يعاني طلاب مديريات محافظة الضالع من ممارسات جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على المحافظة، وتتعمّد إضفاء ما يدلّ عليها من شعارات طائفية، طالت حتى أرقام جلوس طلاب الشهادة الأساسية والثانوية، إلى جانب تغييرات في المناهج، وما إلى ذلك من محاولات لتجسيد الانقسام أمرًا واقعًا.
الجدير بالذكر أنّ محافظة الضالع تقع في المنطقة الحدودية بين شمال الوطن وجنوبه، وكانت جزءًا من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبيل إعادة توحيد شطرَي البلاد سنة 1990، وأبناء محافظة الضالع بحكم الموقع الجغرافي، يقضون معظم معاملتهم الحكومية في محافظة عدن العاصمة المؤقتة التي يتشارك إدارتها كلٌّ من الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي المُطالِب بفكّ الارتباط بين شطرَي اليمن، والعودة إلى ما قبل الوحدة؛ ما يعني أنّ مواطنِي المحافظة هم الضحية الأكبر لسياسات فرض الوجود التي تمارسها جماعة أنصار الله (الحوثيين).
يقول طالب من الضالع: "يتعمد الحوثيون طبع شعاراتهم على مستندات قانونية، فيما نحن نستخدم هذه الوثائق كبطاقة شخصية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، خاصة فيما يتعلق بأرقام الجلوس التي نعتمد عليها لاحقًا كأساس للتسجيل في الجامعات في المحافظات الجنوبية".
شعارات طائفية
على أكثر من صعيد؛ تربوي، واقتصادي، وسياسي، عمد "الحوثيون" إلى التعامل مع الضالع كمحافظة تابعة لهم، بدءًا بتحريف المقررات الدراسية بما يتواءم ونهج الجماعة الطائفي المختلف كليًّا عن مذهب الغالبية العظمى لأبناء المحافظة، مرورًا بإلصاق وطباعة الشعارات الطائفية على جدران الشوارع والمرافق الحكومية وخلف بطاقات أرقام الجلوس لطلاب الثانوية العامة والشهادة الأساسية، وليس انتهاء بمنع المواطنين من تداول العملة الجديدة التي أصدرها البنك المركزي في الحكومة المعترف بها دوليًّا، وقطع الطرقات، وهي إجراءات تصب في خنق سكان المحافظة.
معتز صالح، أحد طلاب الثانوية العامة في إحدى المدارس الخاضعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، في محافظة الضالع، يتحدث لـ"خيوط" عن بعض أساليب الجماعة، التي من شأنها تعقيد معاملاتهم اليومية، قائلًا: "وضعوا لنا شعارات طائفية على المناهج الدراسية، على شاكلة "عهد الوفاء ما تغير، عهد الأحرار باقي" لم نفهم ماذا يقصدون بهذا الشعار، وغيرها من الشعارات التي باتت أشبه بثيمات ترمز للجماعة".
صالح يضيف: "يتعمد الحوثيون طبع هذه الشعارات في نماذج رسمية، وعلى مستندات قانونية، فيما نحن نستخدم هذه الوثائق كـ بطاقة شخصية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، خاصة فيما يتعلق بأرقام الجلوس التي نعتمد عليها لاحقًا كأساس للتسجيل في الجامعات في المناطق الجنوبية".
"الإصرار الغريب على ترويج الجماعة لنفسها، عبر طبع شعاراتها هذا العام، بلغ مستويات غير معقولة، والكارثة الأكبر ستحدث في المستقبل المتوسط والبعيد في حال عجزت مخرجات التعليم هذه، عن إكمال دراستها العليا جنوبًا، علاوة على تكريس ثقافة التشطير والطائفية بديلًا عن الوحدة والعِلم"، يستطرد صالح حديثه.
طلاب الثانوية العامة الأكثر توجسًا نتيجة لوجود الشعارات (الخمينية) على أرقام الجلوس -أول وثيقة شخصية تُعرِّف بهم- لا سيما عند توجههم للالتحاق بالجامعات الحكومية الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي تتضمن جامعاتها وزارات التعليم والتربية، والتعليم العالي فيها قوانين ولوائح مناقضة تمامًا للسياسات التي تعلنها جماعة "الحوثيين"؛ الأمر الذي يشكّل عائقًا كبيرًا أمام الطلاب، الذين يذهبون ضحايا محتملين لهذه الممارسات الرعناء.
