محاذير تحرير الطرق

يضخمها تجار الحروب لعرقلة معالجة الملفات الإنسانية
أ. د. محمد علي قحطان
June 28, 2024

محاذير تحرير الطرق

يضخمها تجار الحروب لعرقلة معالجة الملفات الإنسانية
أ. د. محمد علي قحطان
June 28, 2024
.

قبل أن نحدّد ما يُطرَح من المحاذير، وتعقيبنا عليها، نودّ التوضيح بأنّ ما يريد الوصول إليه الحوثيون من المبادرة في فتح الطرق المغلقة من وجهة نظرنا، هو فرض تنفيذ خارطة الطريق التي عملت السعودية بتعاون عماني على إعدادها وقبول الحوثيين بالتوقيع عليها. إلّا أنّ ما حصل من تطورات حرب غزة، وتدخل الحوثيين بأحداث البحر الأحمر، وردود أفعال الأمريكان ومعهم البريطانيون، وما حصل من التصعيد المتبادل، قد أدّى إلى تعطيل إتمام توقيع خارطة الطريق بفعل إملاءات أمريكية، حسب التسريبات المتداولة بهذا الشأن. حيث كان يُعتقد أنّ الحوثيين سيحققون مكاسب عديدة من تنفيذ خارطة الطريق مع احتفاظهم بما وصلوا إليه من التفوق العسكري واستمرار قبضتهم على كافة المناطق التي يسيطرون عليها إلى أن يتم إنجاز تسوية سياسية لتحقيق السلام وإعادة بناء الدولة، حسب ما ستُنتجه الحوارات السياسية بين أطراف الصراع اليمنية .

عندما ظهر أنّ خارطة الطريق قد تم إجهاضها بتدخل أمريكي لعقاب الحوثيين، وبدأ بنك عدن باتخاذ إجراءات في مجال السياسة النقدية، تستهدف إحكام قبضته على السوق النقدية، وإضعاف دور الحوثيين وخنقهم اقتصاديًّا بإسنادٍ من صندوق النقد الدولي، ثم تبع ذلك قرارات حكومية من شأنها انتزاع بعض مصادر دخلهم، متمثلة بما أعلنته وزارتَا النقل والاتصالات، فقد سارع الحوثيون في مواجهة ذلك بإعلان فتح بعض الطرق المغلقة في محاولة منهم لفرض بعض مضامين خارطة الطريق المشار إليها.

التعاطي مع هذا المسار صحيح؛ فمن شأنه مواجهة مخططات إطالة الحرب والصراع وتعميق انقسام اليمن، وربما تمزيقها لكيانات عدة متناحرة تعقد وضع البلاد، أكثر مما هو عليه من الانهيار في مختلف جوانب الحياة، وأهمّها الوضع الاقتصادي والإنساني، كأسوأ حالة على مستوى المعمورة، حسب المنظمات الدولية.

بحسب التسريبات، فقد شملت هذه المضامين عديد من القضايا؛ أهمّها المرحلة الأولى، وتتضمن تسوية الوضع الإنساني، مثل: رواتب الموظفين، الجهاز المصرفي والعملة الوطنية، المعتقلون والأسرى، والطرقات، وبدعم من السعودية، بينما المرحلة الثانية، فتشمل الحوار الوطني لبناء مرحلة انتقالية وما بعدها.

المسار الصحيح

كما هو واضح من محتوى خارطة الطريق، فأنها تعني معالجة الوضع الاقتصادي والإنساني، وبنفس الوقت تثبيت أمر واقع للحوثيين، يمكّنهم من قيادة الصراع بطرق وأساليب جديدة تتجاوز مخرجات الحوار الوطني لعام 2012، وغيرها من مرجعيات الحل السياسي، وإعادة بناء الدولة .

هذا ما يفسر مطالبة الحوثيين بتنفيذ خارطة الطريق السعودية العمانية. وعند تعثر السير في تنفيذها، بدؤوا بخطوات عملية لفرض أمر واقع، ابتداءً بمبادرات فتح بعض الطرق، وقبلها الإفراج عن عددٍ من الأسرى والمعتقلين لديهم تحت مبرر دواعٍ إنسانية.

ولأن قضية المعتقلين والأسرى وفتح الطرق قضايا إنسانية تحظى بتأييد الناس بمختلف انتماءاتهم، فلم تستطع القوى المناوئة للحوثيين رفضها، ونتوقع المزيد من فتح الطرق، وربما الإقدام على خطوات أخرى في مجال الجهاز المصرفي والعملة الوطنية، وفرض تفاهمات في موضوع الرواتب باستخدام ملف تصدير النفط والغاز .

وبرأينا، أن التعاطي مع هذا المسار صحيح؛ من شأنه مواجهة مخططات إطالة الحرب والصراع، وتعميق انقسام اليمن، وربما تمزيقها لكيانات عدة متناحرة، تعقد وضع البلاد أكثر مما هو عليه من الانهيار في مختلف جوانب الحياة، وأهمها الوضع الاقتصادي والإنساني، كأسوأ حالة على مستوى المعمورة، حسب المنظمات الدولية.

