يعمل المواطن أحمد صالح (38 سنة)، بهمّة عالية في مشروع شق ورصف طريق يموله الأهالي بمنطقة حبيش، يبلغ طوله 20 كيلومترًا، ويربط بين مديرية حبيش ومديرية العدين - (حزم العدين) بمحافظة إب (وسط اليمن).
انخرط صالح في العمل بالمشروع بشكل تطوعي، كما يفعل الكثير من أهالي عزلتي "السلَق" و"التفادي" بمديرية حبيش، لكن لديه دافع خاص يثير حماسه للعمل أكثر من المتطوعين الآخرين.
في الـ14 من ديسمبر/ كانون الأول 2013، تمنى صالح أن يكون هذا الطريق مرصوفًا ليتمكن من إسعاف زوجته الثلاثينية، بعد أن باغتها المخاض في ريف مديرية حبيش. غير أن وعورة الطريق باعدت بين زوجة صالح والمستشفى، فقضت نحبها في الطريق. لم يسعفها الوقت لتحظى بفرصة أخرى للحياة.
يقول صالح لـ"خيوط": "لم أستطع الوصول إلى المركز الصحي في الوقت المناسب لإنقاذ حياة زوجتي"، لكنه يبدو اليوم مستبشرًا بإطلاق الأهالي مبادرة لإصلاح الطريق الرابط بين ريف حبيش ومركز مدينة العدين.
قبل ذلك، كانت الطريق التي تربط بين قرى مديرية حبيش وحزم العدين، وعرة وضيقة المساحة، وكان التنقل عبرها من وإلى المدينة كابوسًا يؤرّق سكان هذه القرى وينغص عيشهم.
يقضي سكان ريف حبيش ثلاث ساعات يوميًّا في هذا الطريق الذي يمر عبر منحدرات جبلية وعرة، للوصول إلى مركز المدينة لجلب احتياجاتهم الأساسية؛ رحلة شاقة وخطرة على متن سيارات "صالون" قديمة، تظل تتأرجح طيلة ثلاث ساعات على جنبات الطريق، مضاعفةً بذلك مشقة التنقل، وآلام المرضى الذين يتوفى بعضهم، خاصة ذوي الحالات الحرجة، قبل الوصول إلى المستشفى.
منذ ثمانينيات القرن العشرين، ظل سكان مديرية حبيش يأملون بإطلاق مشروع لتوسعة وإصلاح الطريق الذي يصل مناطقهم الريفية بالمدينة، للتخفيف من معاناتهم اليومية في التنقل، بيد أن الاضطرابات السياسية حالت دون تحقيق تطلعاتهم تلك. فقد تعثر المشروع الحكومي الذي كان معتمدًا لإصلاح هذا الطريق في العام 2011، ثم اندلعت الحرب. لكن لا الاضطرابات السياسية ولا الحرب أعاقت تكاتفهم اليوم بعد مبادرتهم بإطلاق مشروع شق ورصف الطريق بتمويل أهلي صرف، ووضع حد نهائي لمعاناتهم المستمرة منذ عقود.
مطلع العام 2020، أطلق أهالي عزلتي "السّلق" و"التفادي"، حملة تبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإنجاز مشروع شق ورصف طريق (العُلاية - السلق)، الذي يربط بين ثلاث مديريات: (حبيش، حزم العدين، فرع العدين)، بطول يبلغ 20 كيلومترًا، وبتكلفة قدرها 431 مليون ريال يمني (قرابة 720 ألف دولار).
لاقت الحملة تفاعلًا واسعًا وسط أهالي منطقة حبيش والمناطق المجاورة، حيث بادر المواطنون للتبرع بمبالغ نقدية، تسلمتها لجنة شُكِّلت من قبل أهالي المنطقة، وتكفلت بإدارة المشروع. مواطنون آخرون تبرعوا بأجزاء من أراضيهم المحاذية للطريق لصالح توسعته ورصفه. كما عمد الأهالي إلى تشكيل لجان مجتمعية للإشراف على عملية تنفيذ المشروع وفق المعايير الفنية الهندسية لضمان نجاحه، إضافة إلى تحصيل المساهمات المالية من المتبرعين لصالح المشروع.
