعضها ببعض، وتسهّل الحياة اليومية للمواطنين تحت ذريعة قطع الإمدادات العسكرية، فقد تم استهداف (130) جسرًا خلال الفترة بين 2015-2019، وكان أبرزَها جسرٌ يربط بين عدن وصنعاء؛ ممّا اضطَرّ المواطنين إلى سلك طرقٍ بديلة، تُعرِّض حياتهم للخطر، بسبب وعورة الطرق الترابية أو الجبلية، فوَفقًا لبيانات اطلعت عليها "خيوط"، يقدّر عدد الوفيات أثناء السفر بـ17 ألفًا في عام 2020.
نسيج مجتمعيّ ممزّق
يتعرّض مسافرون لممارسات متعددة من قبل نقاط التفتيش التي تُقدّر بالمئات على الطرق الرئيسية، إلى جانب الأسواق والطرقات الفرعية، كالاعتداءات، والضغط النفسي، والتوقّف لساعات دون أسباب.
فقدت الكثيرُ من العائلات اليمنية رؤية أقاربهم الذين يقنطون في الخارج لسنوات طويلة، نتيجة الانفلات الأمني وتعرُّض أبنائهم للخطر.
كما تسبّب تنوّع المناطق الجغرافية للمسافرين بين المناطق الشمالية أو الجنوبية، بتعرّضهم لمضايقات تصل في بعض الأحيان إلى القتل، فقد نشر بلال الوداعي الصعوبات التي تعرّض لها أثناء رحلته، حيث أوقفته إحدى نقاط التفتيش في عدن لحمله جواز سفر صادر من مدينة صنعاء، وعندما تم سؤاله عن المحافظة التي ينتمي إليها، أجابهم بأنّه من البيضاء، ليردّ أحد أفراد النقطة: "المهم أنك لست من تعز".
لم تكن وحدها هذه الحوادث التي تسبّبت بالشرخ الاجتماعي، بل إنّ المواطنين الذين ينتمون للمناطق الشمالية تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، يتعرّضون للتمييز تحت مسمى (الدواعش)، ليتم استجوابهم وإيقافهم دون أدنى حق، وفي أحيانٍ أُخرى منعهم الخروج من العاصمة صنعاء، كما يتم اختطاف واعتقال العديد من المسافرين أثناء التفتيش، فوفقًا لـ"رابطة أمهات المختطفين"، هناك 417 يمنيًّا تمّ اختطافهم في نقاط تتبع سلطات أنصار الله (الحوثيين)، وذلك نتيجة التمييز الاجتماعي السياسي، والأيديولوجية والمناطقية.
السفر شاق
فقدت الكثيرُ من العائلات اليمنية رؤيةَ أقاربهم الذين يقنطون في الخارج لسنوات طويلة، نتيجة الانفلات الأمني وتعرّض أبنائهم للخطر. ففي 2021، تعرّض الشاب اليمني عبدالملك السنباني للقتل من قبل قوات تتبع اللواء التاسع، الذي يتبع بدوره المجلس الانتقالي، بعد غيابٍ عن أسرته دام سبعَ سنوات لينتهي به المطاف، ويلقى حتفه على يد القوات الجنوبية، ليتم نهب ما كان يمتلكه من أموال، تحت حُجّة انتمائه إلى الحوثيين، لم تكن قصة السنباني هي الوحيدة؛ ففي العام نفسه تم قتل الشاب مازن فليته، أحد أفراد أسرة الناطق الرسمي لأنصار الله (الحوثيين)؛ محمد عبدالسلام فليته، أثناء عودته من طريق الجوف صنعاء، وذلك إثر تعرّضه للاعتداء من قبل جماعة مسلحة.
ارتفعت في الآونة الأخيرة، نسبةُ الاعتداءات والمضايقات التي يتعرّض لها المسافرون نتيجة الانفلات الأمني وغياب الرقابة على تلك النقاط، بالإضافة إلى انتشار الجماعات المسلحة المنتحلة الصفةَ الرسمية؛ ممّا فاقم من المضايقات والاعتداءات.