منذ أن بدأت الحرب والحصار لمحافظة تعز في مارس 2015، حتى وقتنا الحاضر، تعرضت المحافظة لأضرار وخسائر باهظة، مادية وبشرية، كنتيجة للحرب ثم الحصار الذي فاقت آثاره خسائر الحرب؛ حيث أدّى استمرار الحصار إلى إعاقة إعادة تطبيع الحياة الطبيعية لسكان المحافظة، وشمل ذلك كافة أوجه الحياة الإنسانية، إذ أثرت الحرب على البنى التحتية، كالطرق وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنظافة، وعلى مؤسسات الدولة الخدمية في المحافظة والأنشطة التجارية والصناعية، وتضررت الكثير من منازل المواطنين بأضرار بالغة أو نهبت من قبل المسلحين المنفلتين، بينما الحصار امتد أثره ليشمل تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لكافة مواطني المحافظة بمختلف فئاتهم السكانية.
إذ أعيقت سلطة المحافظة ومواطنيها عن إعادة الإعمار والتعافي؛ وبالتالي استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية بصورة مستمرة، ممّا أدّى إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر إلى مستويات عالية، تقدر في مؤشر الفقر المطلق لنسبة تجاوزت 80% من سكان المحافظة بدلًا عن نسبة 36% قبل الحرب والحصار، وفي مؤشر البطالة لنسبة تجاوزت 90% من قوة العمل في المحافظة بدلًا عن 46% قبل الحرب، حسب تقارير معطيات رسمية لقيادة السلطة المحلية بالمحافظة، وتحليلات بحثية قام بها الكاتب بناء على هذه المعطيات، ومعطيات أخرى للوضع الاقتصادي للمحافظة.
كما أنّ الحصار أعاق المحافظة عن مواجهة انهيار أنشطة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وتجمدت أنشطة القطاعات الإنتاجية والخدمية أو تراجعت بصورة بالغة. ومن القطاعات والمجالات المشهود تدهورها، نستطيع الإشارة إلى ما يلي:
- الزراعة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها، كتربية الحيوانات والنحل؛ الأمر الذي أدّى إلى انهيار الأمن الغذائي، وتزايد مستمر لمعاناة المواطنين. خصوصًا أنّ المحافظة تعد بدرجة رئيسية زراعية، يتصدر النشاط الاقتصادي لسكانها القطاع الزراعي.
- كما أدّى الحصار أيضًا إلى تدهور ملحوظ لقطاعات الاقتصاد المحلي الأخرى، منها: الاصطياد السمكي، الصناعة والتجارية، التشييد والبناء، المهن الحرة، السياحة والتنمية البشرية. حيث تجمدت أو ضعفت الكثير من الأنشطة التعليمية لمستويات عالية يصعب تقييمها بدقة حاليًّا، كما تراجعت الخدمات الصحية لمستويات عالية، وارتفعت تكاليف العلاج والدواء بصورة يصعب على معظم المواطنين القدرة على مواجهتها؛ ممّا يؤدّي إلى انتشار الأمراض ووفاة الكثير من المرضى، بسبب ضعف وتراجع كبير للخدمات الصحية وارتفاع كبير جدًّا لأسعار ما هو متاح منها. ويمكن أن نعرض بصورة مختصرة، لبعض المؤشرات الكمية للأضرار والخسائر التي لحقت بالمحافظة؛ وذلك على النحو الآتي:
1- توقف كامل للوحدات الإدارية والاقتصادية التابعة للدولة بالمحافظة في السنتين الأولى للحرب (2015 و2016)، واستُؤنِف العمل في بعض منها منذ العام 2017، ولكن بأداء ضعيف للغاية، بسبب ما أصابها من أضرار وخسائر مادية وبشرية، حيث بينت نتائج دراسة ميدانية قام بتنفيذها مكتب الجهاز المركزي للإحصاء بالمحافظة، شاركت بإعدادها، ما يلي:
- تم تقييم 65 وحدة إدارية من الوحدات التابعة للدولة بالمحافظة، وأظهر التقييم بأن هذه الوحدات قد تعرضت لأضرار وخسائر كبيرة خلال الفترة (2015–2020)، قدرت تكلفتها الإجمالية أكثر من مبلغ (2.6) مليار دولار أمريكي. كما تركت هذه الأضرار والخسائر آثارًا مباشرة بمقدار هذه التكلفة وغيرها من الأضرار غير المباشرة التي من الصعب تقييم آثارها على كافة قطاعات الاقتصاد المحلي للمحافظة، وبيّنت نتائج الدراسة أيضًا فقدان تلك الوحدات 12262 موظفًا من قوتها العاملة، توزعت بين قتلى وجرحى، والبعض من الجرحى إصاباتهم بليغة، حولتهم هذه الإصابات إلى مقعدين غير قادرين على استئناف أعمالهم، وكذلك نازحون لم يستطيعوا العودة لأعمالهم بسبب الحصار المفروض على المحافظة. وأوصت الدراسة بتوفير مبلغ 1.6 مليار دولار أمريكي لإصلاح أضرار تلك الوحدات وإعادتها للعمل كما كانت قبل الحرب والحصار.
