عقّدت الحرب الدائرة في اليمن عملية التنقل الآمنة، بعد فرض الصراع الطاحن طرقًا بديلة وعرة صعبة مليئة بالتوترات والنقاط العسكرية ومنافذ الجبايات من قبل جميع الأطراف، فاقمت معاناة اليمنيين على مختلف الأصعدة، ونقل البضائع والسلع بين المحافظات اليمنية.
في استعراض أحد النماذج لهذه الصعوبات والتعقيدات المنتشرة في كل مكان، تحضر مديرية طور الباحة التابعة لمحافظة لحج، على الغرب من محافظة عدن، والتي يتخللها خط السير العام الرابط بين محافظتي عدن (جنوب اليمن) المتخَذة عاصمة مؤقتة من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا، وتعز (جنوب غربي البلاد).
تعد تلك الطريق الشريان الوحيد الرابط بين تلك المحافظتين، بعد أن تم قطع الطرقات الرئيسية بينها وتدميرها من قبل أطراف الحرب منذ عدة سنوات.
وغيّرت الحرب من خطوط السير الرئيسية المعتادة، وهو ما فاقم من معاناة المسافرين بعد ما أصبح الانتقال من محافظة لأخرى -والذي لم يكن يتطلب أكثر من ثلاث إلى أربع ساعات- يحتاج إلى عشر ساعات وأكثر، وفي بعض الخطوط لا تخلو عملية التنقل من منغصات النقاط والطرق الوعرة.
سيطرة أطراف
في منطقة طور الباحة تسيطر قوات محسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا موالية لأحد الأحزاب المنضوية تحت إطارها على مركز المديرية والأجزاء الغربية منها منذ مطلع العام 2020 وحتى مطلع العام الحالي 2022، ويتبعها النقاط العسكرية ونقاط الجبايات على خط السير العام، في حين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تسيطر على الأجزاء الشرقية للمديرية وعلى معظم النقاط العسكرية على خط السير العام، وأيضًا على الأجزاء الشمالية والتي تعد مناطق جبلية، وتقع اشتباكات متقطعة من فترة لأخرى بجميع أنواع الأسلحة بين قوات المجلس الانتقالي وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين).
في الفترة من مطلع 2020 وحتى نهاية العام الحالي 2021، اشتدت وتيرة الصراعات بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي في المنطقة، وذلك على السلطة والسيطرة العسكرية، وكل طرف يحشد قواته إلى المنطقة من حين لآخر، ما يوحي بوقوع نزاعات مسلحة بين الطرفين.
برز الصراع عندما قامت القوات الحكومية مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، بالسيطرة على إدارة أمن المديرية وتكليف أحد الضباط الموالين للقوات الحكومية بإدارتها، أيضًا قوات المجلس الانتقالي أصدرت قرار تعيين ضابط آخر موالٍ لقوات المجلس مديرًا لإدارة الأمن العام بالمديرية.
نقاط تفتيش والجباية والتقطع
مثلما تنتشر نقاط تفتيش وجبايات تابعة للطرف الآخر أنصار الله (الحوثيين) التي تفرض حصارًا مطبقًا على مدينة تعز من الجهة الشرقية، هناك نقاط التفتيش على خط السير العام معظمها تتبع قوات المجلس الانتقالي، وإحدى تلك النقاط العسكرية والمعروفة بنقطة الجبلين تبعد حوالي 20 كيلومترًا شرق مركز المديرية، وحدثت فيها واقعة اعتقال الشاب عبدالملك السنباني ثم قتله، وذلك في شهر سبتمبر/ أيلول 2021.
مع اتفاق جميع الأطراف على هدنة لمدة شهرين، بدأت مطلع أبريل/ نيسان الحالي، والتي تضمنت إيجاد حل جزئي لبعض المنافذ الجوية والبحرية، يظل التحدي الرئيسي في حال استمرار الهدنة وتحركات حلحلة الملفات المعقدة في الأزمة اليمنية يتعلق بإيجاد حل للمنافذ البرية وفتح الطرقات.
أيضًا، على خط السير، هناك نقاط جباية تتبع القوات الحكومية، ويتم فيها أخذ جبايات على الشاحنات المحملة بالبضائع المارّة نحو محافظة تعز، أيضًا هناك نقاط جباية وتقطع بطريقة غير مشروعة، يقوم بها مسلحون من قبائل المنطقة، من خلال استحداث نقطة مؤقتة على خط السير، إذ يقوموا بإيقاف المارّة، كسائقي الشاحنات أو المركبات وسالكي تلك الطريق، ويتم ابتزازهم لدفع مبالغ مالية تحت تهديد السلاح مقابل السماح لهم العبور.
تكررت مثل هذه الوقائع بشكل شبه يومي خلال العام 2021، دون تدخل السلطات الأمنية التابعة لأطراف النزاع، بل إن هناك اتهامات من السكان المحليين بتورط القوات المحسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا بدفع هؤلاء المسلحين للقيام بأعمال التقطع واستغلال ذلك لأغراض سياسية. حيث تشهد المنطقة انفلاتًا أمنيًّا وإفلاتًا كاملًا من العقاب، وكان من بين تلك الوقائع واقعة اختطاف سيارة تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر في 16 سبتمبر/ أيلول 2021، عند عودتها من محافظة تعز نحو محافظة عدن، وأيضًا واقعة مقتل الطبيب عاطف الحرازي في 04 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وغيرها الكثير.
الصراع بين القبائل
في نفس السياق، ومنذ مطلع العام الجاري، نشطت الصراعات بين قبائل مديرية طور الباحة، وكان أشهرها الصراع بين قبيلتي العطويين والمعامية، واستمر النزاع بين القبيلتين حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واستخدمت في النزاع بين القبيلتين جميع أنواع الأسلحة وكميات كبيرة من الذخائر استخدمت في الاشتباكات بين القبيلتين.
وأفاد سكان المحليين أن العناصر المتقاتلة من القبيلتين معظمهم جنود؛ البعض منهم ينتمون للقوات الحكومية، والبعض الآخر ينتمون لقوات المجلس الانتقالي.
وخلّف النزاع بين القبيلتين عدة إصابات بين المدنيين؛ إحداها كانت حادثة إصابة الطفلة رغد عفيف (11 سنة)، في سبتمبر/ أيلول 2021، وأيضًا إصابة امرأة مسِنّة، كما قامت تلك النزاعات بإقلاق السكينة العامة وأصبح الأطفال والمدنيين في المنطقة وأيضًا سالكي الطريق فيها عرضةً للخطر.
كل ذلك يحدث في المنطقة بدون أي دور للتدخل من قبل السلطات المسيطرة على المنطقة، بل هناك اتهامات بأن أحد أطراف النزاع المسيطرة على المنطقة لها دور في تغذية الصراعات.
ومع اتفاق جميع الأطراف على هدنة لمدة شهرين بدأت مطلع أبريل/ نيسان الحالي، والتي تضمنت إيجاد حل جزئي لبعض المنافذ الجوية والبحرية، يظل التحدي الرئيسي في حال استمرار الهدنة وتحركات حلحلة الملفات المعقدة في الأزمة اليمنية يتعلق بإيجاد حل للمنافذ البرية وفتح الطرقات كحق مكفول للمواطن اليمني الذي يعاني الأمرّين في التنقل منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015.