تحتل المسألة الأمنية منزلة الصدارة في سلم أولويات دول منطقة الشرق الأوسط، بوصفها المنطقة الأشد انحداراً نحو الفوضى و الاحتراب على مستوى العالم، إذ زجت حدة هذا التوتر دول المنطقة في تحالفات وخصومة مفرطة، ما حدا بها إلى التفتيش الدائم عن ممكنات تزويد ترسانتها العسكرية بما يعزز أمنها القومي، إذ يبدو أن غاية الحفاظ على البقاء تتطلب قدراً عالياً من ممارسة القوة الصارمة في ظل نظام دولي يتسم بالتعقيد والفوضوية، في حين تأتي مساعي تعزيز الأمن القومي لدولة ما –كالتدخّل العسكري، وتشكيل تحالف-على حصة دولة أخرى من الأمن، ما أبقى المنطق الاستراتيجي السائد لدول المنطقة هو اللهث باتجاه تعظيم القوة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
لم تبدي الولايات المتحدة الأمريكية كقائد للنظام الدولي جدية في اتخاذ إجراءات تحقق الاستقرار في ظل انتشار نزاعات مسلحة في أرجاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط، ما أثار فزع عدة دول إقليمية كانت مخاوفها من ازدياد المخاطر تتقارب وتتقاطع بصورة مطّردة خلال العشرينية المنصرمة، خصوصاً مع تصدع النظام الإقليمي في المنطقة عقب الغزو الأمريكي للعراق وثورات الربيع العربي. وفي خضم هذا الاقتتال المستعر، بدت الحروب الأهلية المتواصلة، وبخاصة في سورية واليمن، وكذلك في ليبيا والعراق، قضايا مستعصية على الحل. لا سيما مع انعدام معايير واضحة لإدارة الحروب وآليات فضّ النزاع في المنطقة، بالمقارنة مع مناطق اخرى من العالم.
تتطلب إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية والأمنية للدول النظر إلى المساهمة التي يمكن أن تقدمها القوة البحرية فعلياً في مجال واسع من التحديات، بما في ذلك الردع والتعامل مع المخاطر إلى الالتحام المتقدم، ضمن إطار المهام التي تهدف إلى الحفاظ على المحيط البحري آمناً ومحمياً. وقد اكتسى البحر الأحمر وخليج عدن أهمية كبرى متصلة بالأمن الاقتصادي العالمي عند افتتاح قناة السويس في عام 1869. حيث وفرت اتصالًا مباشرًا بين أوروبا وشرق آسيا واستراليا.
أهمية الشريط الساحلي اليمني من الناحية الجيوسياسية والأمنية
تشغل اليمن حيزاً واسعاً من الحديث عن أمن البحر الأحمر وخليج عدن، والاحتياطات الدولية التي تُتخذ من أجل تعزيز معايير السلامة فيه. ويحظى الموضع الجغرافي والشريط الساحلي المقدر بما يزيد عن 2000 كيلو متر الذي تمتلكه اليمن بأهمية جيوسياسية وأمنية خاصة على الصعيد العالمي كونه يشرف على طريق التجارة الدولية المارة بخليج عدن ومضيق باب المندب. ويمثل مضيق باب المندب نقطة عبور إلزامية وحاسمة للاقتصاد العالمي ، ويعتبر هذا الممر الخانق من أكثر الممرات المائية خطورة واضطراباً في العالم بسبب التهديدات التي تتحدى العبور المنتظم إلى الأسوق العالمية ، لا سيما في قطاع الطاقة. يبلغ عرض باب المندب حوالي عشرة أميال عند أضيق نقطة فيه ، حيث تظهر جزيرة بريم اليمنية في منتصف الممر المائي باتجاه إريتريا وجيبوتي.
يصنف طريق الملاحة الدولي المار بخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر الأكثر خطورة على مستوى العالم، وقد أخذ العالم على عاتقة تقديم الخدمات الأمنية المطلوبة بغرض توفير الحماية لسفن الشحن، إذ بدأت تحتشد القوى العسكرية الدولية والإقليمية للقيام بنشر دوريات بحرية شمال وجنوب مضيق باب المندب
وبموجب مخطط دولي لفصل حركة المرور، يستخدم الشحن الدولي المتجه شمالًا ممرًا بحرياً بعرض ميلين على الجانب اليمني غرب الجزيرة، بينما تستخدم حركة المرور المتجهة جنوبًا ممراً مماثل على الجانب الأفريقي. يفصل بين الممرين ما يزيد قليلاً عن ميل واحد من المياه. تعبر المضيق أكثر من ستين سفينة تجارية يوميًا. ويعني باب المندب "بوابة الدموع" في دلالةٍ إلى الملاحة غير المستقرة في المضيق.
