حياة قاسية وصعبة عاشها أكرم، بعد إصابة كبيرة أفقدته النصف السفلي من جسده، عاش إثرها متنقلًا على زلاجة صنعها لنفسه، ويدفعها بيديه للتنقل من مكان إلى آخر، فضلًا عن العمل.
أكرم الشُّعبي، شاب يمني يبلغ من العمر اثنتين وثلاثين سنة، فقد نصف جسده نتيجة سقوطه من سطح مكان العمل على تيار ضغط عالٍ للكهرباء؛ مما جعله يمكث في العناية المركزة بغيبوبة استمرت ستة أشهر، انتهت بفقدانه لساقيه الاثنتين.
يعرف أكرم بنفسه، بنبرة حزينة وبصوت خافت: "اسمي أكرم عبده علي حسن، من مواليد 1990/ تعز، حُرمت من التعليم بسبب الظروف الصعبة لأسرتي".
واجه أكرم حياة سيئة، في مطلع شبابه، حيث كانت أسرته تعيش فقرًا مدقعًا، منعه من الالتحاق بالمدرسة، كما أنه لم يجد العمل الذي يمكّنه من توفير لقمة العيش، في وقت لا تتوفر فيه فرص عمل، إلا لمن يملكون شهادة جامعية، فكيف لشخص أميّ لا يقرأ ولا يكتب.
كل هذه الظروف دفعته إلى الاغتراب في المملكة العربية السعودية، لكن العمل في بلاد الاغتراب كان السبب في مأساته.
بداية المأساة
يسرد أكرم حكايته لـ"خيوط"، قائلًا: "سافرت إلى السعودية سنة 2007، باحثًا عن عمل بعد أن ضاقت عليّ الأرض ووصلت إلى طريق مسدود، كنت حينها أبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، عملتُ على إصلاح هنجر أحد المصانع في مدينة أبها، وذات صباح، وبينما كنت على سقف الهنجر أعمل على تركيب المسامير للزنك، شعرت بدوارٍ شد جسدي إلى الخلف، ولم أعرف ما الذي حصل لي بعدها".
حصل أكرم على لقب بطل اليمن في رفع الأثقال سنة 2011، كما حصد المركز الثالث في البطولة العربية لرفع الأثقال في الأردن سنة 2019، ويعد أكرم واحدًا من بين مئات الآلاف من ذوي الإعاقة في اليمن، والذين يقدر عددهم بنحو 15% من نسبة السكان.
أصيب أكرم بالدوار، ليسقط مغشيًّا عليه على خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي، ومن ثَمّ إلى الأرض، عقبها تأثر الجزء السفلي من جسده، ما دفع الأطباء إلى بتره، بعد أن جلس مستلقيًا على السرير فاقدًا الوعي مدة مئة وثمانين يومًا.
يتابع أكرم حديثه قائلًا: "فتحت عيوني ذات يوم، لأشاهد أمامي ممرضة واقفة، وبمجرد أن شاهدتني حتى صرخت من الفرح، كنت أسمعها تنادي: "يا دكتور، يا دكتور"، دخل الدكتور مهرولًا وكان مذهولًا، وقال لي: نجاتك كانت أشبه بالمعجزة، لقد سقطت من مكان مرتفع ووصلت إلى فوق أسلاك كهرباء ضغط عالٍ؛ ما أدى إلى دخولك في غيبوبة لستة أشهر متتالية، بعدها تقرر قطع الجزء السفلي من جسدك".
وبألم شديد يتذكر أكرم، ما جرى معه: "عندما أخبرني الدكتور، أصبت بصدمة لا توصف، وعشت فترة كئيبة جدًّا، عدت بعدها وجلست مع الأسرة في تعز لفترة سنة، ومررت بظروف صعبة وقاسية من حيث صعوبة التنقل".
تحدي الإعاقة
انتقل أكرم من محافظة تعز (جنوب غربي اليمن) إلى العاصمة صنعاء، ليعيش وحيدًا، ينام على الأرصفة، همّه الوحيد هو كيف يتنقل، ويتغلب على الإعاقة.
وبالفعل، وبكثير من الإصرار، تغلّب أكرم عليها من خلال صناعة زلاجة تعينه على التنقل في شوارع العاصمة صنعاء، الأمر الذي مكّنه من العمل في غسيل السيارات لتأمين لقمة العيش.
