"ظننَّا أننا سنصنع منه لعبة، لكنه كان مقذوفًا فانفجر بنا"، هكذا بدأ الطفل "جواد" يسرد لنا فاجعته هو وأخاه بانفجار مقذوف من بقايا الحرب مرميّ تحت شجرة؛ حيث ظنوا أنهم سيصنعون منه لعبة للهو، لكنه باغتهم بالانفجار موديًا بيد جواد، وإصابات بالغة الخطورة في جسد محمد.
يعيش جواد منير (14 سنة) في مديرية "مشرعة وحدنان" في محافظة تعز، حيث يسرد لـ"خيوط"، بصوت مرتجف تفاصيل الانفجار الذي أفقده يده، قائلًا: "كنت مع أخي محمد عائدَين من المدرسة، وفي طريقنا وجد محمد المقذوف وأخذه"، ويتابع: "بعدها وصلنا البيت، ووضعنا المقذوف في حوش المنزل". معقبًا حديثه أنهما أرادا أن يصنعا منه لعبة فأخذ مسمارًا وطرقه بالمقذوف فانفجر بهم في لحظتها؛ ما أفقده يده، بينما امتلأ جسد محمد البالغ من العمر (سبع سنوات) بشظايا في كامل جسده، أخطرها التي أصابت رأسه.
يقول محمد وهو يجر حديثه بصعوبة وبكلمات لا يكاد السامع يفهما لصغر سنه: "كنا نشتي نصلح لنا لعبة لأنه ليس لدينا، لكنها انفجرت وعوَّرتْنا (أصابتنا)، جسمي كله يوجعني".
جواد ومحمد، نموذج بسيط يعكس معاناة معظم أطفال اليمن الذين يعدون الفئة الأكثر تضررًا من تبعات ومخلفات الحرب والصراع الدائر في اليمن، إذ ترجح منظمات دولية أن تترك جيلًا من الأطفال اليمنيين "مشوهًا مدى الحياة".
إعاقات المخلفات
حدث الانفجار ظهر الثلاثاء 22 يناير/ كانون الثاني 2022، عندما كان والدهما في المدينة للعمل. بينما كانت والدتهما في المطبخ ولم تنتبه إلا على صوت الانفجار يهز المنزل.
تقول أم محمد وجواد لـ"خيوط"، معبرة عن حزنها الشديد تجاه ما حدث لطفليها: "لم أكن أعلم أن عليَّ تنبيه أطفالي من مخلفات الحرب أو الأجسام الغريبة، فلم أسمع من قبل عن انفجارات مشابهة ولم يحدث أن انفجر مقذوف في المنطقة التي نسكنها".
مشهد قد يكون الأول في المنطقة التي يسكنها جواد ومحمد، لكنه يتكرر كثيرًا في مناطق مختلفة في اليمن، حيث إن مخلفات الحرب القابلة للانفجار تقتل أعدادًا كبيرة من المدنيين من مختلف الأعمار والفئات، وتصيب آخرين بإعاقة مستديمة وجروح.
تقول أم جواد: "بقينا في المستشفى لمدة أسبوع ومنذ خرجنا وعدنا للمنزل، والولدان جواد ومحمد يرفضان استقبال أصدقائها الذين يأتون لزيارتهما واللعب معهما". مشيرة إلى أن جواد يُعاني، منذ بترت يده، من اكتئاب واضح من خلال عدم خوضه في الحديث مع أحد.
ومن هذه المخلفات الذخائرُ غير المتفجرة، والتي تكون جاهزة للانفجار أو مُعَدّة على نحو آخر للاستخدام ثم استخدمت فعلًا في نزاع مسلح. وربما تكون هذه الذخائر قد أُطلِقت أو أُلقِيت أو رُمِي بها أو سقطت وكان ينبغي أن تنفجر لكنها لم تنفجر في وقتها، ومنها الصواريخ والقنابل والقذائف المدفعية.
يقول عارف المالكي، مدير مكتب المديرية، لـ"خيوط" إن هناك حالات أخرى لمدنيين قُتلوا أو أُصيبوا بإعاقة في المنطقة نفسها أو مناطق مجاورة لها؛ منهم طفلة فقدت سمعها إثر انفجار قذيفة بالقرب من منزلهم، وطفل آخر كان يبلغ من العمر (12 سنة) انفجر به مقذوف غير متفجر وهو يلعب في منطقة مجاورة، ما أدى إلى تطاير لحمه في حينها عام 2015".
بدوره، يؤكد والد الطفلين جواد ومحمد، منير سرحان، أن المديرية شهدت بداية الحرب على اليمن في عام 2015 نزاعًا مسلحًا وقصفًا بالصواريخ والقذائف، حيث قُتل على إثر إحدى القذائف شخصان من المنطقة، هما عبده أحمد وفيصل عبده سعيد، حسب قوله لـ"خيوط".