فقدان ما يقدر بنحو 55 مليار ريال سنويًّا منذ بداية الحرب والحصار، وحتى وقتنا الحاضر مقابل ضرائب من كبار المكلفين كانت تتدفق لموازنة الدولة من المحافظة.
2- حسب تقرير للغرفة التجارية والصناعية بالمحافظة، بيّن أهم ما تعرضت له الأنشطة التجارية والصناعية من الأضرار والخسائر أدّت إلى إضعاف كبير للحركة التجارية والصناعية في المحافظة. حيث يشير التقرير إلى أنّ عدد المنشآت التجارية والصناعية بالمحافظة، كان قبل الحرب يبلغ 13500 منشأة عاملة لم يبقَ منها حاليًّا سوى 65 منشأة في سجلات الغرفة التجارية والصناعية، والبقية مفقودة أو مغلقة، إما بسبب إصابات بأضرار ولم تتمكن من إعادة الإعمار، أو مغلقة بسبب نزوح أصحابها وعدم تمكنهم من العودة لمزاولة أنشطتهم بسبب الحصار.
3- استنادًا لمعطيات تقرير لقيادة السلطة المحلية بالمحافظة، وما تم تتبعه ميدانيًّا من قبلنا كباحث، نشير إلى الخسائر المالية التي فقدتها المحافظة، ولا يزال يعاني منها سكانها وتعود أسبابها للحرب واستمرار الحصار، بالآتي:
- فقدان ما يقدر بنحو 55 مليار ريال سنويًّا منذ بداية الحرب والحصار وحتى وقتنا الحاضر مقابل ضرائب من كبار المكلفين كانت تتدفق لموازنة الدولة من المحافظة.
- خسائر سنوية تقدر بحوالي مليار ريال بالمتوسط خلال فترة الحرب، تكلفة حوادث مرورية، بسبب الحصار وإجبار المواطنين ووسائل النقل للمرور عبر طرق بديلة جبلية وعرة وخطرة للغاية. بالإضافة إلى ما تسببه من ارتفاع هائل في الوقت وتكلفة النقل... فعلى سبيل المثال، الانتقال من وسط مدينة تعز لمنطقة الحوبان يكلف من الوقت (4-6) ساعات بوسائل النقل العامة للركاب، وهي مسافة كانت تستغرق عبر الطرق الرسمية دقائق محدودة. كما ارتفعت أجرة النقل بصورة كبيرة للغاية، فمثلًا كان المشوار من مدينة تعز لمنطقة الحوبان قبل الحرب، يكلف الفرد مبلغًا يتراوح بين (50-100) ريال فقط، وفي سنوات الحصار منذ 2015 تصل تكلفة نقل الفرد الواحد في وسائل النقل العامة مبلغ 15 ألف ريال. وإذا ما قسنا على ذلك نقل السلع من منطقة لأخرى بوسائل النقل الثقيلة، فإنّ التكلفة باهظة وتضاف إلى تكلفة السلع قبل بيعها للمواطنين. علمًا بأن هذه الطرقات مليئة بالنقاط الأمنية ويتعرض سائقوها لابتزاز هذه النقاط ودفع إتاوات لأفراد هذه النقاط، وبعضهم تابعون لمسلحي الحوثي، والآخرون تابعون لمسلحي الشرعية أو الجنود التابعين لألوية قيادة محور الجيش الوطني بالمحافظة. وكل هذه التكاليف تنعكس بارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية وغيرها من السلع الضرورية كالدواء... وغيرها، ويتحمل هذه الزيادات في التكلفة المواطنون بصورة ارتفاع في أثمان السلع والخدمات، الأمر الذي يدلّ على ارتفاع المعاناة الإنسانية لسكان المحافظة مقارنة بسكان المحافظات الأخرى.