في هذا السياق، يقول الناشط أحمد النهام لـ"خيوط": "وضع هذه الشعارات من شأنها أن تحرم الطلاب من الالتحاق بالجامعات الحكومية الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي تعد الأقرب إلى محافظة الضالع والأقل كلفة اقتصاديًّا ومجهودًا، مقارنة فيما لو قرّر هؤلاء الطلاب الالتحاق بالجامعات في المناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
النهام يضيف: "كان من الأحرى أن تتم معاملة هذه المناطق معاملةً خاصة؛ نظرًا لموقعها الجغرافي الحساس، كونها مناطق تماس يتداخل فيها نفوذ أطراف الصراع، وأن يتم إعفاء أبناء هذه المناطق من كل ما من شأنه الإضرار بمصالحهم الحياتية اليومية، وفي مقدمتها الشعارات الطائفية التي يتم إقحامها في كل شيء تقريبًا".
انخفضت نسبة المتقدمين لدراسة الثانوية بنسبة كبيرة جدًّا، إضافة إلى زيادة نسب التحويل لمدارس خارج سيطرة حكومة صنعاء في المحافظة نفسها، في سبيل تجنب القولبة والتنميط الذي عادةً ما تصرّ الجماعة على وضع الناس فيه.
عسكرة التربية
يشير الإعلامي والناشط، غانم الصيادي، في حديث لـ"خيوط"، إلى بعض هذه العبارات التي تفرضها عقلية مقاتلين، لا عقلية رجال إدارة ودولة، قائلًا: "تتم طباعة عبارات، مثل: "الوفاء ما تغير، عهد الأحرار باقي"، و"فوضناك يا قائدنا"، وغيرها من العبارات المستلّة من زوامل الحرب والصراع، التي رافقت مسيرة "الجماعة" منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول سنة 2014، إلى جانب شعار الصرخة المطبوع خلف أغلفة الكتب المدرسية وأرقام الجلوس وضمن المناهج الدراسية التي تم تحريفها هي الأخرى، إمعانًا في نهج العدائية، والضمّ والتطبيع الذي طال حتى طلاب المدارس في مناطق حكومة الأمر الواقع بصنعاء".
ويضيف الصيادي: "تتعمد جماعة أنصار الله (الحوثيين) عسكرة وزارة التربية والتعليم عبر تقييد الشهادات الأساسية والثانوية بمحددات الصراع السياسي والطائفي، ومن ثمّ إعاقة حركة المواطنين جنوبًا، خصوصًا أنّ الأغلب ممن دون الثامنة عشرة يتعاملون بأرقام الجلوس كبطائق شخصية للتعريف بالهُوية، إضافة إلى أولئك الذين لا يستطيعون استخراج بطائق شخصية ممن بلغوا السن القانونية لأيّ سبب من الأسباب، إضافة إلى إلزام المدارس على إحياء فعاليات ذات هدف طائفي، وحشر الطلاب في إقامة هذه الفعاليات وتجسيدها".
خلال الخمس السنوات الماضية، شهدت مدارس التعليم في مديرية دمت وبعض المديريات في محافظة الضالع، تغيرًا كبيرًا في مضامين المناهج وطرق التدريس، إلى جانب التعيينات في مناصب عليا في سلك التعليم، المعتمدة كليًّا على الولاء، لا على مبدأ الأهلية وتكافؤ الفرص.
في هذا الإطار، تحدث لـ"خيوط"، أحد التربويين ومدير إحدى المدارس في دمت -فضّل عدم ذكر اسمه- قائلًا: "انخفضت هذا العام نسبة المتقدمين لدراسة المرحلة الثانوية في المديرية بنسبة كبيرة جدًّا، إضافة إلى زيادة نسب التحويل لمدارس خارج سيطرة حكومة صنعاء في المحافظة نفسها، في سبيل تجنب القولبة والتنميط الذي عادة ما تصرّ جماعة أنصار الله (الحوثيين) وضع الناس فيه".
المسؤول التربوي تابع حديثه قائلًا: "هناك تغيرٌ واضحٌ في نظرة أولياء الأمور إلى التعليم، وإقحام مؤسسات التعليم في الصراع وفي قضايا مذهبية طائفية تُدمِّر مستقبلهم عوضًا عن بنائه؛ ما دفعهم إلى نقل أبنائهم إلى مدارس لا تتبنى هذا النهج، خاصة خلال العامَين الماضيَين".
سلطان منصور، طالب في المرحلة الثانوية، يقول لـ"خيوط" إنه ترك اختبار إتمام شهادة الصف الثالث الثانوي؛ بسبب وضع الشعارات على أرقام الجلوس، مبررًا ذلك أنّه ينوي الالتحاق بكلية النخبة للعلوم الطبية والتطبيقية في مريس القريبة من عمله، والواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.
منصور يرى أنّ جماعة أنصار الله (الحوثيين) تستخدم أرقام الجلوس أداةً لابتزاز خصومها، وللأسف الطلاب هم من يدفع ثمن هذه التصرفات.
