أطراف وأحلام مبتورة

مخلفات الحرب تضاعف معاناة اليمنيين
محمد سعيد المخلافي
March 9, 2022

أطراف وأحلام مبتورة

مخلفات الحرب تضاعف معاناة اليمنيين
محمد سعيد المخلافي
March 9, 2022

على كرسيه المتحرك، اضطر محمد أحمد (36 سنة)، للعمل ببيع المناديل وأكياس البلاستيك في أحد أسواق العاصمة اليمنية صنعاء ليوفر لأسرته، المكونة من 8 أفراد، ما يمكن توفيره من متطلبات الحياة الضرورية، بعد أن حرمه لغمٌ أرضيّ من مزاولة مهنته السابقة في طلاء المنازل، إلى الأبد؛ نتيجة لفقدانه القدرة على الحركة وتعرُّض يده اليسرى للبتر.

يروي محمد لـ"خيوط"، إصابته قائلًا: "كنت أمشي في الطريق الفرعي على متن دراجة نارية في منطقتي، بمديرية المعافر جنوبي تعز التي شهدت مواجهات بين الأطراف المتصارعة، وقتها سمعت صوت انفجار ولم أصحُ إلا بعد ثلاث ساعات وأنا في مستشفى الثورة بمحافظة تعز".

ويتابع: "أبلغني قسم الأطراف بالمستشفى أن يدي اليسرى بحاجة إلى البتر، وبعدها بساعات أخبرني أحد أقاربي أن شظايا أصابتني في النخاع الشوكي، وتسببت في إعاقة الجزء السفلي بشكل كامل، ويدي اليسرى سيتم بترها، حسب تقرير الطبيب المختص".

كان يعمل محمد في الطلاء منذ ثمانية أعوام من أجل إعالة أسرته، بعد عجز والده، ولكنه اضطر للانتقال إلى صنعاء من أجل توفير العلاج، بعد أن استغرق ثمانية أشهر للمعاملة في صندوق المعاقين من أجل الحصول على العلاج وكُرسي متحرك.

ويضيف أنه تلقّى وعودًا من المنظمات والجمعيات الخيرية التي لم تقدِّم لهُ شيئًا، بل تركته يواجه مصيره لوحده في ظل الوضع المأساوي والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

مضاعفات

يتجول محمد لساعات طويلة، ليعود آخر النهار متعبًا يعانق همومه بشكل روتيني، متطلبات الحياة وتكاليف الإيجار، رعاية أسرة بأكملها أصبحت عبئًا كبيرًا عليه.

بعد أن مزقت أطرافهم شظايا الألغام وعبثت بهم مخلفات الحرب بأنواعها، وجد هؤلاء الضحايا أنفسهم في معاناة لا قبل لهم بتحملها، إضافة إلى التدهور الصحي والنفسي والإقصاء والتهميش الذي تواجهه هذه الفئة المُجتمعية

يقول محمد لـ"خيوط"، إن إعاقتهُ لا تمثله فحسب، بل تمثل أسرته بالكامل، وبصوت متهدّج ضاقت بهِ سُبل الحياة، يؤكد أنه لم يتلقَّ الدعم من أي جهة حكومية أو دولية، حيث يقضي حياته معتمدًا على عمله البسيط والمساعدات التي يقدمها له الأصدقاء فقط.

وجد محمد نفسه مكبلًا بسلاسل الإعاقة مبكرًا بسبب مخلفات الحرب الخبيثة التي تعبث بالأرواح بطريقة مرعبة، حيث يقدر نسبة ذوي الإعاقة في اليمن بحوالي 13% من السكان، إضافة إلى أن ملايين الأشخاص من ذوي الإعاقة في اليمن يتعرضون للتجاهل والخذلان بسبب الحرب.

وفق دراسة أجرتها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان؛ منذ العام 2018، تسببت الألغام الأرضية والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة في مقتل وإصابة 1.424 مدنيًّا على الأقل، معظمهم من الأطفال.

أطراف وأحلام مبتورة

أصحو من نومي مفزوعًا في أوقات متفرقة وأغرق في بحر من الرعب، أخاف أن أضعف وأبقى عاجزًا عن إعالة نفسي وأسرتي، فقدت أحلامي في حادثةٍ مرعبة وضاع مستقبلي في طريق لا نهاية له! هكذا يقول محمد بلسانه، لـ"خيوط".

وبعد أن مزقت أطرافهم شظايا الألغام وعبثت بهم مخلفات الحرب بأنواعها، وجد هؤلاء الضحايا أنفسهم في معاناة لا قبل لهم بتحملها، إضافة إلى التدهور الصحي والنفسي والإقصاء والتهميش الذي تواجهه هذه الفئة المُجتمعية.

وينهي محمد حديثهُ قائلًا: "كل ما كنتُ أتمناه إعالة أسرتي وتوفير تكاليف الزواج، لكن الآن لا أريد شيئًا سوى العودة إلى الحركة والعمل، نظرة المجتمع السلبية لي تزعجني كثيرًا، وكل ما أريده أن أكون بعيدًا عن أعين الناس بعد كل ما حدث ويحدث".

أعداد كبيرة

في حديثه لـ"خيوط"، يقول هاني السباوي، رئيس المناهج في المركز الثقافي للمكفوفين، إن "صندوق رعاية المعاقين" يسعى لتقديم المساعدة لجميع الفئات، لكن قلة الإمكانيات تبقى عائقًا بسبب خروج أكثر من 300 منظمة غير حكومية كانت تمارس أنشطتها في خدمة ذوي الإعاقة، إضافةً إلى المرافق الحكومية وغير الحكومية التي تضررت بسبب الضربات الجوية التي ينفذها طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات".

يضيف أن زيادة عدد الجرحى القادمين إلى الصندوق ممن فقّدوا أطرافهم في الحرب، يؤثر بشكل كبير على تقديم الرعاية للضحايا المدنيين وذوي الإعاقة بسبب أمراض أخرى .ويواصل السباوي حديثه قائلًا: "إن الصندوق بحاجة كبيرة إلى الاهتمام والدعم ليقوم بمهامه على أكمل وجه".

في السياق، يقول أحمد الذبحاني، أحد عمال الإغاثة في منظمة يونيسف لـ"خيوط"، إن الطرق الملوثة بالألغام والذخائر غير المتفجرة تعيقهم من الوصول إلى المجتمعات الريفية الضعيفة التي تحتاج إلى المساعدة. ويؤكد أن الطرق الوعِرة دائمًا ما تكون مصدر رعب لكل المنظمات، مشيرًا إلى أن أطراف الصراع تتعمد زرع الألغام بالطرق الترابية بكثرة لإعاقة تقدم الطرف الآخر .

استخدمت أطراف الصراع منذ اندلاع شرارة الحرب في مارس/ آذار 2015، الألغامَ الأرضية متسببًة في حصاد آلاف الأرواح من المدنيين، إضافة إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية.

يحظر القانون اليمني و"اتفاقية حظر الألغام" لعام 1997، والتي تم المصادقة عليها في اليمن عام 1998، استخدامَ الألغام المضادة للأفراد، وعلى الرغم من ذلك، ما زالت أطراف الصراع تستخدم الألغام وتمارس الانتهاكات بحق المدنيين دون أي مراعاة لتلك الاتفاقية أو ذلك القانون.

وتؤكد منظمات دولية أن الألغام المزروعة تحرم الناس من مصادر المياه والغذاء، فيما تعتبر الأمم المتحدة أن اليمن يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم.


•••
محمد سعيد المخلافي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English