وتتمركز الجزر اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن في مواقع استراتيجية على الصعيد الأمني، ففي جنوب البحر الأحمر قبالة مضيق باب المندب تستقبل السفن التجارية والعسكرية جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى، ويبين موقعهما الجغرافي على الخارطة الأهمية الاستراتيجية والأمنية لهذه الجزيرتين. فيما يقع أرخبيل وجزيرة سقطرى في موقع استثنائي من حيث الأهمية الأمنية لطريق التجارة الدولي الذي يمر بخليج عدن.
مثل موقع اليمن الاستراتيجي نقطة اضطراب باعثة لقلق المجتمع الدولي ، إذ لم تستطع الدولة اليمنية تبديد المخاوف حيال تضخم المخاطر في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، سيما بعد أن أثبتت فشلها في بسط سيطرتها على كافة أنحاء شريطها الساحلي، حيث يخشى العالم من تنفيذ جماعات إرهابية قادمة من البر اليمني أعمال عدائية من شأنها تهديد طريق الشحن الدولي أو تؤدي إلى إيقافه ولو بشكل مؤقت، لا سيما بعد استهداف المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في خليج عدن، وأصبح الوضع الأمني أكثر تأزماً مع اشتعال الحرب في اليمن أواخر العام 2014، ويرمي تأمين الشريط الساحلي اليمني خلال فترة النزاع منع الجماعات المسلحة المسيطرة على الساحل من استخدام مواقع التحكم بالرادارات والمنشآت الساحلية الأخرى، مما قد يهدد طريق الملاحة الدولي.
وتُحيق المخاطر بهذا الممر المائي الهام منذ بروز ظاهرة القرصنة والتهريب التي كانت تستهدف السفن التجارية وناقلات النفط على امتداد السواحل الصومالية في 2008، بالإضافة إلى ما تشهده الدول المطلة على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر من حالة عدم استقرار سياسي.
الوجود العسكري الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن
يصنف طريق الملاحة الدولي المار بخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر الأكثر خطورة على مستوى العالم، وقد أخذ العالم على عاتقة تقديم الخدمات الأمنية المطلوبة بغرض توفير الحماية لسفن الشحن، إذ بدأت تحتشد القوى العسكرية الدولية والإقليمية للقيام بنشر دوريات بحرية شمال وجنوب مضيق باب المندب. تنطلق هذه الدوريات من القواعد العسكرية المنُشأة على الضفاف الساحلية الأفريقية بغية محاربة الإرهاب والقرصنة، وحماية مصالح الدول الجيوسياسية في المنطقة. وتنتشر هذه القواعد العسكرية في جيبوتي وإرتيريا والصومال، وتضم قواتها أساطيل حربية وحاملات طائرات وبوارج عسكرية.
تستضيف جيبوتي على أراضيها خمس قواعد عسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والصين، واليابان، وإيطاليا، فيما تعمل أيضاً المملكة العربية السعودية على إنشاء قاعدة عسكرية هناك.
بينما تتموضع في إرتيريا قاعدة عسكرية إسرائلية في أرخبيل "دهلك" تُستخدم لمراقبة حركة الملاحة في مضيق باب المندب وجمع معلومات استخباراتية عن النشاطات العسكرية في البحر الأحمر، خصوصاً تلك المتصلة بإيران. كما أنشأت الإمارات أوّل قاعدة عسكرية لها على الساحل الأفريقي في ميناء "عصب" الإريتري، فاستحال الموقع من صحراء جرداء إلى قاعدة جوية حديثة وميناء عميق ومنشأة للتّدريب العسكري.
أما في الصومال فقد أقامت تركيا قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة مقديشو لتدريب الجنود الصوماليين في سبتمبر/ أيلول 2014. واختارت الإمارات تشييد قاعدة عسكرية في ميناء "بربرة" في "أرض الصومال"، وهي دولة معلنة من جانب واحد في فبراير/شباط 2017، وتعتبر جزءًا من الصومال الاتحادية.
