مؤمنين بمبدأ التكافل الاجتماعي والإسهام المجتمعي الذي يعدّ السبيل الأمثل لتقدم البلدان، ورغم استمرار الحرب العبثية في اليمن منذ ست سنوات، رسم أهالي مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز طريقهم الأمثل، نحو البناء الفعلي من خلال مشاريع تنموية، ينفذونها بروح التكافل والأمل، من أجل الخلاص من المآسي المتراكمة، والمشكلات الدائمة، التي عانت منها المديرية على مدى قرون من الزمن.
يسكن مديرية جبل حبَشي - غرب مدينة تعز، قرابة 120 ألف نسمة، وتبلغ نسبة الكثافة السكانية فيها 388 نسمة لكل كيلومتر على مساحتها البالغة 309 كيلومتر مربع. يتوزع السكان على هذه المساحة في 13 عُزلة متفاوتة في الحجم وعدد السكان، لكنها غير متفاوتة فيما يتعلق بروح التكافل الاجتماعي، والعمل لأجل الصالح العام. وعلى ما يبدو فإن هذه الروح الجماعية هي التي جعلت تصنيف الحالة الاقتصادية للمديرية بالمتوسطة. ذلك أن المديرية شبه محرومة من المشاريع الحكومية، بالنظر إلى احتياجات سكانها.
طرقات شائخة عفا عليها الزمن، واندثر جمالها، وتُركت للمواطن البسيط، يتجرع مرارة تضاريسها، ويتحمل مشقة العبور فيها، علاوة على الخسائر من الممتلكات والأرواح نتيجة كثرة الحوادث المرورية بين جبالها، وخدمات صحية تكاد معدومة، ناهيك عن الخدمات التعليمية التي زادت غيابًا خلال سنوات الحرب.
ورغم توسع دائرة الحرب، وتمدد الصراعات، إلا أنّ الوعي الذاتي ظل حاضرًا لدى أهالي المديرية، وحصدت المرتبة الأولى في الأعمال التنموية على مستوى محافظة تعز، نتيجة النهضة التنموية التي حققتها خلال العامين الماضيين، حيث تشكلت ما يزيد عن 120 مبادرة مجتمعية، ونُفذ أكثر من 98 مشروعًا تنمويًّا وخدميًّا.
العزيمة والإصرار
يقول عبدالقادر الحاتمي، في حديثه لـ"خيوط": "عملتُ طوعيًّا كمدير تنفيذي لمشروع رصف طريق "هوب الراوس" بجبل حبشي لمدة تزيد على 11 شهرًا، راغبًا بإحداث تغيير حقيقي في المجتمع، وتخليص الناس من المعاناة المريرة التي كان يتجرعها الأهالي نتيجة وعورة الطريق".
ويضيف عبدالقادر: "أغلب العاملين في الميدان كان عملهم تطوعيًّا بحتًا، والتبرعات التي كانت تصلنا تصرف للحاجات الضرورية الاستهلاكية، مثل الوقود للكمبريشنات، والأسمنت، وغيرهما من الحاجات الضرورية، حتى إننا كنا نضطر أحيانًا لدفع أجرة العمالة الماهرة التي تأتي من خارج القرية، نظرًا لعدم توفر العمال الماهرين في مجال الرصف في منطقتنا".
عبدالغني الجعادي تحدث هو الآخر لـ"خيوط"، عن رغبته الجامحة ومشاركته المستمرة في ما يسميها "ثورة التنمية"، التي برزت في الفترة الأخيرة بمديرية جبل حبشي، إلى جانب رفاقه من المتطوعين العاملين في الميدان. يقول: "أنتجتُ أنا ورفاقي ما يقارب 15 ألف حجرة كمساهمة منا للتخفيف عن كاهل الناس في المناطق الريفية التي تعاني الأمرّين: مرارة الحرب، ومرارة مشقة الطرقات". لذلك يدعو عبدالغني كل أفراد المجتمع إلى المبادرة في العمل الجماعي، لكي ينهضوا بقراهم ومديرياتهم.
"لا نركن على دولة أو جهات رسمية في ظل الأوضاع السياسية الدائرة، ومثل ما يقال: دولة البلاد أهلها". يضيف عبدالغني وقد اكتسى وجهه بملامح الحكماء وهمة رجل مقلاع لا يتوقف عن إنتاج أحجار البناء.
التكاتف المجتمعي
الشيخ فاروق الهرش، أحد أعيان جبل حبشي، يقول لـ"خيوط": "في وقت الشدّة تظهر معادن الناس، وها هي المعادن الأصيلة ظهرت من إخواننا التجار ورجال الأعمال والمغتربين من أهالي مديريتنا وحتى من خارج المديرية، ووقفوا إلى جانب الأهالي وأسندوهم بالدعم المقدور عليه، من أجل التخفيف عن كاهل الناس، ومساعدتهم فيما بدؤوا به من أعمالٍ تنموية ومجتمعية".
تركزت أغلب المبادرات المجتمعية على رصف الطرقات، حيث أشارت إحصائيات بأنّه تم رصف أكثر من 78 طريق بنحو 14.000 متر مربع، توزعت بين العديد من قرى ومحلات المديرية
ويواصل الهرش الذي يعتبر من داعمي الأعمال التنموية: "دعمنا لهم ليس إلا قطرةً من بحر، مقابل جهودهم الذاتية، وإسهاماتهم المجتمعية".