قصور إعلامي
تغيب التوعية الإعلامية للمخاطر التي تتسبب بها مخلفات الحرب عن وسائل الإعلام، وبالرغم من اعتماد المجتمع الدولي عام 2003 معاهدة للمساعدة على الحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار وتقديم مساعدة سريعة إلى المجتمعات المحلية المتضررة، إلا أن هناك قصورًا واضحًا في جانب التوعية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام ومؤسسات القطاع الخاص والعام العاملة في هذا الجانب.
يقول فهيم القدسي، إعلامي متخصص في شؤون ذوي الإعاقة، إن الحرب زادت من أعداد ذوي الإعاقة في اليمن بشكل كبير، وأدت إلى إحداث إعاقات مختلفة، إذ تسببت مخلفات الحرب في كثير من هذه الإعاقات.
بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة توضح عدد المعاقين بسبب الحرب إلا أن مخلفاتها زادت من تلك الأعداد كثيرًا في وسط قصور إعلامي واضح في تبني عدد من وسائل الإعلام والجهات لهذه القضية لبث العديد من الإرشادات الوقائية التي تحد من تلك الإصابات.
ويستثني فهيم "جمعية الصم والبكم"، التي قامت مؤخرًا بعمل دورات إرشادية وتدريبية لكيفية التعامل مع الألغام والمتفجرات في عدد من المحافظات لفئة الصم، وذلك بحكم أن أكثر تلك المتفجرات تنتشر في مناطق كثيرة في اليمن، منها المناطق الريفية.
لكن لا تزال التغطية الإعلامية التي يمكن أن تسهم في تقليل عدد المصابين ضعيفة جدًّا، ولا ترقى إلى الشكل المأمول منها، كما يقول القدسي.
مخاطر باهظة الثمن
تسببت الحرب بإعاقات مختلفة للأطفال، أخطرها الإعاقة الذهنية والنفسية التي يعاني منها ملايين الأطفال اليمنيين، خصوصًا الواقعين في مناطق اشتباكات ومواجهات عسكرية، أو في مناطق التماس بين الأطراف المتحاربة، وهو ما يجعلها معرضة لمخاطر زراعة الألغام والغارات الجوية أو القذائف.
تقول أم جواد: "بقينا في المستشفى لمدة أسبوع ومنذ خرجنا وعدنا للمنزل، والولدان جواد ومحمد يرفضان استقبال أصدقائها الذين يأتون لزيارتهما واللعب معهما". مشيرة إلى أن جواد يُعاني، منذ بترت يده، من اكتئاب واضح من خلال عدم خوضه في الحديث مع أحد.
ويرى الكاتب الصحفي نبيل الشرعبي في حديث لـ"خيوط"، أن الأطفال في البلدان التي تشهد حروبًا وصراعات متواصلة، وخاصة الواقعين على خطوط المواجهات، تتأثر نفسياتهم بما يجري، وينعكس ذلك على صحتهم النفسية، فيصابون بالرهاب النفسي، ويتدنى مستوى تحصيلهم العلمي مما يؤثر على مستقبلهم، ومستقبل البلاد بشكل عام.
كما أن الإعاقة النفسية التي تشكلها الحروب والصراعات لدى الأطفال، يمتد أثرها مستقبلًا، في ظل عدم إيلاء ذلك أي اهتمام من قبل المجتمع والجهات المسؤولة.
في السياق ذاته، كشف تقرير أممي حديث عن تسبُّب الصراع الدائر في اليمن في قتل وتشويه نحو 2,600 طفل مع اشتداد الأعمال العدائية في البلد، خلال العامين الماضيين.
ونشر التقرير تفاصيل حول كيفية وقوع هؤلاء الأطفال ضحايا للاستخدام العشوائي لقذائف الهاون والمدفعية والمعارك العسكرية والقتال البري والألغام المضادة للأفراد، وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب.
وحسب التقرير الصادر عن اليونيسف، فإن أكثر من 3500 طفل في اليمن عانى من انتهاك جسيم واحد أو أكثر؛ وكان من أهم هذه الإجراءات منع وصول المساعدات الإنسانية، والقتل والتشويه، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب.
ويتطلب تفاقم هذا الوضع أن تعمل جميع الأطراف بنشاط نحو حل سياسي للنزاع، إذا كانت تأمل في إنقاذ الأطفال من هذه المعاناة. فالفتيان والفتيات هم مستقبل اليمن، ويجب على أطراف الحرب والصراع الدائر حمايتهم من الاستخدام وسوء المعاملة، والبدء في معاملة الأطفال كثروة ثمينة.