وفي الضفاف الشرقية للبحر الأحمر وضعت الإمارات يدها على المدار الحدودي المائي لليمن، فمنذ تدخل التحالف العربي العام 2015 في اليمن أنشأت الإمارات المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية قواعد عسكرية في عدة موانئ يمنية قبل إعلانها انسحابها في منتصف العام 2019 وتسليمها إلى قوات يمنية مواليه لها، بما فيها ميناء الحيمة ومنطقة الخوخة في محافظة الحديدة، وفي تعز ميناء المخاء ومنطقة ذو باب الحيوية المطلة على مضيق باب المندب، وجزيرة بريم "ميون" في مضيق باب المندب. وقد كشفت مجلة “جاينز” الأسبوعية المتخصصة بالأبحاث العسكرية، أن دولة الإمارات شرعت في بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، ونشرت المجلة صورة فضائية في عام 2017 تبين وجود بناء مستحدث لمدرج طائرات بطول 3200م على جزيرة بريم "ميون" الواقعة في منتصف مضيق باب المندب.
أظهرت الأحداث المتتالية طوال الخمس السنوات المنقضية مدى ثقل البعد البحري في النزاع الدائر في اليمن ودوره في أرباك المشهد الإقليمي. حيث قابل الاقتتال البري والتدخل العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن حرباً إقليمية تُدور رحاها في عرض البحر الأحمر وخليج عدن تشبه إلى حدّ ما تلك التي شهدتها المنطقة عام 1982 وسميت بـ "حرب الناقلات"
وفي خليج عدن تتواجد القوات الإماراتية في ميناء البريقة في عدن، وفي جزيرة سقطرى. وقد وفر اتفاق "إبراهام" المبرم بين الإمارات و"إسرائيل" منتصف سبتمبر/أيلول 2020، تنسيقاً وتناغماً بين الجانبين في عدة ملفات بما فيها الملف الأمني والاستخباراتي. وتعد جزيرة سقطرى أحد أبرز محطات هذا التناغم نتيجة موقعها ذي الأهمية الإستراتيجية العالية، حيث تعتزم الدولتان إنشاء قاعدة تجسس ومراقبة في الجزيرة. وفي هذا الإطار، قامتا بنشر معدات تجسس في مواقع في الجزيرة التي تبعد ما يقارب من 350 كلم عن البر اليمني الرئيسي. كما يعتبر تشييد قاعدة عسكرية إماراتية-إسرائيلية في جزيرة سقطرى، بمثابة خط دفاع متقدم في خليج عدن والقرن الأفريقي، وسيساهم بصيغة فعاله في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية في هذا الممر المائي المهم. بالإضافة إلى ذلك، تتواجد القوات الإماراتية في البحر العربي في ميناء المكلا والضبة في حضرموت، وميناء بلحاف في شبوة جنوب اليمن.
وتستقر على ضفتي البحر الأحمر قواعد عسكرية للدول المطلة بما فيها قواعد عسكرية مصرية وسعودية وأردنية وإسرائيلية. ولطالما شعرت الدول العربية بضرورة مزاحمة الدول الغربية في السيطرة على البحر الأحمر والقيام بمهام تأمينه، ابتداءً من تأميم قناة السويس ومؤتمر بوندويغ لحركة دول عدم الانحياز، إلى حركات التحرر الوطنية التي أنشأت دولَ ما بعد الاستعمار. وفي ذات السياق، تولت العربية السعودية مطلع العام 2020 مهمة تأسيس تحالفٍ تحت مسمى مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، شاركت فيه ثمان دول عربية وإفريقية هي: المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، والسودان، واليمن، وإريتريا، والصومال الفيدرالية، وجيبوتي. وتم اختيار الرياض مقرًا للمجلس الذي يهدف حسب تصريحات وزير الخارجية السعودي إلى "حفظ المصالح المشتركة ومواجهة جميع المخاطر، وللتعاون في الاستفادة من الفرص المتوفرة، فمنطقة البحر الأحمر هامة تجاريًا وفيها ثروات كبيرة، ونسعى لبناء رخاء المنطقة بشكل يخدم الجميع".
الصراع الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن
يعد مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن فضاءً ساخنًا للتنافس بين عدة قوى دولية وإقليمية، أبرزها: أمريكا، والصين، وإيران، والسعودية، وإسرائيل، والأمارات، ومصر، وتركيا. وتكشف التحولات الإقليمية والدولية، بين الحين والآخر، مدى أهمية هذه المنطقة البحرية على الصعيدين الجيوسياسي والأمني، وغالبا ما تدفع الدول بحاملات طائراتها ومدمراتها الحربية إلى المياه الدولية لحماية مصالحها هناك.
