شريان تعز الوحيد مهدّد بالانقطاع

مصائد الموت في طريق "هيجة العبد"
محمد علي محروس
September 17, 2020

شريان تعز الوحيد مهدّد بالانقطاع

مصائد الموت في طريق "هيجة العبد"
محمد علي محروس
September 17, 2020
ت: حمزة مصطفى

  في طريقك من مدينة تعز إلى عدن، سوف تتوقف على تخوم منحدر جبلي يعد، بالنظر إلى ما هو عليه اليوم، الأخطر بين المنحدرات الجبلية المستخدمة كطرق رئيسية على مستوى اليمن. 

  ذلك هو طريق "هيجة العبد"، حيث ستضع يدك على صدرك، وكأنك قابض على قلبك، أما لسانك، فسوف يستحضر كل دعوات المناجاة من أجل النجاة. ستحتشد قواك العقلية والوجدانية كلها من أجل العبور بأمان، وللوصول إلى نهاية المنحدر دون أضرار. وقد يحدث أن تبقى معلّقًا على ارتفاع 3000 متر فوق سطح البحر بين الجبال الشاهقة لساعات؛ لأن شاحنة خرجت عن مسارها أو أجبرتها حمولتها الثقيلة ومتاعب الطريق على التوقف، أو لأن حادثَ تصادُمٍ وقع في أحد المنعطفات المليئة بالحفر. هكذا، بشكل شبه يومي، تبدو صور المعاناة متعددة على هذا الطريق.

  ما إن تكمل المنحدر الجبلي، المليء بالحُفر، حتى تخوض مغامرة غير مأمونة العواقب في طريق آخر، على الرغم من سهولته، لكنه مليء بالحجارة التي تخُضّ الركاب، وتخل بتوازن المركبات. إذ تحيط بك الجبال من كل جانب على هذا الطريق، وربما داهمك سيل قادم من مكان بعيد على حين غرّة، غير عابئ بالشمس الحارقة، فيقطع طريقك. إذا لم تتصرف على وجه السرعة، فسيجرفك رفقة من معك، لأنك سلكت طريقه التي عبّدها بطريقته الخاصة! التجربة ذاتها ستعيشها لمدة 90 دقيقة في طريق العودة من عدن، مع تحول الانحدار إلى صعود.

شريان تعز

  المئات يمرون بالحالة ذاتها يوميًّا في هذا الطريق، ولا بديل لهم سوى طريق آخر غير معبد، وخطورته تفوق الأول بكثير.

  يخترق طريق "هيجة العبد"، الجبال شديدة الانحدار، وقد أصبح شريان تعز الوحيد، الذي يربطها بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، ويمدها بمؤونتها من الغذاء والدواء والمشتقات النفطية وأساسيات أخرى من احتياجات السكان. لقد اكتسب أهميته المحورية هذه منذ أكثر من خمس سنوات.

  بحسب سامي الأكحلي، نائب رئيس اللجنة المجتمعية لإصلاح طريق "هيجة العبد"، فقد جرى شقّ الطريق لكي يربط بين مديرية المقاطرة بمحافظة لحج، ومديرية الشمايتين بمحافظة تعز، وبمعايير متوسطة. يومها كان يُعدّ طريقًا ريفيًّا لا أكثر، ويندر أن تمر فيه السيارات بشكل يومي. ويستدرك الأكحلي في حديثه لـ"خيوط": «اليوم تعبره حوالى  250- 300 شاحنة محملة بمئات الأطنان من احتياجات سكان تعز الأساسية، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي فاقمت سوء حالة الطريق». وأشار إلى أنه «بصدد إعداد مبادرة لحشد الجهود الاجتماعية، والعمل على تفعيل مساهمة التجار من أجل إصلاح الطريق، ولو بمعالجات أولية تضمن عدم توقفه»؛ لأن ذلك- حسب تعبيره – «سيعود بالضرر على ملايين المواطنين».

عراقيل صيانة الطريق

مرسيل الشدادي، مهندس مشروع إصلاح طريق "هيجة العبد" تحدث لـ"خيوط" بأسى، عن محاولاته المستمرة لإعادة العمل في مشروع إصلاح الطريق، لكن دون جدوى. قال إنه يسعى «منذ سنة على استئناف العمل في المشروع»، متنقلًا بين عدن وتعز، لكنه اصطدم بـتطورات الأوضاع في عدن، وبما سمّاه «جمود تام من السلطة المحلية بتعز».

