"جالس في البيت طوال الوقت، ومش قادر أصرف على أولادي" بهذه الكلمات افتتح مروان العمري (36 عامًا) من سكان محافظة تعز حديثه لـ"خيوط". مروان شاب يمني فقد عمله بسبب إعاقته، وهو أب لأربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين العام وثمان سنوات، يعتمد على تدريس أكبر بناته على نفقة فاعلي الخير؛ حد تصريحه.
لم يتلقَ الدعم من أي جهات حكومية أو منظمات دولية، حيث يعتمد فقط على مساعدة فاعلي الخير، ولكنها لا تفي بالغرض لعدم استمرارها، كما أنه المعيل الوحيد لأسرته.
يعيش مروان وضع مأساوي، ويفتقر لأبسط مقومات الحياة، فهو واحد من بين الكثير ممن فقدوا أعمالهم بسبب إعاقات الحرب، والتي لا توجد أي إحصائيات رسمية ترصد أعدادهم.
هذا وكان مروان قد فقد والده واثنين من أشقائه إلى جانب إعاقة والدته، نتيجة قذيفة سقطت على منزلهم منذ ست سنوات.
يروي العمري معاناته مع الإعاقة قائلا: "فقدت جميع أصابع قدمي اليمنى، وثلاث من اليسرى، تشوهت يدي وفقدت حركتها بشكل جزئي"، مضيفا: "خضعت لعملية جراحية، كلفتني مليونًا وتسعمائة وعشرين ألف ريال، ما يقارب 1800 دولار، إذ كلف بتر الأصبع الواحدة خمسين ألف ريال، مع العلم أن المبلغ تبرع به فاعلو خير وبعض الأصدقاء".
آثار النفسية
يتأثر مبتورو الأطراف نفسيًا، وقد يصل بهم التأثر إلى الدخول في حالة انهيار واكتئاب ملازم، إذ كما يقول مروان إن الإعاقة أرهقته نفسيًا: "كلما نظرت لإعاقتي وعجزي عن الوفاء بمتطلبات أسرتي، تسوَدّ الدنيا بوجهي".
عدد الذين اضطروا لعمليات البتر في محافظة تعز بلغ ما يقارب 800 شخص، منهم ما يقارب 70% من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى إلى 32 عامًا، من بينهم 59 امرأة و36 طفلًا بحسب تصريح مدير مركز الأطراف بمستشفى الثورة في تعز.
وفي نفس السياق يؤكد أخصائي الدعم النفسي والاجتماعي وديع المخلافي في حديث لـ"خيوط"، أن مبتوري الأطراف يواجهون صعوبات نفسية في التكيّف مع الذات ومع البيئة الاجتماعية، والمادية، كما يجدون صعوبة في العودة لممارسة حياتهم الطبيعية، نتيجة للتغيرات التي طرأت على أجسادهم.
ويشير المخلافي إلى أن أهم الأعراض والآثار النفسية للبتر هي ما يعرف بـ"الصورة السلبية للجسد"، وتعني أن الأشخاص الذين يتعرضون لفقدان أحد أطرافهم، يتأثر لديهم نفسيًا احترامهم وتقديرهم لذاتهم، علاوة على الشعور بالقلق والتوتر، وهي أعراض قد يصعب السيطرة عليها، أو التعامل معها بسهولة.
من جانبه يؤكد مدير مركز الأطراف بمستشفى الثورة بمحافظة تعز، الدكتور منصور الوازعي، أن أغلب الحالات التي يستقبلها المركز تعاني حالة انهيار، نتيجة البتر وما أعقبه من جلوس في البيوت لفترات تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.
يعتبر الدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص المبتورين جزء أساسي من عملية التأهيل والرعاية النفسية. "يقدم مركز الأطراف خدمات مجانية، منها: الأطراف الصناعية، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وإعادة تأهيل الحركة، إضافة الى الدعم النفسي" يقول الوازعي.
تنمر وإقصاء
يواجه المبتورون تنمرًا مجتمعيًا، بسبب قلة الوعى لدى الأفراد، وقصور أداء الجهات المعنية بالتوعية والإرشاد، يقول العمري: "يناديني الناس يا معاق، أو يد مقص أنت مش محسوب إنسان"، ويعقب: "هذا التعامل أفقدني الثقة بنفسي، وزاد إحساسي بالعدمية وقلة الفائدة".
كما يعاني ذوو الإعاقة من تهميش حتى في أبسط حقوقهم، بالرغم من تفاقم أعدادهم نتيجة الحرب. تتحدث الناشطة مها عون لـ"خيوط" قائلة: "دور الجهات المعنية مغيب تماما خاصة في فترة الحرب، وأغلب المساهمات والإغاثات المقدمة لهذه الشريحة عادة تقدمها منظمات المجتمع المدني وفاعلو الخير". وتضيف عون: "قد تبادر جهات مختصة لتقديم بعض المعونة لكن ليس للذين فقدوا أطرافهم كمتضررين".
وتتحدث عون عن أهمية دور الناشطين ومنظمات المجتمع المدني في إيصال أصواتهم والضغط على صناع القرار من أجل الوصول لحل يخفف من حدة معاناتهم".
الجدير بالذكر أن عددًا من اضطروا لعمليات البتر في محافظة تعز بلغ ما يقارب 800 شخص، منهم ما يقارب 70% من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى إلى 32 عامًا، من بينهم 59 امرأة و36 طفلًا، بحسب تصريح مدير مركز الأطراف بمستشفى الثورة في تعز، الذي أشار أيضًا إلى أن 70% من الإصابات تقربيا سببتها الألغام الأرضية، التي عمدت جماعة أنصار الله "الحوثيين" على زراعتها في مناطق خط النار، والمناطق المسيطرة عليها بتعز، إضافة لإصابات أخرى كان سببها قذائف الهاون والقنص".
على صعيد متصل قالت منظمة العفو الدولية إن نسبة ذوي الإعاقة تصل إلى 15% من إجمالي عدد سكان اليمن المقدر عددهم بنحو 30 مليون نسمة، إذ لا توجد إحصائية رسمية لدى السلطات المختصة في اليمن.
يحلم العمري أن تنتهي الحرب، التي قد تتسبب بإيذاء وإصابة، ويتطلع إلى أن يتم الالتفات لهم وإيجاد حلول عملية تساعد على أن يستأنفوا أعمالهم التي تعيل أسرهم.