وأظهرت الأحداث المتتالية طوال الخمس السنوات المنقضية مدى ثقل البعد البحري في النزاع الدائر في اليمن ودوره في أرباك المشهد الإقليمي. حيث قابل الاقتتال البري والتدخل العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن حرباً إقليمية تُدور رحاها في عرض البحر الأحمر وخليج عدن تشبه إلى حدّ ما تلك التي شهدتها المنطقة عام 1982 وسميت بـ "حرب الناقلات". استهل التحالف مهامه العسكرية بإغلاق الموانئ اليمنية وفرض طوق بحري بغرض منع تهريب الأسلحة لجماعة أنصار الله "الحوثيين" وحليفهم قوات الرئيس الراحل صالح، تنفيذا للقرار الأممي 2216. وعزز التحالف العربي تواجده العسكري في مياه البحر الأحمر بعد أن استطاعت السعودية إزاحة التواجد العسكري الإيراني من ميناء "عصب" الإرتيري لمصلحة إقامة قاعدة عسكرية إماراتية هناك في عام 2015. وانطلاقاً من هذه القاعدة العسكرية سمحت إريتريا استخدام أراضيها ومياهها الإقليمية ومجالها الجوي لتسهيل تنفيذ التحالف مهامه العسكرية في اليمن، بالإضافة إلى منح قاعدة "عصب" العسكرية الإمارات عمقاً استراتيجياً في أيّ صراعٍ مستقبلي مع إيران، سواء في حالة تهديد باستخدام القوة أو اندلاع مواجهات مباشرة. كما أن النطاق الجغرافي لدولة الإمارات يقع بأكمله ضمن مدى الصواريخ الإيرانية، ويوفّر ميناء "عصب" بعداً قد يتيح للقوات الاحتياطية الإماراتية التي تضمّ سفناً حربية وطائرات وغواصات بالبقاء نشطة وقادرة على اعتراض أي تحركات بحرية إيرانية على طول الخط الساحلي خلال حرب طويلة الأجل. على الرغم من أنّ قاعدة "عصب" العسكرية قد نشأت عن ضرورة عسكرية لدعم حرب اليمن، إلا أن تطويرها قد يكون بداية مرحلة جديدة لتوسّع عسكري إماراتي ستكون له أهدافه ومقاصده.
وشكل انضمام السودان للتحالف العربي في عام 2015 نقطة تحول جذرية أخرى في مسار التحالفات، ساهمت في خنق التواجد العسكري الإيراني حليف السودان السابق في منطقة البحر الأحمر.
إلا أن إيران تمكنت من استعادة تواجدها في مياه البحر الأحمر أواخر عام 2016، حينما أرسلت السفينة "سافيز" التي رابطت قبالة أرخبيل "دهلك" الإرتيري، وبمواجهة السواحل اليمنية. وحسب "أسوشيتد برس" فإن عسكريين سعوديين نشروا بيانات اطلعتْ عليها الوكالة تظهر رجالا على متن السفينة يرتدون بزات مموها وقوارب صغيرة قيل إنها قادرة على نقل شحنات إلى السواحل اليمنية. وقد استخدمت السفينة "سافيز" كقاعدة لجمع المعلومات الاستخباراتية ومخزن أسلحة للحرس الثوري الإيراني، وبقيت تتلقى إمداداتها وتستبدل طواقمها عبر سفن إيرانية أخرى كانت تعبر المنطقة.
ومنذ تواجد السفينة "سافيز" شهد حوض البحر الأحمر تصاعداً في الأعمال العدائية، إذ هاجم "الحوثيون" السفن الحربية في مضيق باب المندب أو بالقرب منه في أربعة حوادث على الأقل. ففي 1 أكتوبر / تشرين الأول 2016، ألحقت صواريخ كروز المضادة للسفن التي أطلقت من الساحل اليمني الذي يسيطر عليه "الحوثيون" أضرارًا بالغة بسفينة "سويفت"، وهي سفينة إنزال للقوات الإماراتية ومركز خدمات لوجستية. وفي الأسابيع التالية لذلك الهجوم، نجحت المدمرة "USS Mason" في الدفاع عن نفسها ضد ثلاث هجمات مماثلة. وقد شنت البحرية الأمريكية ضربة صاروخية من طراز "توماهوك" لتدمير مواقع الرادار الساحلية التي قدمت معلومات لتنفيذ الهجمات بحسب مصدر أمريكي. ومع ذلك يظل التهديد قائمًا، حيث تقدم الحكومة الأمريكية تحذيرات مستمرة بشأن الألغام البحرية في باب المندب، وتنصح السفن بعبور المضيق خلال النهار فقط. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أعلنت طهران عن رغبتها في أنشاء قواعد عسكرية بحرية في اليمن وسوريا كجزء من مساهمتها في حفظ الأمن المائي في المنطقة، وبدا ذلك واحداً من أهدافها الاستراتيجية نحو التوسع وفرض الهيمنة الإقليمية ما عزز حالة عدم الاستقرار في المياه الدولية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي منتصف يونيو/حزيران 2018، وجدت قوات تحالف بقيادة السعودية والإمارات في ثنايا هذا التصعيد العسكري فرصة لتنفيذ هجوم خاطف على مدينة الحديدة الساحلية في اليمن بهدف السيطرة على مطارها ومينائها، واستهدفت طائرات وسفن التحالف تحصينات "الحوثيين" في عملية سميت بـ "النصر الذهبي" دعما لزحف بري نفذتها وحدات القوات المشتركة اليمنية المدعومة إماراتيا وأخرى أجنبية.