ويؤكّد منصور أنّه سوف يعيد دراسة الصف الثالث الثانوي في منطقة خارج سيطرة الجماعة، لكي يستطيع الالتحاق بكلية النخبة.
الوضع في شمال الضالع الذي تسيطر عليه الجماعة غير طبيعي، بدءًا من التعاملات الرسمية، وليس انتهاء بالواقع المفروض عنوة، وهي ممارسات غير محسوبة العواقب، قد تؤدّي في المدى المنظور إلى ضياع مستقبل الطلاب.
تكريس الانفصال
نتيجة لانقطاع مرتبات المعلمين في مناطق حكومة صنعاء منذ عشر سنوات، بات الطلاب هم من يتكفلون بدفع مبالغ رمزية للمعلمين الذين يدرّسونهم، بعضٌ من هؤلاء يستقطع من قوت أسرته الضروري، وعليه فهو يرى في سياسة تجريف الوعي وزرع بذور المذهبية التي تتبعها سلطات صنعاء، نوعًا من أنواع المقامرة بمستقبل العملية التعليمية عمومًا.
على صعيد متصل، يتحدث لـ"خيوط"، الباحث التربوي عبدالله الحضرمي، عن خصوصية محافظة الضالع، قائلًا: "رغم انقطاع مرتبات المعلمين في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله، فإنّ محافظة الضالع تعيش وضعًا مختلفًا، حيث يتم تسليم مرتبات المديريات الواقعة تحت سيطرة الجماعة، من الحكومة المعترف بها دوليًّا، عبر بريد محافظة إب ثم يتم تسليمها للمعلمين عبر بريد المديريات بالعملة القديمة، فيكون المعلمون مستفيدين تمامًا، وإن تأخرت فهي تأتي كل ثلاثة أشهر".
وأضاف: "بخصوص الاختبارات، يتم إرسالها من محافظة عدن إلى الضالع، ومن ثم إلى مديرية دمت، ومن هناك ترسل إلى جميع المديريات التابعة لمحافظة الضالع، بحسب جدول الاختبارات، ونتيجة للتعاون الكبير بين مكاتب التربية في الضالع وبين الوزارة في عدن، كان يتم تسليم كشوفات الطلاب للصف الثالث الثانوي من المديريات، وبناء على ذلك تتم متابعة النواقص، وحين تنزل أرقام الجلوس يتم إرسالها مجانًا للمدارس ويتم تسليمهم الاختبارات مجانًا، ساد هذا الوضع بكل ما تخلله من صعوبات حتى العام الماضي".
ويتابع الحضرمي: "فوجئنا هذا العام، بإعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين) الانفصال؛ حيث رفضت إدارات التربية في مديرية دمت والحشاء وجبن والعود، الواقعة تحت سيطرة الجماعة، تسليمَ كشوفات الصف الثالث الثانوي، ورغم تكرار الوزارة في عدن طلبَ الكشوفات، رفضوا تسليمها؛ تحت مبرر منع الغش أحيانًا، والسيادة والاستقلال أحيانًا أخرى، لكنّ شيئًا من ذلك لم يحدث، ولن يحدث، فالهدف هو فرض واقعٍ جديد بمنأى عن مصلحة الطلاب".
مسؤول تربويّ في مكتب التربية والتعليم بمحافظة الضالع، أكّد أنّ الحكومة الشرعية لا تلام في حال قررت إيقاف صرف مرتبات المعلمين في المديريات الخاضعة لسيطرة "الحوثيين"؛ بسبب التعنت، والإصرار على تلغيم العملية التعليمية بفكر طائفي تشطيري.
وتابع المسؤول التربوي -الذي فضّل عدم ذكر اسمه- حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "يبدأ التشطير من حيث قرّرت سلطة الأمر الواقع بصنعاء، حشر التعليم في صراعاتها السياسية، بمعنى أنّ الوضع في المناطق الشمالية من محافظة الضالع التي تسيطر عليها غير طبيعية، بَدءًا من التعاملات الرسمية وليس انتهاء بالواقع المفروض عنوة، وهي ممارسات غير محسوبة العواقب، قد تؤدّي في المدى المنظور إلى ضياع مستقبل الطلاب الذين يحملون استمارات تابعة لمحافظة الضالع موقّعة في مكتب تربية غير معترف به لدى الجامعات في المحافظات الجنوبية".
واختتم التربوي حديثه بالقول: "نناشد العقلاء في كلٍّ من مديريات: دمت، الحشاء، وجبن، أن يتم التراجع عن هذه الخطوات غير المدروسة، وترك المهاترات وتجنيب التعليم التوظيفات السياسية التي تخدم أجندات خارجية، فيما تضرب بمصالح الطلاب عرض الحائط".