ما يُطرح من محاذير لعرقلة مسيرة فتح الطرق ومعالجة ملفات الوضع الإنساني، التي يتم الترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية اليمنية برأي واهية، ويفترض تجاوزها والسير بالمزيد من فتح الطرق كشريان لتواصل اليمنيين مع بعضهم، وتراجع التمترس والاحتقان والتعبئة المُضلِّلة والخاطئة التي يعمل على الترويج لها وتضخيمها تجارُ الحرب والمستفيدون من إطالتها، ويمكننا هنا بعجلة، الإشارة لتك المحاذير بما يلي :

أولًا: فتح الطرقات خدعةٌ وإنقاذ للحوثيين من الحصار الذي يفرضه البنك المركزي في عدن والحكومة المعترف بها دوليًّا، من خلال القرارات الأخيرة المتخَذة بخصوص تجميد نشاط البنوك التي مركزها في صنعاء، وسحب الريال القديم من مناطق الشرعية، وكذا نقل مكاتب النقل وشركات الاتصالات والمقرات الرئيسية للمنظمات الدولية. 

في هذا الخصوص، نرى أنّ ذلك صحيح من الناحية النظرية، إلّا أنّ عدم وحدة مكونات "الشرعية" وغيابها عن الواقع، وما يبدو واضحًا من ارتهان قراراتها للخارج، يجعلنا نشكّ في القدرة على تجسيد تلك السياسات والإجراءات للواقع التطبيقي بصورة تحقّق أهداف مواجهة الانقسام في الجهاز المصرفي، وتوحيد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى، وإحداث قدرٍ من التعافي للقيمة الشرائية للريال اليمني المنهار.

مبررات العجز

ثانيًا: فتح الطرق سيسهّل لأنصار الحوثيين الدخول والخروج للمدن المحاصرة بيسر وسهولة، ومواجهة حصارهم المالي، وبنفس الوقت تدبير أعمال في إطار الصراع والمماحكات الدائرة. هذا المحذور يبدو أنّ من يعتبره مبرّرًا لرفض فتح الطرقات لا يمتلك رؤية صحيحة وواقعية، إذ إن عملية الدخول والخروج وترتيب أية أعمال تخريب لا تحتاج إلى طرق سهلة ومعبدة، فهي تتم بكل يسر وسهلة؛ نظرًا للانفلات والرخاوة التي تعيشها القيادات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، التي لم تستطع خلال أكثر من تسع سنوات، تحصينَ مواقعها والتخطيط لمواجهة حصار المدن، وتأمينها من أية مخاوف أمنية بعد أن كانت قيادات تملأ مواقعها القيادية المسؤولة. ومبررات مثل هذه، تؤكد العجز، وتضعف مبرر وجودها في المواقع القيادية.

نرجو الإدراك بأن عدم تسوية ملفات الوضع الإنساني، كملفات: الجهاز المصرفي، والعملة الوطنية، والأسرى والمعتقلين، ورواتب الموظفين، من خلال تفاهمات وطنية مباشرة، وتسوية وضع صادرات النفط والغاز، ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية، سيؤدي إلى المزيد من الأزمات، والانهيار في الوضع الاقتصادي. 

ثالثًا: فتح الطرق تحمل محاذير عسكرية، ويفترض أن تتم بتوافق وتنسيق مسبق مع القيادات السياسية والتنفيذية المسؤولة. وبرأينا، إنّ هذا القول غير واقعي؛ لأن الأصل في الطرق ألّا تغلق، وإغلاقها مجرّم بالتشريعات والقوانين المحلية والدولية، وتتحمل قوى الشرعية المعترف بها دوليًّا، مسؤولية مواجهة قاطعي الطرق بكافة الوسائل الممكنة، لا الاختباء وراء متاريس في أوساط السكان، والبقاء تسع سنوات دون إحداث أي تقدم للتخفيف عن الناس من معاناتهم بدحر من يحاصرهم من كل الجهات، إذ لا يلاحظ أنّ هناك مقاومة حقيقية تُذكر لهذا الشأن سوى تشكيل لجان لا تنتج أية حلول. وعندما يحصل انفراج، يظهر من يطلب تأجيل فتح الطرق إلى أن يكون مستعدًّا لهذا الحدث الهامّ والمنتظر، منذ أكثر من تسع سنوات.

تسوية الملفات

بناء على كل ما تقدم، نرجو من الله الهداية للجميع، والعمل بصدق على فتح كافة الطرق بدون استثناء، وتذليل صعوبات الانتقال بيسر دون عراقيل مفتعلة. فلم يعُد بقدرة الناس تحمُّل المزيد من البقاء تحت الحصار، ومن لا يدرك ذلك برأينا، سيواجَه بغضب صارخ من كافة مكونات المجتمع. 

كما نرجو الإدراك بأن عدم تسوية ملفات الوضع الإنساني، كملفات: الجهاز المصرفي، والعملة الوطنية، والأسرى والمعتقلين، ورواتب الموظفين، من خلال تفاهمات وطنية مباشرة، وتسوية وضع صادرات النفط والغاز، ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية، سيؤدّي إلى المزيد من الأزمات والانهيار في الوضع الاقتصادي والإنساني، وتعقيد الوضع اليمني أكثر ممّا هو عليه، وإغراقه بالمزيد من التدخلات الإقليمية والدولية الضارّة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English