كانوا يركضون إلى الأمام محاولين النجاة بأروحهم، شيء ما اخترق أقدامهم وأوقف حركتهم، كان صوته شيئًا كفيلًا بانتزاع أرواح البعض، بينما البعض الآخر ظل يصارع المجهول.
يقول الأربعيني الصياد مروان عبدالله، من سكان الحديدة (غربي اليمن)، لـ"خيوط": "لم أشعر بمن حولي، بدأت أغمض عيني ببطء وأسلم نفسي للقدر وحين استيقظت وجدت نفسي وقد فقدت كلتا ساقي، ومنذ ذلك الحين تبدلت حياتي بشكل جذري، لينتهي بي المطاف مصنفًا تحت مسمى "ذوي الاحتياجات الخاصة".
هكذا وصف مروان أقسى لحظات حياته حين انفجر به لغم مع عائلته في مكان سكنه في ريف القطابة التابعة لمحافظة الحديدة، أثناء نزوحه هو وعائلته من الحرب.
شهد عام 1997، توقيع 123 دولة أول اتفاقية على الإطلاق لحظر استحداث وإنتاج وتخزين ونقل واستعمال الألغام المضادّة للأفراد، وهي سلاح كان مستخدمًا على نطاق واسع الانتشار بالفعل، وقد تراجع استعمال هذا السلاح وإنتاجه بصورة كبيرة بعد مرور 15 عامًا على اعتماد هذه الاتفاقية، في حين تظهر البيانات الخاصة بإزالة هذه الأسلحة وتدمير مخزوناتها ومعدلات الإصابة الناجمة عنها تقدمًا لا يمكن إنكاره. ولا تزال هناك حاجة مع ذلك إلى تحقيق المزيد.
كلفة باهظة
نجا مروان، من الموت في 19 ديسمبر/ كانون الثاني 2021، حين تمكن البعض من نقله إلى المشفى إثر إصابته بانفجار الغم، وبعد أن انتهى تأثير "البنج" من جسده المنهك علم أنه قد خسر ساقيه، وتُوفيَت شقيقته، وصديقه، وأصيبت زوجته بشظايا مع باقي أفراد عائلته.
عمد مروان مجبرًا على نسيان أمر تركيب أقدام صناعية، فهو لا يملك من المال سوى ما يقدمه أهل الخير له، بعدما كان يعول أسرته من عمله في اصطياد الأسماك. فيما اضطر أيضًا لنسيان أمر تركيب أقدام صناعية في ظل ظروفه المعيشية المتردية
لا يزال كثير من الأشخاص ممن نجوا من حوادث ألغام أرضية وأسرهم ومجتمعات محلية تضررت من الألغام، يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات التي يحتاجونها. مما يعني أن هناك ضرورة لبذل مزيد من الجهد لتحسين وتعزيز فرص حصولهم على تلك الخدمات.
كما أن معدل إزالة الألغام يسير ببطء شديد، الأمر الذي يمثل قضية رئيسية بالنسبة للسكان الذين يعيشون في مناطق متضررة من الألغام الأرضية وهو أمر له تأثير كارثي لا يقتصر على المعاناة البدنية والنفسية فحسب، بل يمتد ليشمل الكلفة الاقتصادية والاجتماعية أيضًا.
فرص مواصلة الحياة
بإصابته انضمّ مروان إلى قائمة طويلة من المصابين إثر الحرب، الذين تعرضوا لبتر أطرافهم بعد عام 2015، ووجد مروان نفسه مجبرًا على التعامل مع وضعه الجديد بدون قدمين، وقرر مواجهة مرارة النزوح ومسؤولية أطفاله، الذين يبلغ أكبرهم ستة أعوام، والأصغر أربع سنوات متحديًا إعاقته.
تقول أستاذة علم الاجتماع، سعاد قاسم لـ"خيوط": "لا تزال بعض المجتمعات العربية تنظر إلى ذوي الإعاقة نظرة شفقة في بعض الأحيان، ونظرة استهانة في أحيان أخرى، إذ يعتبرون في الغالب فئة مهمشة غير مرغوب فيها".
وأرجعت قاسم ذلك إلى أسباب عدة؛ منها الأفكار النمطية التي لا تتغير، ثم بسبب عدم وجود منظومة من القوانين التي تحمي حقوقهم في الشارع وفي المؤسسات وفي العمل وأماكن أخرى كثيرة.
إن كان واقع ذوي الإعاقة سيّئًا، في المنطقة العربية في الأوضاع العادية، فإن الحروب والصراعات التي تمر بها اليمن منذ سنوات، أدت إلى مزيد من التردي في أوضاع ذوي الإعاقة، إذ يقول تقرير لمنظمة العفو الدولية، نشرته في ذكرى اليوم العالمي لذوي الإعاقة، وتناول أحوال هذه الفئة في اليمن، إن ملايين الأشخاص من هؤلاء يتعرضون "للتجاهل والخذلان" في بلد فقير دمرته الحرب خلال السنوات الماضية.
عمد مروان مجبرًا على نسيان أمر تركيب أقدام صناعية، فهو لا يملك من المال سوى ما يقدمه أهل الخير له، بعدما كان يعول أسرته من عمله في اصطياد الأسماك. فيما اضطر أيضًا لنسيان أمر تركيب أقدام صناعية في ظل ظروفه المعيشية المتردية وتجاهل الجهات المعنية بأمثاله.
تأهيل المصابين
يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة من أكثر الفئات التي تعاني من التهميش، أثناء النزاعات المسلحة والأزمات، رغم الدعوات المتزايدة، لتحسين سبل إدماجهم، في برامج المساعدات الإنسانية، إذ يواجهون عقبات كبيرة في نيل حقوقهم على قدم المساواة مع غيرهم، وما زالوا مستبعدين من المشاركة والتمثيل الفاعلين في عمليات اتخاذ القرار.
قد توجد بعض مراكز الأطراف الصناعية باليمن، لكن يبقى على صاحب حالة البتر التنقل بين المدن لزيارة المراكز، وذلك ما يزيد معاناة المصابين، الذين يحتاجون من يوصلهم لمركز تركيب الأطراف، ما يرتب أعباء مادية عليهم، وهم في الغالب عاطلون عن العمل، ولا يملكون تكاليف التنقلات بين منازلهم والمراكز.
بحسب أستاذة علم الاجتماع سعاد قاسم، فإن مبتوري الأطراف يحتاجون إلى إعادة تأهيلهم عن طريق تأمين فرص عمل أو تدريبهم على أعمال تكون وسيلة إعالة لهم في معيشتهم.
وخصصت الأمم المتحدة الثالث من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يومًا عالميًّا لذوي الإعاقة، منذ عام 1992، لدعم هذه الفئة.
ويهدف هذا اليوم إلى رفع الوعي بقضايا الإعاقة، ودعم التصاميم الصديقة للجميع، من أجل ضمان حقوق ذوي الإعاقة، كما يدعو أيضًا إلى دمج هؤلاء في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.