يَمضِي الخمسيني، جلال محمود، في حياته اليومية دون أي مبالاة باقتراب عيد الأضحى، حيث لم يعُد باستطاعة كثيرٍ من اليمنيين التعامل مع احتياجاته ومستلزماته وطقوسه؛ بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانحسار مصادر الدخل بفعل الحرب واستمرار فصول الصراع الذي تركّز خلال الفترة الماضية في الجانب الاقتصادي والمالي والمصرفي.
يقول محمود، وهو ميكانيكي يعمل في ورشة لإصلاح السيارات، لـ"خيوط"، إنه غير قادر على شراء كسوة العيد لأطفاله الثلاثة، بينما يعمل الرابع معه في الورشة، حيث لم يستطِع إلحاقه بالتعليم، مفضِّلًا -كما يتحدث- إكسابه مهنة وحرفة يعمل من خلالها في مساعدته على توفير ما أمكن من متطلبات الحياة المعيشية. في حين، يشير المواطن الأربعيني، فهمي عبدالله، لـ"خيوط"، إلى أنّ مستلزمات العيد وأبسط احتياجاته من كسوة وحلويات ومكسرات، تتطلب ميزانية لا يستطيعون توفيرها، في ظل ارتفاعٍ متواصل في الأسعار إلى مستويات تفوق قدراتهم.
تُلقي الأزمة الإنسانية بظلالها على اليمنيين وسط تفاقمها بشكل غير مسبوق، مع اشتداد الصراع الاقتصادي والمصرفي الذي يترافق مع توسع الاحتياجات، بالتزامن مع انخفاض كبير في التمويلات الإنسانية المُقدَّمة لليمن.
وتتجسد هذه الأزمة خلال الفترة الراهنة مع اقتراب حلول عيد الأضحى، حيث يلاحظ تبعاتها وانعكاساتها على الأسواق المحلية في صنعاء ومختلف المدن اليمنية، بما فيها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، إذ تمر بحالة ركود واسع مقارنة بنفس الفترة من الأعوام الماضية.
إقبال ضعيف
بالمقابل، يؤكّد تجار، استطلعت "خيوط" آراءهم في جولة قامت بها على بعض الأسواق في صنعاء، أن هناك ركودًا وتراجعًا في الحركة التجارية بشكل واضح هذا العام مقارنة بالعام الماضي، على سبيل المثال، مرجعين أحد أهم الأسباب في ذلك إلى الأزمة الأخيرة في البلاد، والدائرة على كافة المستويات، وما رافقها من تبعات في البنوك والقطاع المصرفي والمالي والمصادر النقدية التي كانت لا تزال قائمة ومؤثرة على الأسواق التجارية، خصوصًا في هذه المناسبات العيدية.
من جانبه، يتحدث نبيل العمري، تاجر مواشٍ في أحد أسواق صنعاء، لـ"خيوط"، عن ضعف الإقبال على شراء الأضاحي خلال الفترة الراهنة، حيث كانت تبدأ بالانتعاش وتزايد الإقبال منذ بداية شهر ذي الحِجَّة، لافتًا إلى أنّ هناك انخفاضًا نسبيًّا واضحًا، في الحركة التجارية والإقبال على المواشي منذ حوالي عامين، لكنه هذا العام كبير جدًّا ومختلف عن الأعوام الماضية.
أدّت سنوات الصراع الذي اندلع في اليمن قبل أكثر من تسع سنوات، إلى اشتداد المصاعب التي يواجهها اليمنيون، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد، وهي بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم وفقًا للأمم المتحدة.
المحلل الاقتصادي يوسف غيلان، يقول لـ"خيوط"، إنّ الأضحية لم تعد أولوية بالنسبة لكثير من اليمنيين؛ بسبب صعوبة شرائها مع ارتفاع أسعارها التي تفوق قدرات المواطنين على تحملها، حيث لجأت العديد من الأسر خلال الفترات الماضية مع اشتداد الأزمة إلى اتباع بعض الخيارات، مثل تقاسم أكثر من أسرة أضحيةً واحدة، في حين كان هناك من يحصل عليها من أقارب لهم يعملون في تربية المواشي، مشيرًا إلى أنّ الأزمة الإنسانية والانقسام والصراع الاقتصادي المحتدم مؤخرًا، دفعَ بالكثير إلى التركيز على أهم الأولويات المعيشية الغذائية التي يجد غالبية السكان صعوبة في توفيرها.
وتحذر الأمم المتحدة من تفاقم حالة الأمن الغذائي في اليمن، حيث أصبح ملايين من الناس غير قادرين على تحمل تكاليف الغذاء، فضلًا عن تراكم الأزمات المعيشية التي تجتاح مناطق يمنية وكتلة سكانية كبيرة، ما يهدّد بتوسع رقعة الجوع بصورة يصعب السيطرة عليها.
