تمتد فترة انقطاع طريق دمت - مريس، قعطبة - الضالع، التي تربط بين صنعاء وعدن إلى أكثر من ست سنوات؛ الأمر الذي يضاعف معاناة اليمنيين بشكل عام، وسكان المنطقة الوسطى بشكل خاص؛ إذ يتسبب الانقطاع بصعوبة التنقل بين القرى والمناطق المجاورة، ما أدّى إلى قطيعة في التواصل، تضاف إلى مآلات الحرب الدائرة رحاها في البلد طوال عشرة أعوام.
ألقى الصراع المحتدم بين أطراف النزاع في محافظة الضالع -وهو جزء من صراع كلي تشهده اليمن- إلى انقطاع الطريق الأسفلتي الرابط بين شمال المحافظة وجنوبها، ما اضطَر المواطنين إلى اللجوء إلى خيارات أخرى بغية التنقل، ومنها طريق وادي "الجبهة" شديدة الوعورة في قرية "كرش"، إذ تصل مسافتها إلى قرابة خمسة كيلومترات في أودية ومنحدرات جبلية صعبة، حيث يقضي المسافرون نصف المسافة مشيًا وركوبًا على الحمير حاملين أمتعتهم ومقتنياتهم، والنصف الآخر ركوبًا على سيارات ذوات دفع رباعي خُصصت لتلائم الطريق الصعبة؛ على حد تعبير المسافرين.
ويسلك آخرون، يمتلكون رفاهية الاختيار، طريقًا أخرى للسفر من شمال المحافظة في مدينة دمت إلى وسطها وجنوبها أو العكس؛ وذلك بالمرور من محافظة البيضاء ومنطقة يافع، قاطعين عشرات الكيلومترات في زمنٍ لا يقل عن أربع إلى خمس ساعات، بعد أن كان الناس يصلون عبر الطريق الرابط بين دمت ومريس بوقتٍ لا يزيد على نصف ساعة.
ما يجدر ذكره في السياق، أنّ مبادرة لفتح طريق صنعاء – عدن، التي تمر بمحافظة الضالع، كانت قد أطلقت عبر وساطة مجتمعية في 12 آذار/ مارس من العام الحالي 2024، وقد مُنيت بالفشل؛ إذ فوجئ الوسطاء، رغم التنسيق المسبق مع قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا وقوات المجلس الانتقالي، بإطلاق وابل من الرصاص، لأسلحة خفيفة ومتوسطة، ومن منطقة تماس الحرب، كانت موجهة عليهم وبشكل مباشر، ما أدى إلى إصابات خلال إزالة الحواجز الترابية والخرسانية ومخلفات الحرب من الألغام وغيرها؛ الأمر الذي تسبّب في عرقلة فتح الطريق، وتخييب آمال المجتمع الذي عوّل كثيرًا على تجاوب الانتقالي وقبول مبادرة فتح الطريق وإنهاء المعاناة.
في الوقت الذي يتجاوز فيه العالم فكرة أنه أصبح قرية واحدة؛ لِمَا تفرضه الحضارة من ضرورة التواصل والتداخل، إذ يتجه ليصبح بصورة مختزلة أصغر من كونه قرية صغيرة- تتباعد أسفار اليمنيين وتتقطع بهم سبل التواصل، ما يخلق العزلة والفُرقة والمزيد من الفجوات بين أبناء شعب واحد لهم ذات اللغة، وتجمعهم عشرات القواسم المشتركة، من بينها الثقافة والدين.
يراقب أهالي محافظة الضالع المسافرين وهم يعبّرون عن فرحتهم بافتتاح طريق البيضاء - مأرب، وطريق في شرق تعز تربط الحوبان بالمدينة المحاصرة. وكغيرهم من أبناء اليمن، يتفاعلون مع هذه المبادرات، ويعتبرونها إشارات لسلامٍ قادم، ولكنهم يتساءلون: هل تنجح الوساطة المجتمعية في فتح الطريق المغلقة منذ ستة أعوام؟
يرى مراقبون أنّ استمرار انقطاع طريق صنعاء - عدن، التي تمر من دمت - مريس، هو أسلوب تنكيل تمعن فيه أطرافُ النزاع في الشمال والجنوب، لإرهاق المواطن وحرمانه من أبسط حقوقه في التنقل والعيش الكريم، فيما يحمّلون في السياق ذاته، المتحاربين مسؤوليةَ قطع أواصر الوحدة اليمنية؛ إذ يعني إغلاقُ الطريق في الضالع الوقوفَ في وجه المشروع الذي يعدّ من أهم منجزات اليمن الحديث، وإعادةُ فتحها يعني بالضرورة، إعادةَ مسار الوحدة إلى طبيعته، من خلال تنقل المواطنين بين محافظات الشمال والجنوب، بصورة سلِسة.
استطلعت "خيوط" مدى التزام طرفي النزاع لفتح طريق دمت – مريس، المغلقة منذ ست سنوات، إذ أكّد عضو التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية وعضو الوساطة المجتمعية لفتح الطرق المغلقة جراء الحرب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، الدكتور حمود العودي، لـ"خيوط"، أنّ "استمرار إغلاق طريق صنعاء - عدن في منطقتَي دمت ومريس بالضالع، أمرٌ مؤسف". وتابع الدكتور العودي قائلًا: "يحزنني أنّ جهودنا فشلت في المحاولة الأولى لفتح الطريق؛ وذلك بسبب عدم التزام الانتقالي بالإيفاء بوعده". وأفاد العودي في تصريحه لـ"خيوط"، مطمّئِنًّا أهاليَ الضالع: "نحن مستمرون بالتواصل مع الانتقالي، لمباحثات فتح الطريق بعد عيد الأضحى، حسب وعود الانتقالي، ورغم تكثيف التواصل، لا تصِلنا ردودٌ حتى اللحظة، ومع هذا لن نمل من طرق الأبواب".
ويرى فوزي الحقب، وهو مقيم في مدينة دمت الواقعة شمال محافظة الضالع، والخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، أنّ المعاناة إثر استمرار إغلاق طريق دمت - مريس، تنعكس سلبًا على المواطن من جوانب عدة، على طليعتها الجانب الإنساني، إذ خلقت صعوبة التنقل بين منطقتين متقاربتين -هما دمت ومريس- صورةً مأساوية على المرضى وعموم المسافرين. ويقول الحقب لـ"خيوط": "في منطقة الجبهة وطريقها الوعرة، كم سمعنا من قصص إجهاض للحوامل، وفي خط البيضاء، كم سمعنا عن حوادث السير! وكلها معاناة يدفع ثمنها المواطن، الذي ما كان ليُعاني لو أنّ الخط الأسفلتي الرابط بين دمت شمالًا ومريس جنوبًا، كان مفتوحًا، حيث لم يكن المسافرون يستغرقون فيه من وقت، سوى نصف ساعة للوصول إلى الوجهتين".
يراقب أهالي محافظة الضالع المسافرين وهم يعبّرون عن فرحتهم بافتتاح طريق البيضاء - مأرب، وطريق في شرق تعز تربط الحوبان بالمدينة المحاصرة. وكغيرهم من أبناء اليمن، يتفاعلون مع هذه المبادرات، ويعتبرونها إشارات لسلامٍ قادم، ولكنهم يتساءلون: هل تنجح الوساطة المجتمعية التي يقودها الدكتور حمود العودي في فتح الطريق، المغلقة منذ ستة أعوام؟