بذات اللهجة يحكي نائبه، المهندس عارف أحمد سلام، عن "حالة اللامبالاة" التي قال إنهم قوبلوا بها من السلطة المحلية في مديريتي الشمايتين والمقاطرة، ومحافظة تعز عمومًا. وبحسب المهندس سلام، فقد كان هناك مقترح عملي لمسح طريق بديل يمرّ عبر منطقتي "الصحَى - الكَرِبَة"، يمكن أن تمرّ فيه الشاحنات ريثما يتم إصلاح طريق "هيجة العبد"، لكن هذا المقترح لم يجد طريقه للتنفيذ؛ بسبب عدم توفير أجور العاملين لمسحه. «شهر واحد فقط، كان كافيًّا لإصلاح طريق "هيجة العبد" في حال تم مسح الطريق البديل»، أضاف سلّام.

في حال توقف طريق "هيجة العبد" نهائيًّا، فمن المتوقع أن يشكل توقفه أزمة إنسانية على نطاق واسع في أكبر محافظة يمنية من حيث الكثافة السكانية

  وبحسب مذكرة مرفوعة من محافظ تعز إلى صندوق صيانة الطرق، فإن تكلفة مسح طريق "الصحَى- الكَرِبَة"، تبلغ 4,659,200 ريال، وفق دراسة مرفقة من مديرية الشمايتين، لكن الصندوق لم يتفاعل مع مذكرة المحافظ، وهو سبب من أسباب تعثر العمل، وفق ما قاله سلام لـ"خيوط".

كما أشار إلى أن العوامل المناخية هي واحدة من أسباب تعثر إصلاح الطريق، خاصة منذ أبريل/ نيسان 2020، إذ شهدت المنطقة هطول أمطار غزيرة تسببت في انهيارات صخرية حينها، ما أدّى إلى قطع الطريق، واضطرار السائقين للاستعانة بطرق بديلة تنطوي على مخاطرة بأرواح المسافرين.

مناشدات شعبية

  ويشهد مشروع إصلاح طريق "هيجة العبد" توقفًا قسريًّا منذ العام 2018، ما فاقم من سوء صلاحيته لمرور المركبات والشاحنات، فيما يتوقع بعض السائقين خروج الطريق عن الصلاحية بصورة كاملة في غضون شهرين، ومنهم رشاد الشرعبي، الذي يملك حافلة لنقل الركاب من وإلى عدن. يمر رشاد مرة كل أسبوع على الأقل، في هذا الطريق، وفي حديثه لـ"خيوط"، عبّر عن انزعاجه الشديد من حالة الطريق و"عدم المسؤولية" التي أوصلته لهذه الحالة. كما يؤكد أنه تكبّد خسائر مالية عديدة، كنفقات لإصلاح حافلته، جراء ما تتعرض له بسبب الحُفر المنتشرة في الطريق.

حوادث متكررة تحصد أرواح السائقين، وإغلاق شبه يومي للطريق الحيوي الوحيد لمدينة تعز، بسبب وعورته وتآكل صلاحيته الفنية يومًا بعد آخر. ذلك ما حدا بالناشط الإعلامي أسامة سويد للقول إن «المنفِّذ الوحيد لمحافظة تعز على وشك الانهيار». وأضاف سويد في حديثه لـ"خيوط" أن أعمال الصيانة في الطريق «توقفت منذ عدة أشهر لأسباب غامضة»، وسط ما وصفه بـ«تقاعس» قيادة السلطة المحلية في المحافظة عن القيام بدورها تجاه الشريان الوحيد لسكانها - حسب تعبيره.

الناشط المدني باسم الزريقي، نشر على حائطه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مناشدة قال فيها إن النشطاء والأهالي، وجهوا نداءات للسلطة المحلية والمنظمات الإنسانية، "طوال السنوات الأربع الماضية"، لإصلاح طريق "هيجة العبد"، لكن دون جدوى. وأشار الزريقي في مناشدته إلى أن محافظ تعز نبيل شمسان، ومسؤولين حكوميين آخرين، سبق أن نجوا من حادثِ سقوطٍ محقق في طريق "هيجة العبد". 

  ورغم الأهمية التي يشكلها هذا الطريق - باعتباره الرابط الوحيد لمدينة تعز ومديرياتها الغربية والجنوبية، مع المحافظات المجاورة لها، كلحج وعدن - إلا إن مشروع صيانته لا يزال متوقفًا، وسط مخاوف من إغلاقه نهائيًّا، جراء تفاقم الأضرار فيه من يوم لآخر. وفي حال توقف هذا الطريق نهائيًّا، فمن المتوقع أن يشكل توقفه أزمة إنسانية على نطاق واسع في أكبر محافظة يمنية من حيث الكثافة السكانية، الأمر الذي سيفاقم من سوء الأوضاع الإنسانية بمجملها، بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English