تبعات وخيمة
كانت الأمم المتحدة وشركاؤها قد حذّرت في وقت سابق هذا العام، من أنّ أكثر من نصف سكان اليمن بحاجة إلى الخدمات الإنسانية وخدمات الحماية، وكرّروا الدعوة لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، مؤكدةً أنّ هناك توسعًا في حجم الاحتياجات الإنسانية، مع وجود أكثر من 18 مليون يمني بحاجة ماسة للمساعدات.
ورافق الإعلان عن خطة الاحتياجات الإنسانية للعام الحالي، تعثُّرٌ في تحقيق هدف خطة الاستجابة لليمن، التي سعت الأمم المتحدة من خلالها إلى جمع حوالي (2.7) مليار دولار، لدعم 11 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد.
ويؤكّد خبراء وباحثون أنّ تأثير هذه الأزمة بدأ جليًّا في هذه الأيام التي تسبق العيد، حيث ألقت الأزمات المتتالية التي سبقت أيام حلول عيد الأضحى بتبعاتها على المواطنين، بدأت من قرارات البنك المركزي في عدن بإيقاف التعامل مع البنوك والمصارف العاملة في صنعاء التي ردّت بقرارات مماثلة لم تتوقف في القطاع المصرفي، وتزامن ذلك مع الإعلان عن فتح طريق الحوبان الحيوي المغلق منذ بداية الحرب في اليمن، ويمثّل شريانًا مهمًّا لنحو أربعة ملايين نسمة من سكان محافظة تعز (جنوب غربي اليمن).
الخبير الاقتصادي، محمد قحطان، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، يرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ القرارات المصرفية الأخيرة وتبعاتها وما أدّت إليه من تطورات، بالرغم من أثرها السلبي المباشر في تصعيد الصراع بين سلطتَي عدن وصنعاء، والمتمثل في تعميق الانقسام للجهاز المصرفي وقيمة العملة الوطنية، تبشّر -وفق تعبيره- بتطورات إيجابية من شأنها وضع نهايةٍ للحرب، وتحقيق السلام.
إضافة إلى ذلك، يُشدّد خبراء على تأثير الاستهداف الذي طال العديد من المنظمات الأممية والدولية والأهلية، من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي أقدمت على اعتقال العشرات من العامِلِين في هذه المنظمات، وما تبع ذلك من تهم ملفقة لبعض العاملين بالتجسس، من قبل السلطات التي اعتقلتهم، الأمر الذي انعكس إلى جانب ما سبقه من أزمات، على حياة اليمنيين اليومية، وصادر ما تبقَّى من فرحتهم، واستعداداتهم، ولو بأبسط ما هو متاح، للعيد.
الباحث الاجتماعي، إبراهيم السلامي، يوضح لـ"خيوط"، أنّ هذه الأزمة كان لها تبعات وخيمة في التأثير على أسواق العيد في صنعاء، حيث تسود مخاوف لدى القطاع التجاري والأنشطة الاقتصادية والمواطنين بشكل عام، حيث يعاني كثيرٌ منهم من تردٍّ معيشيّ يفوق قدراتهم على تحمله.
يضيف أنّ انعكاس ذلك سيطال التمويلات المقدمة لليمن، التي تعاني بالأساس من أزمة انخفاض وتراجع منذ مطلع العام الحالي بشكل خاص، إذ طال الاستهداف عامِلِين في منظمات أممية تقوم بنشاط كبير في مساعدة اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب والصراع في البلاد وصادرت حياتهم ومصادر دخلهم.
منعطف حرج
ويعاني اليمن من تفاقم الأزمة الإنسانية وحاجة البلاد لتوفير دعمٍ عاجل لأكثر من 18 مليون شخص، حيث يواجه المدنيّون معاناةً هائلة منذ أكثر من تسع سنوات؛ بسبب الصراع وتدهور الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات العامة.
ويتطلب تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية لليمن، خلال العام الحالي (2.7) مليار دولار لتحقيق ما وُصف بأنه نهج معزّز ومحدّد الأهداف للبرامج الإنسانية، إذ تؤكّد الأمم المتحدة أنّ اليمن يواجه منعطفًا حرجًا منذ مطلع العام الحالي.
وبعد أكثر من تسع سنوات من الصراع، ما زال 18.2 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى الدعم، وتشير التقديرات إلى أنّ 17.6 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائي خلال عام 2024.
في خضم الحرب وتصاعد معدلات التضخم وتغير المناخ، يأتي انعدام الأمن الغذائي ليكون التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه اليمن في وقته الحاضر. فعدد اليمنيّين الذين يعانون الجوع كل يوم ارتفع من 10.6 ملايين إلى 17 مليونًا منذ بدأت الحرب في عام 2014.