بسبب وقوع حوض تغذية شبكة المياه العامة في المنطقة التي تسيطر عليها الحركة الحوثية، فقد انقطع تدفق المياه المنزلية؛ الأمر الذي يتسبب في معاناة بالغة لمواطني المحافظة لجلب المياه النقية وبتكاليف باهظة جدًّا لا يستطيع مواجهتها معظم المواطنين.
- فقدان مخصص مالي كمساعدات صينية لإصلاح ميناء المخا بمبلغ 58 مليون دولار أمريكي. وقد كان مقررٌ أن يكون ميناء المخا منفذًا بحريًّا دوليًّا هامًّا للحركة التجارية الدولية بين المحافظة والبلدان الأخرى، الأمر الذي من شأنه إنعاش الوضع الاقتصادي في المحافظة وتنشيط عجلة الاستثمار ليعود إلى ما كان عليه في بداية سبعينيات القرن الماضي؛ وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المحافظة.
- فقدان مخصص سنوي من السولار كنصيب للمحافظة من عائدات المشتقات النفطية التي كان يتم تكريرها في مصافي عدن، وتوزع على محافظات الجمهورية اليمنية، يقدر بنحو 54 مليار لتر بسبب توقف محطات توليد الطاقة الكهربائية واستمرار الحصار للمحافظة.
4- بسبب وقوع حوض تغذية شبكة المياه العامة في المنطقة التي تسيطر عليها الحركة الحوثية، فقد انقطع تدفق المياه المنزلية عبر هذه الشبكة، ولم يتم إعادة تدفق المياه طيلة سنوات الحصار البالغة أكثر من 8 سنوات. الأمر الذي يتسبب في معاناة بالغة لمواطني المحافظة لجلب المياه النقية وبتكاليف باهظة جدًّا لا يستطيع مواجهتها معظم المواطنين.
5- بسبب أنّ محطة توليد الكهرباء تقع في مدينة المخا، وهي منطقة تسيطر عليها القوات المشتركة بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي، العميد/ طارق محمد عبدالله صالح، وقد تعرضت لأضرار القصف الجوي أثناء سيطرة الحوثيين عليها ولم يُعَد تشغيلها، كما لم يعَد تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية الواقعة في مدينة تعز، فقد توقف إمداد مواطني المحافظة بالطاقة الكهربائية عبر الشبكة العامة منذ عام 2015، وحتى وقتنا الحالي. الأمر الذي أدّى إلى حرمان معظم مواطني المحافظة من تلبية احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية بسبب الارتفاع الكبير لأسعار وحدات الطاقة البديلة التي لجأ إليها بعض المواطنين. كما أنّ غياب الشبكة العامة وارتفاع تكاليف الحصول على الطاقة البديلة يؤثر بصورة بالغة في تدهور ما تبقى من الأنشطة الاستثمارية في المحافظة؛ وبالتالي استمر تدهور الوضع الإنساني للمواطنين.
وعمومًا، يمكن القول بأن اتساع مساحة المحافظة، المقدرة بنحو 10038 كيلو مترًا مربعًا، وكثافة وانتشار السكان في 23 مديرية؛ إذ تحتل المحافظة المركز الأول في التركيب السكاني لمحافظات الجمهورية اليمنية وبنسبة تتجاوز 12% من إجمالي سكان اليمن حسب نتائج التعدادات السكانية التي كان ينفذها الجهاز المركزي للإحصاء كل 10 سنوات، وما تتعرض له المحافظة من تمزيق لجغرافيتها السكانية بين قوات عسكرية متعددة والحصار الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، ولكل ما أوردناه من آثار للحرب ولغيرها من الآثار الناتجة عن طول فترة الحصار- جعل حياة سكان المحافظة بكل فئاتهم ونوعيتهم صعبة للغاية، وليس لها مثيل على مستوى الدولة اليمنية وعلى مستوى التجمعات السكانية في بلدان العالم المختلفة. ولذلك فإنّ معظم سكان المحافظة يعيشون على ما يصلهم من المساعدات الإنسانية والتكافل الأسري والاجتماعي، وقد صار مألوفًا أن نرى ظواهر التسول وعمالة الأطفال والمشردين في شوارع المدن بصورة مؤلمة للغاية.
ختامًا:
نستخلص من معطيات هذا المقال بأن وضع محافظة تعز بفعل استمرار الحصار صار كارثيًّا، ويستدعي أن يكون للمجتمع الدولي دورٌ فاعلٌ للتسريع بفك الحصار عن تعز، كما نرجو أن يكون هناك تدخلٌ أمميّ جادّ لوضع نهاية للحرب وتحقيق السلام الدائم في اليمن.