توفي بعد عشرة أيام من محاولة نقله من منطقة مريس، باتجاه مدينة دمت شمال محافظة الضالع، ثم إلى صنعاء لتلقي العلاج اللازم، ويُرجح أولاده الأربعة أن معاناة وعورة الطريق هي التي فاقمت من حالته الصحية، ولو كان الطريق الأسفلتي العام الرابط بين صنعاء وعدن، والذي يصل الضالع بمديرية دمت مفتوحًا، لما توفي والدهم بتلك السرعة.
هذه قصة الحاج طاهر ناجي، أحد أهالي قرية الضيعة التابعة لمنطقة مريس شمال الضالع، وهي نموذج من قصص مأساوية عدة يعيشها سكان المحافظة جراء استمرار انقطاع الطريق الرئيسي؛ بسبب القتال الدائر بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، والقوات التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين).
طيلة ست سنوات مضت حتى اللحظة والحرب الشاملة تدور رحاها في مناطق عديدة من أراضي الجمهورية اليمنية، حرب خلفت ملايين الضحايا، ما بين نزوح وتشرد ومعاناة وجوع وضياع لحقوق الإنسان والمواطنة، وتدني الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب دور المؤسسات وانقطاع الرواتب والطرق على حد سواء؛ ما تسبب في تعقيد حياة الإنسان اليمني وفاقم من معاناته.
المواطن علي الواقدي (35 سنة)، الذي كان يستغرق أقل من ساعة ليقطع بالسيارة مسافة 20 كم، من دمت إلى قعطبة لزيارة والدته، أصبح مضطرًا -وفق حديثه لـ"خيوط"- إلى القيام برحلة شاقة وطويلة، والمرور بعديد من نقاط التفتيش الأمنية التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، التي استغرقت عملية تجاوزها مدة زمنية تصل لنحو ساعتين، بينما قضى ثلاث ساعات أخرى في الطريق راجلًا إلى منطقة "الجبارة" في مريس، ثم ربع ساعة حتى وصل قعطبة.
إلى جانب صعوبة التضاريس، يمثل التوتر المتواصل في نقاط التماس والاشتباكات المتقطعة من وقت لآخر بين طرفي النزاع، أعباء إضافية تحتم على المسافرين اتخاذ طريق ضيق محفوف بالمخاطر، تم تحديده من قبل طرفي الصراع
ويبدي هذا المواطن تذمره وهو يسرد حكايته في السفر، الذي اضطر خلاله للاتصال بوالدته أكثر من ست مرات لطمأنتها عليه من خطورة الطريق، حد قوله.
مخاطر جسيمة
إلى جانب صعوبة التضاريس في الطريق الذي اتخذه المسافرون من قريتي الجبهة وكرش، بدلًا من الطريق الأسفلتي العام حيث يقطعون مسافة طويلة "مترجلين" عبر طريق جبلي صعودًا وهبوطًا، في جبال شاهقة شديدة الوعورة - يمثل التوتر المتواصل في نقاط التماس والاشتباكات المتقطعة من وقت لآخر بين طرفي النزاع أعباء إضافية تحتم على المسافرين اتخاذ طريق ضيق، تم تحديده من قبل طرفي الصراع.
من يجبره ظرف معين من المسافرين التوقف على جنبات هذا الطريق، يتعرض للاستهداف من قبل أحد الطرفين، وهو الأمر الذي يجعل المسافر في أقصى درجات الخوف أثناء اجتياز هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، بحسب قول المواطن زياد النمر لـ"خيوط".
نشطاء اجتماعيون تبادلوا على مواقع التواصل صورًا وفيديوهات ذات محتوى إنساني تم تصويرها من قبل مسافرين، بعضهم مسنّون وأطفال، أملًا في أن تؤثر نداءاتهم واستغاثاتهم في إيقاظ ضمائر المتنازعين لفتح الطريق الرئيسي، لكنها نداءات لم تعرف السبيل إلى قلوب صدئة أعطبتها قسوة الحرب.
في نفس السياق، تحاول الحجة آمنة الجبلي (77 سنة) إعادتنا إلى أحداث الماضي، وهي تخبرنا عن قساوة الحياة إبان معايشتها لأحداث صراع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى مع الحكومة، في ثمانينيات القرن العشرين الماضي، ساردة صنوفاً من المعاناة، كقطع الطرق وزرع الألغام واختطاف الرجال، والنهب وتخويف النساء والأطفال.
تقول الحجة آمنة لـ"خيوط": "اليوم عاد الخوف وعاد الخراب وعاد قطع الطريق، زوجة ابني كانت على وشك الولادة؛ ولأن العادة جرت أن المرأة لا تلد إلا في بيت أهلها حتى تساعدها والدتها، فقد أجهضت في طريق الجبهة الوعر، وهي قادمة من عدن إلى دمت".