ويقول الناشط المجتمعي عبده الحمودي، إن "التكاتف المجتمعي في ظل الحرب الدائرة، وغياب الجهات الرسمية، هو الدافع الحقيقي الذي جعل من مديرية جبل حبشي أيقونةً للتنمية، وشعلةً في المشاريع الإنسانية". ويواصل بقوله: "وقبل كل شيء الحاجة المُلحّة، وعدم توفر الخدمات الأساسية، هي من ولّدت لدى الأهالي رغبة جامحة للخلاص من المعاناة المستمرة التي خيّمت على المواطنين، وشكلّت أعباءً إضافية على الناس، وخاصة في ظل إغلاق أغلب الطرق الرئيسية نتيجة الحرب، مما اضطر الأهالي للبحث عن البدائل، وهي طرق متهالكة وخطيرة، ولكن الحمد لله، ثورة التنمية التي أنتجتها جبل حبشي برجالها ونسائها خلال العامين الماضيين، خففت الكثير من المعاناة، ووفرت الكثير من الخدمات".
جهات التمويل
وعن تمويل المشاريع التنموية والخدمية في مديرية جبل حبشي، تحدث لـ"خيوط"، الأستاذ محمد حسان، المسؤول المالي لمشروع رصف طريق "هوب الراوس" - قرية الشيخ سعيد (قشيبة). يقول حسان: "عزائم الرجال وإصرارهم هي التمويل الحقيقي لمثل هذه المشاريع، وكل المبالغ التي وصلت إلينا خلال فترة تنفيذ المشروع، عبارة عن هبات وتبرعات جاد بها فاعلو الخير، وبعض التجار والمغتربين من أهالي المنطقة، وكذلك النساء، وكانت تغطي الحاجات الأساسية، والمشتريات الضرورية".
ويردف قائلًا: "المساهمة المجتمعية، وتكاتف أهالي المنطقة والخيرين، هم العمود الرئيسي والركيزة الأساسية لنجاح المشروع، ولا ننسى أنّ هناك مساهمات من بعض المنظمات ولكنها ضئيلة جدًّا".
ويتابع حسان حديثه عن الهمة التي تغطي عجز الإمكانيات المتاحة:" مشروعنا كان يحتاج إلى أموال طائلة ومبالغ هائلة من أجل تنفيذه، وبدأنا مع زملائنا في الإدارة التنفيذية من الصفر، سوى بعض العُدة التي نحتاجها لفتح العمل، وقد تبرع بها الأهالي، واستمرينا بالعمل بشكل طوعي حتى النهاية. الإصرار والعزيمة كان حليفنا لاستكمال المشروع، وانتصارنا على المعاناة المريرة التي جثمت على الأهالي قرونًا من الزمن، وإلى جانبنا رجال الخير جزاهم الله خير".
واستمرت وتيرة الأعمال التنموية في مديرية جبل حبشي، بجهد ذاتي، وتمويل فاعلي الخير والمغتربين، لينالوا شرف وسام التكافل الاجتماعي، ورجال التنمية والبناء.
دور المرأة في الأعمال التنموية
"على غير العادة لم يقتصر دورنا في المبادرات المجتمعية بالمديرية على إعداد الطعام فحسب، ولكن كسرنا الحاجز، وفككنا القيود المجتمعية المتحتمة على النساء، وشاركنا الرجل في العديد من الأعمال التنموية التي طرأت مؤخرًا في المديرية". هكذا تحدثت الأستاذة زينب محمد، إحدى الناشطات المجتمعيات، ومنسقة اللجان المجتمعية في قرية العنين بعزلة بلاد الوافي.
وأضافت زينب في حديثها لـ"خيوط": "ها نحن في هذه الأيام نتجهز لبناء وحدة صحية في القرية وأغلبنا في الإدارة التنفيذية نساء، وهذا يعد انتصارًا للمرأة والرجل على العادات المجتمعية السائدة، وهو بمثابة فخر لنا كنساء، ونحن نشارك الرجال الأعمال التطوعية للنهوض بمجتمعنا، ونحن أهلٌ لذلك".
وقالت ذكرى سيف، وهي إحدى النساء الداعمات للمشاريع التنموية: "جاء دعمنا تلبيةً لنداء الواجب، ومشاركة الرجال بأقل الواجبات التي باستطاعتنا أن نقدمها، ولم يقتصر دعمنا بالمال فقط، ولكن لازمنا إخواننا الرجال بالكثير من الأعمال، التي تتناسب مع طبيعتنا كنساء، وكذلك إعداد الطعام للعاملين في الميدان، وهذا أقل واجب نقدمه لمجتمعاتنا ومديرياتنا".
وهكذا ظلت الأعمال التنموية شاهدةٌ على خير ما فعلَ، وعظيم ما صنعَ أهالي مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، في ظل حربٍ مدمرة، أهلكت الحرث والنسل، وأكلت الأخضر واليابس.
وتركزت أغلب المبادرات المجتمعية على رصف الطرقات، حيث أشارت إحصائيات بأنّه تم رصف أكثر من 78 طريقًا بنحو 14.000 متر مربع، توزعت بين العديد من قرى ومحلات المديرية.
تحرير "خيوط"