حدثت أشياء كثيرة بلا معنى في خضم هذه الحرب، لكن أكثرها عدمية، احتجازُ صحفي، أو قطع طريق. سبع سنوات، ومنظمات المجتمع المدني، والعاملون في مجال الصحافة وقضايا السلام، يحاولون تفسير احتجاز أربعة صحفيين من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، كلَّ هذا الوقت.
حتى واضعو الاستراتيجيات القتالية، يبدون هنا، في حلٍّ من أمرهم، عندما يُسألون: ترى ما الجدوى من وضع صحفي خلف قفص؟ ثم يعودون إلى أنفسهم خالِي الوفاض، إذ يبدو العناد في هذه المسألة، أمرًا مستغلق الفهم وبلا معنى. عوضًا عن أن يتم وضعك، على رأس قائمة "صيّادي حرية الصحافة"، التي تعتمدها منظمة "صحفيون بلا حدود" العالمية.
أي فخرٍ يحوزه مسؤول/ سجّان في وضع نظامه القامع، إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في مستوى السلوك الوحشي؟!
لطالما كانت الأنظمة تخشى من الصحافة في أوقات السلم، وتجيب عن أسئلتها التي لا تكاد تنتهي، حيث لا يمكنك أن تعالج قضايا الاختلال الإداري باحتجاز الشهود، دون أن تكون فاسدًا أو لصًّا بالضرورة، عوضًا عن أن وضع الحقيقة في قفص، صار في حكم الوهم، على الأقل للحالمين بالعودة إلى عصر الشمولية والطغيان.
رأينا جميعًا، في الأسابيع الماضية، كيف حاول الاحتلال الإسرائيلي، إسكات صوت الحقيقية، في اغتياله للصحفية شيرين أبو عاقلة، ثم كيف أصبح هذا الدم المراق، وقودًا حيويًّا لتعرية الممارسات القائمة على انتهاكات حقوق الإنسان ومحاولة تغييب الشهود.
أي مكسب أو عائد حربي، من أن تكون سببًا في موت مريض/ مريضة، أو انقلاب شاحنة بضائع وإتلاف حمولتها، أو رفع أجور النقل والمعيشة، فقط لأنّ سيادتك أرادت أن تحكم!
وهناك من تجرأ، من أطراف النزاع، في النهاية، على إدانة هذا السلوك، دون أن يشعر بعار احتجازه لصحفيين يمنيين، والتنكيل بهم.
قطع الطريق، أيضًا، يأتي على نفس المستوى من القرصنة والبشاعة. الذين يقضون أكثر من ست ساعات، لقطع مسافة العشر دقائق، هم يمنيون، مهما كان مستوى التحريض والنزاع.
إنّ مصالحهم التي يسعون وراءها لم ولا تشكّل تهديدًا لأحد، وإلا لما أجبروا أنفسهم على أن يسلكوا هذا الطريق، على مرأى ومسمع من هؤلاء الذين يجبرونهم على تحمل هذه المشقة والتعب. وأنت -بقطعك للطريق- لا تنتصر بإهانة الناس وإذلالهم، مثلما لا تتحلى بأي قدر من رأفة اليمني ورقّة قلبه كما قد تدعي. فإذا كنت ترى أنّ تقديم تنازل باتجاه التخفيف من معاناة هؤلاء المتعبين مهمةً شاقة، فلِمَن ستقدمه إذن؟!
أي مكسب أو عائد حربي من أن تكون سببًا في موت مريض/ مريضة، أو انقلاب شاحنة بضائع وإتلاف حمولتها، أو رفع أجور النقل والمعيشة، فقط لأن سيادتك أرادت أن تحكم!
هل تعتقدون أنّ العقاب الجماعي لفئة واسعة من الشعب اليمني، يمكن أن يثنيهم عن المطالبة بحقوقهم، أو يجعلهم أكثر إذعانًا وخوفًا؟ كلا، لن يفعلوا. إنهم أقوياء بقِيَمهم وملتزمون تجاه أنفسهم ووطنهم، أكثر ممّا تظنون.
هذا المنطق، يمكن أن يرتضيه من لا يقرأ التاريخ ولا يعبأ به. أما الذين يتحدثون عن اليمنيين ومصالحهم بصدق، رغم سقطاتهم، فيعوّل عليهم كثيًرا. أمامهم مهمة جسيمة لصناعة تاريخ مشرف: فتح طريق اليمنيين، والإثبات مجددًا أنهم يستحقون أن ينعموا بحياة طبيعية، مثل كل أهل الأرض.