جمعت اللجنة المعنية بتحصيل المساهمات المالية من أهالي المنطقة منذ انطلاق المبادرة مطلع العام 2020، حتى سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، نحو 120 مليون ريال، بواقع 27% من إجمالي الميزانية التقديرية البالغة 431 مليون ريال، ولا يزال الباب مفتوحًا أمام التبرعات.
المدير المالي للمشروع مجاهد الصلاحي يقول في حديث لـ"خيوط"، إن المبادرة لاقت ترحيبًا واسعًا بين أهالي مديرية حبيش، مشيرًا إلى أن المشروع حظي باستجابة العديد من المغتربين والتجار والمواطنين، الذين بادروا لتمويله عبر تقديم المساهمات المالية.
من المفترض أن يخدم الطريق أكثر من ست عُزل في مديرية حبيش، لكن إنجازه بصورة كاملة يعتمد على اكتمال تمويل الكلفة الإجمالية (431 مليون ريال) التي بلغت تبرعات الأهالي منها 120 مليون
ويضيف الصلاحي: "على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون بسبب تداعيات الصراع، إلا أن استجابتهم للتبرع لصالح المشروع، كانت كبيرة".
دشنت اللجنة التنفيذية العمل في المشروع أواخر يناير/ كانون الثاني 2020، بأعمال التوسعة والإصلاح والرصف، ابتداءً من منطقة "ظَلمة" - مركز مديرية حبيش، ومن المقرر أن تمتد حتى عزلة "عزان" بمركز مديرية حزم العدين. وحتى سبتمبر/ أيلول 2020، جرى تنفيذ 80% من عملية التوسعة، حيث جرى توسيع الطريق عرضًا إلى 7 أمتار بعد أن كانت ثلاثة أمتار فقط قبل انطلاق المشروع.
يقول منسق المشروع طه قاسم، إن "العمل يمضي بوتيرة عالية"، مؤكدًا أن المشروع سينجز "خلال ثلاث مراحل"، بدأت الأولى بعملية توسعة الطريق، في حين تستهدف المرحلة الثانية رصف الطريق، على أن تشمل الثالثة عملية بناء أسوار مساندة للطريق المرصوف في المناطق المنحدرة، إضافة لتشييد عبّارات للمياه.
وأوضح قاسم في حديث لـ"خيوط" أن اللجنة التنفيذية "أنجزت 80 بالمئة من المرحلة الأولى للمشروع التي تشمل توسعة الطريق"، مؤكدًا انطلاق المرحلة الثانية المتمثلة في عملية الرصف.
ويأمل قاسم بنجاح المشروع الذي يهدف إلى تسهيل التنقّل بين حبيش ومدينة الحزم، ومن المفترض أن يخدم أكثر من ست عُزل في المديرية وهي: (شباع، وبني معين، وجبل خضراء، والتفادي، والسلق، والوادي، عزلة الفراعي). لكن قاسم لم يحدد مدة زمنية لإنجاز المشروع، مشيرًا إلى أن ذلك يخضع لميزانية المشروع المعتمدة على تبرعات الأهالي، التي قال إنها "لم تكتمل حتى اليوم"، في حين "يجري العمل في إصلاح الطريق اعتمادًا على ميزانية أولية تبلغ 120 مليون ريال".
وينتظر أهالي مديرية حبيش في محافظة إب، إنجاز مشروع هذه الطريق بفارغ الصبر، أملًا في تجاوز معاناة ظلت مستمرة لعقود، وتمثلت دومًا في مشقة التنقل عبر طريق بالغ الوعورة من وإلى المدينة، في ظل استمرار قصور الاهتمام الحكومي لمشاكل الريف اليمني.
ومؤخرًا، نشطت العديد من المبادرات الأهلية لإنجاز مشاريع طرقات في عدد من المحافظات اليمنية، في ظل غياب كلي للدور الخدمي للدولة، بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات وتعدد السلطات الحاكمة في البلاد.