وفي يوليو/تموز من نفس العام، أعلنت المملكة العربية السعودية استهداف ناقلة نفط تابعة لها في البحر الأحمر من قبل "الحوثيين"، عقب تلك الأحداث بدأت مشاورات سياسية مع دول حوض البحر الأحمر لتعزيز كيان عسكري يضم السعودية ومصر واليمن والسودان وجيبوتي والصومال والأردن، والذي تم تأسيسه مطلع العام 2020 كما أسلفنا.
ومن جانب آخر، اشتد تصاعد التوتر الإقليمي والصراع البحري ليشتعل بوتيرة متسارعة بين إسرائيل وإيران منذ أواخر عام 2019. وبحسب صحيفة "وول استريت جورنال" فإن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية متجهة إلى سوريا تنقل في الغالب نفطًا إيرانيًا، واستخدمت إسرائيل أسلحة بما في ذلك الألغام البحرية لضرب السفن الإيرانية في البحر الأحمر وفي مناطق أخرى من المنطقة. واستهدفت بعض الهجمات البحرية أيضًا الجهود الإيرانية لنقل شحنات أخرى من بينها أسلحة. وخلال العام 2021، تعرضت سفينة الشحن الإسرائيلية "إم في هيليوس راي" لهجوم في البحر قبالة خليج عمان، ووُجهت أصابع الاتهام إلى إيران. ثم أصيبت السفينة الإيرانية "شهر كورد" بالقرب من سوريا، تلتها إصابة سفينة الحاويات الإسرائيلية "لوري" في بحر العرب، ثم استهداف السفينة "سافيز" ذات الثقل الاستراتيجي بالنسبة لإيران في البحر الأحمر بلغم بحري لاصق يعتقد أنه إسرائيلي في أبريل/نيسان. وبعد تلك الحادثة بأيام استُهدفت السفينة "هايبريون راي" الإسرائيلية بالقرب من ساحل الإمارات.
وفي أغسطس/آب الحالي استبدلت إيران السفينة "سافيز" المتضررة بلغم بحري بسفينة الشحن "بشهاد" لترسو في نفس المنطقة البحرية قبالة أرخبيل "دهلك" وبمواجهة ميناء ميدي اليمني، وفي 30 يوليو/تموز الماضي استهدفت طائرة بدون طيار السفينة "ميرسر ستريت" في بحر العرب، وهي ناقلة نفط ترفع العلم الليبيري ومملوكة لرجل أعمال إسرائيلي. وألقت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وآخرون باللوم على إيران. تعتقد المخابرات الأمريكية الإسرائيلية أن الطائرة بدون طيار أطلقت من شرق اليمن، وأرسلت المملكة المتحدة قوات بريطانية خاصة إلى محافظة المهرة في 7 أغسطس/آب لتعقب المنفذين، غير أن القوى الغربية تؤكد أن إيران تقف وراء هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل حارسي أمن بريطاني وروماني.
في غمرة التصادم المسلح بين المحاور في الشرق الأوسط، أصيب النظام الإقليمي باختلالات هيكلية جسيمة منذ الالفية الجديدة، وتداعيات جيوسياسية أدخلت المنطقة في حالة فرض هيمنة صارمة على السيادة الإقليمية وتوزيع مراكز القوى، وغدت الممرات المائية في شبة الجزيرة العربية ساحة اقتتال بين القوى المختلفة التي وجهت خلال احداث متفرقة ضربات عسكرياً متبادلة في أعالي البحار، وفرضت طوقاً أمنياً-استخباراتياً على تحركات الخصوم في المياه الدولية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وقد ألقت الانقسامات الإقليمية والدولية بظلالها على النزاع المحتدم في اليمن باعتباره أحد خطوط المواجهة بعد أن أصبحت الحروب بالوكالة النموذج السائد لتحقيق فوائد على الصعيد الإقليمي. المؤكد أن الصراع الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن مر بمسارات متعرجة، غير أن الوضع مرشح لمزيد من التوتر وعدم الاستقرار تحت وطأة الهجمات البحرية الانتقامية المتبادلة.