"بعد موت صديقي معتصم، تسلقت الصخور الموضوعة في البحر وصعدت إلى المرسى، وكُنتُ أجري كالمجنون دون مبالاة بتلك الصخور الحادة وبالبرد". هكذا ختم مهاجر يمني من صنعاء (31 سنة)، حديثه لـ"خيوط" عن تفاصيل الاعتداء عليهم ورمي صاحبه بالبحر ليموت غرقًا من قبل الحرس الأسباني، أثناء رحلة تهريب خطرة انطلقت من شاطئ بني أنصار (بوقانة) في مدينة الناظور المغربية، إلى مدينة مليلة الإسبانية.
المهاجر اليمني، الذي تحفظ عن ذكر اسمه -سنعطيه اسمًا مستعارًا (معتز)- يقول معتز إنه في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ذهب برفقة صديقين يمنيين إلى شاطئ بني أنصار (بوقانة)، لمحاولة العبور إلى مدينة مليلة الإسبانية. في الـ20 من الشهر ذاته، دخلوا متسللين إلى الشاطئ خشية أن يقعوا في أيدي الحرس المغربي الذي يمنع المهاجرين من العبور إلى المدينة التي يتطلعون أن يتنفسوا هواءها. في اللحظة التي دخل فيها الثلاثة إلى الشاطئ للشروع برحلة التهريب، كانت عقارب الساعة تُشير إلى السادسة والنصف مساءً، فقرروا المكوث ساعة أخرى حتى يتوّهم الجنود أنهم يتنزهون لا أكثر. كانوا قد عزموا على عبور البحر حتى مليلة، مرتدين ملابس خاصة بالسباحة من تحت ملابسهم التي يتجولون بها، ويحملون حقيبة ظهر كبيرة اصطحبوا بداخلها زعانف للسباحة، وحقيبة أخرى صغيرة أعدوا فيها بعض قناني الماء وقطع الشوكولاتة.
خسارة في أول الطريق
بعد ساعة من مكوثهم في الشاطئ -وما زال الحديث للشاب المهاجر الذي نجا بأعجوبة من أحداث قصة هذه المغامرة الخطيرة، وقرر أن يرويها للصحافة- "حاولنا التسلل إلى البحر، ولكن الأمن البحري تمكنوا من القبض على أحدنا، فيما بقينا أنا ومعتصم (26 سنة)". جاء معتصم من مدينة عدن، وتعود أصول عائلته لمحافظة أبين، وبعد القبض على رفيقهما، قرر مع معتز الدخول إلى البحر فورًا؛ "ارتدينا الزعانف داخل البحر بصورةٍ سريعة، متجهِين إلى أرض أحلامنا: "أوروبا"، وكانت مدينة مليلة أحد أبواب ذلك الحلم الذي تحوّل إلى كابوس"، يضيف معتز.
بداية الرحلة
قضى المهاجران ساعة ونصف في الظلام والبرد، والعراك مع الأمواج، حتى تمكنوا من الوصول إلى نهاية المرسى، حيث كانت تلك هي نقطتهم الأولى. ثمّ صعدوا إلى المرسى لأخذ قسط من الراحة، أكلا خلالها بعض قطع الشوكولاتة وشربا حاجتهما من الماء، في محاولة لاستعادة نشاطهما في أجواء شديدة البرودة. قاما بعد ذلك بالمراقبة وتحسس المكان تحسبًا لوجود أي قارب أو جنود حراسة، ولم يجدوا حينها أي أثر لتلك المخاوف والمحاذير، فعاودوا النزول إلى البحر مجددًا.
حدوث المفاجأة
بعد أن قطعوا 700 متر في البحر خلال نصف ساعة من السباحة التي وصفها صديق معتصم باللحظات التي مرّت عليهم دون عناء ويتخللها الحديث والضحك متناسين الأمواج والظلام وجميع المخاطر الماثلة في البحر، حدث ما لم يكن بالحسبان عندما شاهدوا فجأة قاربًا على متنه الحرس الإسباني يأخذ بالاقتراب منهم.
ويتابع حديثه: "كنا نظن أن الأمر سوف يسير كالعادة، وهو أن يتم أخذنا وإرجاعنا إلى المغرب، مع احتمالية أن يتم الاعتداء علينا بالضرب بشكل خفيف، لكنهم توقفوا جانبًا، وأخذونا إلى متن القارب وانهالوا علينا بالضرب بصورةٍ عنيفة جدًّا لم أكن أتخيلها".
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أكدت أن عناصر الحرس الإسباني ضربت المهاجرين بعنف ودفعتهما إلى القفز للبحر بعد أن قامت بتمزيق سترة النجاة للمرحوم معتصم كريم الذي لقي حتفه غرقًا
يستمر المهاجر في رواية القصة المؤسفة: "صديقي معتصم لم يتحمل ذلك الضرب، فسقط مغمى عليه، وتابع الجنود الاعتداء علينا وجردونا بالقوة من أدوات النجاة التي كنا نحملها، وملابس السباحة التي كان يرتديها صديقي، ورمونا في البحر على بعد ما يقارب 50 مترًا من المرسى المغربي".
ويضيف أن صديقه "معتصم" كان حينها ما يزال فاقدًا للوعي وكانت الأمواج مرتفعة، بينما كان هو أيضًا منهكًا وفي حالة حرجة، ولم تسعفه محاولاته اليائسة وقواه الخائرة من سحب صديقه وإنقاذه.
لم يتمكن صديقه معتصم من المقاومة ومات غريقًا أمام عينيه، بينما عجز عن فعل أي شيء آخر له سوى إطلاق الاستغاثات التي لم يسمعها أحد. قام بعد ذلك بتسلق الصخور والصعود إلى المرسى، حيث كان يجري كمن فقد عقله بحثًا عن المساعدة، غير مبالٍ بالصخور الحادة والبرد القارس.
أكدت ذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع مدينة (الناظور) المغربية في بلاغ بصفحتها على الفيسبوك عقب الحادثة بثلاثة أيام، حيث قالت إن طالبي لجوء يمنيين قُبِض عليهما بالبحر باتجاه مدينة مليلة الإسبانية من قبل الحرس الإسباني الذي أساء معاملتهم.
وبحسب شهادة الجمعية المغربية(AMDH) ، فإن عناصر الحرس الإسباني ضربت المهاجرَين بعنف ودفعتهما إلى القفز للبحر، بعد أن قامت بتمزيق سترة النجاة للمرحوم معتصم كريم الذي لقي حتفه غرقًا، مطالِبةً سلطات مدينة مليلة بفتح تحقيق جاد ومعاقبة المسؤولين عن ذلك.
وتابع المهاجر الناجي حديثه بالقول، إنه بعد قيامه بالركض باتجاه المدينة المغربية، تلقاه أحد أفراد الشرطة بالمدينة وأخذه إلى مركز الشرطة، وقاموا بالتحقيق معه وأخذ أقواله.
وبأسى شديد، أوضح الشاب أن الحكومة اليمنية لم تتخذ أي إجراءات بهذا الشأن، محملًا إياها مسؤولية وصول الشباب اليمني إلى هذا الوضع الذي بات فيه "التفكير بجحيم الهجرة ومخاطرها أجدى من المعيشة في وطن بات عرضة لجميع المآسي". ويضيف أن جثمان المرحوم معتصم بقي في البحر دون أن تحرك السفارة اليمنية في المغرب ساكنًا إزاء الأمر.