الطالبات الريفيات… تعليم بطعم المر

قصص كفاح على طرق محفوفة بالمخاطر
رشيد سيف
July 12, 2021

الطالبات الريفيات… تعليم بطعم المر

قصص كفاح على طرق محفوفة بالمخاطر
رشيد سيف
July 12, 2021
Photo by: Mohammed Alselwy - © Khuyut

أحدثت المرأة الريفية في الجانب التعليمي العالي تطورًا ملحوظًا منذ 3 سنوات في أغلب عزل مديرية المعافر بمدينة تعز، أمر لقي تفاعلًا وتأييدًا من البعض؛ كونه يخلِّص المرأة من القيود التي يفرضها الواقع الريفي والمتمثل بالزواج المبكر أو العمل في الزراعة والمنزل،  بينما يراه آخرون أمرًا عاديًّا ولا يشكل أي إضافة؛ كونه لن يحدث تغييرًا ملموسًا هنا أو هناك، واصفين إياه بالعبثي وبلهجة دارجة  "تعب على الفاضي".

منذ سنوات طوال والمرأة الريفية تكتفي بالمرحلة الأخيرة من الثانوية العامة ثم تقبل بخيار الزواج وتكوين أسرة، مجبرة على تحمل الصعاب ونتائج عادات الريف القاسية هكذا وحيدة وعاجزة في آن معًا.

علياء واحدة من الريفيات اللاتي تتعدد أوجه معاناتها، لكن قصة مواصلة دراستها العليا تبدو أكثر مأساة وأسفًا بالنسبة لها.

بمرارة وملامح فتاة متعبة تقول علياء لـ"خيوط": "مش سهل أن تدرس البنت بمكان يستغرق ساعات كثيرة عشان توصل له؛ لأنه نمشي نصف الطريق وبعدين نطلع مواصلات للكلية الواقعة في الخيامي"، وتواصل حديثها: "الطريق الوعر يستغرق ساعة وأكثر، عشان نوصل للأسفلت، وليتنا نسلم من التحرش وعتاب الناس بالطريق والأهل والأصدقاء".

تستيقظ علياء في الصباح الباكر كل يوم وهي على علم بالمشقة التي تنتظرها، وللعام الثاني على التوالي تعبر النقيل الجبلي الوعر، حيث لا علامة للطريق فيه، ذهابًا وإيابًا،محملة حاجتها من الماء والغذاء بشكل شبه يومي دون كلل أو تكاسل.

قصة علياء ومعاناتها تتكرر مع العشرات من الفتيات القاطنات ضواحي المعافر البعيدة، فمعظمهن لا يحصلن على حقهن في العيش والتعليم المشروع بل يجدن أنفسهن ملزمات بالعيش وفق قيود تفرضها العادات أو رب الأسرة، حيث ليس أمامهن فرصة للاعتراض أو المحاججة، وإن كان ثمن ذلك الحياة.

مخلف صعيب

تتشابه أوجه المعاناة في الريف اليمني ككل، ولكنها تتفاوت من عزلة لأخرى؛ ففي بعض هذه العزل مركبات نوع (صالون)، تصول وتجول بحثًا عن زبائن، ومع هذا تظل الطالبات مجبرات على عبور الجبل توفيرًا للوقت من جهة، ومن جهة أخرى توفير تكلفة المسافر التي تبلغ من أغلب عزل المديرية إلى مركزها "النشمة" نحو 1000 ريال، أي ما يعادل دولارًا واحدًا بصرف مركزي عدن، وهو أمر تعجيزي بالنسبة لطالبة ريفية لا دخل لها ولا فرص أمامها ولا لعائلها، خاصة في ظل غياب الفرص وانخفاض الأجور واستمرار الحرب.

عندما تفشل الفتاة الريفية في حياتها العلمية يحتفل أقرباؤها ومحيطها وكأنه عرس، ظنًّا منهم أن الفتاة كلما تعلمت ستعود بالخزي والعار عليهم

وبحسب ما هو سائد في الريف تعجز الفتاة عن السفر أو الذهاب إلى المعهد دون مرافقة أحد من أقاربها (مَحرم)، فباعتقادهم أن الطالبة تتعرض للعنف اللفظي وربما البدني كلما كانت وحيدة، في هذا  السياق يرى فتح سيف، ناشط اجتماعي، أثناء حديثه لـ"خيوط" أن "للأسر الحق في متابعة أحوال الفتيات، وخاصة في ظل تصاعد موجة  العنف ضدهن في السوق والشارع والجامعة"، مشيرًا إلى أن "حرمانها من التعليم كارثة توازي في ذلك العنف، وقد يتجاوز ذلك ليصبح أسوأ بكثير بالنسبة للفتاة الطموحة".