إلى ذلك، هناك نساء أخريات يضطرهن الوضع لحمل أولادهن الرضع، الذين لم يبلغوا سوى بضعة أشهر من العمر، والسير على الأقدام، وكل هذه المعاناة لم تحرك ساكنًا في قلوب من قطعوا الطريق الرئيسي، حسب حديث الحجة آمنة.
لم تتوقف مشقة الطريق عند هذا الحد المضني، بل لها تبعات مادية، فالمسافر الذي كان يحتاج إلى ألف ريال يمني ليصل قعطبة قادماً من دمت، يحتاج الآن إلى ثمانية أو تسعة آلاف ريال يمني، وهو مبلغ كان يكفي المسافر لقطع مسافة 350 كم، من الضالع جنوبًا حتى عمران شمالًا.
عن تكاليف السفر عبر هذه الطرق الوعرة والشاقة، يشير المواطن خالد الشمسي، الذي اعتاد قطع هذا الطريق المستحدث ما بين دمت وقطعبة والضالع، إلى استخدام مسافرين للحمير كوسائل نقل بديلة لحمل الأغراض في جزء من الطريق الذي يمر به المسافرون راجلين، ابتداء من قرية كرش حتى قرية الجبهة بنفس تكلفة أجرة السيارة في رحلة من قرية الجبهة إلى منطقة الجبارة، والتي تصل إلى نحو 3 آلاف ريال.
مبادرات واتهامات متبادلة
لم يكتفِ طرفا النزاع- الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، بقطع الطريق العام، بل تسبب النزاع مؤخرًا في قطع الطريق الجبلي الذي اتخذه المواطنون بديلًا للأسفلتي.
في الوقت الذي يبدي فيه طرفا الصراع استعداهم للتعامل مع أي مبادرة لفتح الطريق الرئيسي، تتحدث مصادر مطلعة عن مساعٍ حثيثة تقوم بها شخصيات اجتماعية من أهالي منطقة دمت، للتوسط بين الطرفين لفتح الطريق
ويفيد محمد الحقب، وهو ناشط حقوقي من أهالي المنطقة، أن السلطات التابعة لحكومة صنعاء قطعت الطريق الجبلي مؤخرًا؛ ما أفقد المواطنين طريقًا مختصرًا للتنقل بين مديريات شمال وجنوب محافظة الضالع، وهو الأمر الذي سيجبر المسافر عبر عدة محافظات حتى يصل، إما إلى دمت قادمًا من قعطبة أو العكس، على اجتياز مسافة تزيد عن 7 ساعات، بينما لم يكن يتطلب الأمر أكثر من نصف ساعة للتنقل بين المدينتين.
وقام التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية مؤخرًا بمحاولة لإيجاد توافق بين طرفي النزاع يفضي إلى فتح طريق "الضالع – دمت"، لكن مساعيه تعثرت ونجحت في فتح طريق أخرى فرعية هي طريق "قعطبة - الفاخر– إب".
ويتراشق طرفا النزاع في خطوط تماس الحرب بمحافظة الضالع، بالاتهامات حول قطع الطريق الرئيسي الذي فاقم أوضاع المواطنين بشكل كبير.
في هذا الخصوص، يؤكد مسؤول محلي في سلطة أنصار الله (الحوثيين) بمديرية دمت -تحدث لـ"خيوط"- استعدادَهم للتجاوب "مع أي مبادرة حقيقية" من شأنها فتح الطريق، محملًا الطرف الآخر، المتمثل بحكومة عدن، مسؤولية قطع هذا الطريق.
وتتحدث مصادر مطلعة لـ"خيوط"، عن مساعٍ حثيثة، تقوم بها شخصيات اجتماعية من أهالي المنطقة للتوسط بين الطرفين لفتح الطريق.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه مسؤول سلطة أنصار الله (الحوثيين) استعدادهم للتجاوب مع هذه المساعي لتخفيف معاناة المواطنين، حمّل مسؤولٌ في الحكومة المعترف بها دوليًّا بمنطقة مريس الخاضعة لسيطرة القوات التابعة لحكومة عدن، الطرف الآخر- سلطة أنصار الله (الحوثيين)، مسؤولية التسببَ في قطع الخط العام بين دمت ومريس وقعطبة وإب، وتخريب الجسور وزرع الألغام، مبديًا استعدادهم لإعادة فتح الطريق في حال التزم الطرف الآخر- "أنصار الله (الحوثيين)" بآلية تخدم الاتفاق لفتح الطريق.
تحرير خيوط