لم تعد مصادر الإعاقة الجسدية في اليمن محصورة في التشوّهات الخَلْقية أو الحوادث المرورية، وغيرها من الأقدار التي تصيب الإنسان في أي مرحلة من حياته وفي ظروف طبيعية. ذلك أن الحرب الدائرة في البلاد للعام الثامن على التوالي، صارت، إلى جانب حصدها للأرواح بالمئات سنويًّا، المصدر الأكثر إنتاجًا للإعاقة الجسدية، ناهيك عن الإعاقة النفسية لضحاياها، وهي الإعاقة الحقيقية.
ليست الإعاقة الجسدية سوى جانبٍ واحدٍ ممّا راكمته الحرب من مآسٍ وجنايات جسيمة بحق الإنسان في اليمن، لكنه الجانب الأكثر قتامة من وجه الغول الذي افترس حياة 30 مليون إنسان. الأطراف المبتورة وحالات الشلل الكلي والجزئي، وتلك الندوب في أجساد الضحايا، هي الشاهد الذي لا يحتاج لكلمات كثيرة لكي يصف بشاعة ما فعلته الحرب بسكان البلد البعيد عن دائرة الضوء العالمية. هذا ما فعلته الصواريخ والقذائف والألغام بالإنسان هنا، حيث يطغى دويّ انفجاراتها على صراخ الناجين من شظاياها وعلى الأنين المكتوم الذي سيرافقهم بقية حياتهم.
وسط هذا النزيف المستمر للحياة التي تجعلها الحرب أكثر هلامية، يقف الأشخاص ذوو الإعاقة في وجه الغول البشع ليقولوا: سوف نستمر في عيش حياتنا كيفما كانت؛ نعم يقفون حتى وهُم بلا أرجل، بلا أيدي، وبلا عيون مبصرة. وكلما ضاعف الغول أعدادهم، زادت الروح صلابة وإرادة الحياة اتّقادًا.
في هذا الملف، تقدم منصة "خيوط"، قصصًا تمثّل نماذج حيّة لهذه الإرادة؛ رجالٌ ونساء وأطفال، سلبتهم آلة الحرب أجزاءً من أجسادهم وأعاقت سير حياتهم. وإذ نستشعر مسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية تجاههم، نؤكد على الأهمية القصوى للتعاطف الإيجابي معهم؛ ليس باعتبارهم أشخاصًا عاجزين، بل بالاعتراف بآلامهم وبما فقدوه. العائلة، الأصدقاء، الأطباء... كل من في محيطهم مطالَبٌ بمساندتهم على تحويل الإعاقة إلى حافز لاستكشاف حياة جديدة من رحم الآلام. حياة مميّزة يجب ألَّا تخلو من الحُلم والشغف بما يحبون فعله، فما دامت روح الإنسان باقية في الجسد، فهناك الكثير مما يستطيع فعله. ولا يقتصر هذا على ضحايا الحرب فقط، بل يسري على كل شخص أُعيق بحادث أو وُلدت الإعاقة معه.
كما تمثل مواد هذا الملف محاولة للفت الانتباه للفاعلين من أطراف ومؤسسات وجهات إغاثة وصناع القرار والسياسات باستحقاقات هذه الفئة لاستيعابها في كل خطط وبرامج الفترة المقبلة بما في ذلك الإنصاف وجبر الضرر والمساءلة.