ويفرض واقع الحرب نفسه إلى جانب تقاليد الريف على حياة الطالبات ليصبح البحث عن مستقبل واعد جزءًا شاقًّا يذكر في برنامجهن اليومي. 

وفي هذا الصدد، تقول لـ"خيوط" الطالبة منيرة (اسم مستعار)، تدرس الجرافيكس في معهد يبعد عن عزلتها نحو 3 كليو مترات، "أهلي يطالبونني بإيقاف الدراسة عشان  مسؤوليات البيت والزراعة  وأنا أرفض.  محاولتهم دائمة وإصراري دائم، حتى إنني بعت سلس ذهب عشان أدرس الجرافيكس، وأحصل على شهادة وأفرح زي بقية الناس"، وتستطرد منيرة: "عندما تفشل الفتاة الريفية في حياتها العلمية يحتفل أقرباؤها ومحيطها وكأنه عرس، ظنًّا منهم أن الفتاة كلما تعلمت ستعود بالخزي والعار عليهم، ومن الصعب جدًّا تغيير هذا المنطق الهش لديهم".

من جهتها تؤكد فوزية الحميضة، رئيسة فرع اتحاد نساء اليمن بتعز، في حديثها لـ"خيوط": "بالنسبة لتعليم الفتيات بالريف ثمة توجه نسبته عالية، وهذا تحدٍّ كبير للوضع العصيب الذي يعيشه اليمن، وفي ظل الأمية التي ظلت تحصر المرأة في الصفوف الأولى"، وأوضحت: "الزواج المبكر مشكلة ركز الاتحاد عليها في العديد من مشاريعه، والسبب الآخر عدم وجود مدارس خاصة للفتيات، وخاصة المراحل المتوسطة والعليا، مشيرةً "أن العادات والتقاليد تقف عائقًا أمام التحاق الفتاة بمدارس مختلطة، إلى جانب غياب الاحتياجات الأساسية مثل المرافق الخدمية"، وكان اتحاد نساء اليمن قد سعى لفتح مراكز محو الأمية في كثير من المديريات والعزل إلى جانب مراكزه في المدينة، الأمر الذي دفع الكثير منهن لمواصلة مشوارهن التعليمي الثانوي والجامعي على مستوى المعاهد التقنية والصحية في مناطق مختلفة في تعز، كشرعب والتعزية والمعافر وحيفان.

وترى الحميضة أن النزوح الداخلي إلى الأرياف، ومن خلال اتصال الاتحاد بالأسر النازحة، التي لديها فتيات في مراحل تعليمية عليا أحدث تأثيرًا مباشرًا بينهن، وهو يعد أمرًا جيدًا، حسب تعبيرها.

ضحايا لا ذنب لهن

تعتقد فتيات أن الحياة تقسو عليهن كثيرًا في الريف، إذ لا تستطيع المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حق المرأة الوصول للقرى، وخاصة مع تعقيدات الوضع العسكري والسياسي الراهن في البلاد ككل.

هناك فتيات ضحايا خلافات حادة مع أسرهن، وأخريات سقطن من سفوح الجبال العالية وهن يجلبن الحطب في ظل أزمة غاز الطهو الذي غيبته الحرب منذ 2014 في مدينة تعز، أسماء (15 سنة)، ذهبت أثناء الظهيرة بعد عودتها من المدرسة لـ(تبة) بالقرب من قريتها، لكنها سقطت وهي عائدة، وكادت تخسر ساقها، تحكي لـ"خيوط" بحرقة: "طلعت الجبل الظهر أحطب عشان أرجع بعد العصر اكتب واجب المدرسة وأهتم بدروسي، بس قدر الله وسقطت"، وتواصل أسماء: "كان الحطب كثيرًا، لكني حملته مرة واحدة، رغبةً مني في عدم العودة مرتين بين الشمس"، هكذا سردت أسماء قصتها المليئة بالتعب والويل في  اليوم التالي بعد سقوطها من المنحدر.

المطبخ لا المصرف

أن تعمل الفتاة الريفية في مصرف بنكي يعتبر معارضة صريحة للعادات والتقاليد لكن حبيبة (26 سنة) تجاوزت كل محذورات المجتمع، ومضت وعملت في مصرف بالسوق الشعبي بقريتها الواقعة بالمعافر جنوب تعز، ورغم المضايقات التي تتلقاها في العمل إلا أنها مصرة على أن تتغلب على مصاعب الحياة بغية الحصول على لقمة العيش لأسرتها، متسلحة بالمثل الشعبي "الشغل مش عيب".


•••
رشيد سيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English