يتحدّث أكرم حول ذلك بالقول: "كنت أحتاج وسيلة تساعدني على التنقل وعيش حياتي اليومية، فتوصلت إلى فكرة إعادة صناعة عجلات تزلج وجدتها أحد الأيام مرمية في إحدى النفايات، وتمكّنت من جمعها وتركيبها حتى أصبحت بالشكل الذي يلائم جسدي".
ويتابع وهو ينظر إلى زلاجته: "إنها تعني لي الشيء الكثير فهي ترافقني في حلي وترحالي، إنها باختصار الجزء السفلي من جسمي".
ويشكو أكرم من تخلي بعض أصدقائه عنه، وعدم مساندتهم له، حتى في توفير قوت يومه: "بعض أصدقائي تخلّو عني، وعانيت كثيرًا في الحصول على قوتي اليومي، لذلك قررت أن أعتمد على نفسي وألّا أبقى عالة على أحد، فاشتغلت في الشوارع مغسلًا للسيارات، أحيانًا أجد عملًا وأحيانًا كثيرة لا أجد، لكن المهم ألّا أستسلم ولا أنتظر رحمة أحد".
وخلال تنقله للعمل، صادف أكرم الشعبي في أحد شوارع صنعاء ذات مرة، أحد المدربين الرياضيين الذي شجعه على ممارسة رياضة رفع الأثقال، شكل ذلك اللقاء دافعًا كبيرًا، وبوابة أمل بالنسبة لأكرم الذي أخذ ذلك الأمر على محمل الجد، متجهًا إلى النادي للبَدء بالتدريب، ومن ثم المشاركة في العديد من المسابقات المحلية والعربية.
ألقاب
حصل أكرم على لقب بطل اليمن في رفع الأثقال سنة 2011، كما حصد المركز الثالث في البطولة العربية لرفع الأثقال في الأردن سنة 2019، إذ يعد أكرم واحدًا من بين مئات الآلاف من ذوي الإعاقة في اليمن، والذين يرجح عددهم بنحو 15% من نسبة السكان المقدر وصولهم إلى حوالي 30 مليون نسمة.
تعرف أكرم في النادي الرياضي على صديق تطورت علاقته به، وبعد فترة طلب أكرم من صديقه أن يزوجه أخته، فذهب صديقه لعرض الأمر على أخته، لتحصل المفاجأة؛ إذ إن أخت صديقه وافقت بقناعة تامة على الزواج منه، رغم أنها شاهدت صور أكرم وهو بنصف جسد.
"أشعر اليوم أنني إنسان مثل الآخرين، سأتزوج مثل الآخرين وسأفرح مثلما يفرح الآخرون، سيكون اليوم أجمل يوم في حياتي"؛ هكذا قال أكرم بعد أن ارتدى ملابس العرس قبل ساعتين من بدء حفل زفافه الذي تم في الـ18 من مارس/ آذار الماضي.
فيما تبدي زوجته حنان في حديثها لـ"خيوط"، إعجابها بزوجها أكرم عندما شاهدت له أول صورة له؛ "أكرم شخص لم يستسلم لليأس، ولم ينكسر، ولم ينهزم أبدًا، لذلك دخل قلبي وأحببته وأنا مستعدة أن أعيش معه مدى الحياة".
الجدير بالذكر أن أكرم اليوم يعيش في غرفة صغيرة بالعاصمة صنعاء، ويواجه ظروفًا قاسية، في الوقت الذي يحاول أن يكسب بيديه لقمة العيش، رغم الإعاقة، في ظل ظروف اقتصادية وإنسانية متدنية تعيشها البلاد ككل.
في بلد كاليمن، يعيش حربًا منذ سبعة أعوام، تجسد قصة أكرم، الذي احتفل بزواجه وهو بنصف جسد، نموذجًا نبيلًا وعظيمًا يعكس روح التحدي والكفاح والأمل والتغلب على الإعاقة، والانتصار على جراح الحرب، وتضع عنوانًا عريضًا مفاده أن "عجلة الحياة" لا تتوقف مهما كانت التحديات والظروف القاهرة، كما لا يمكن أن تقف الإعاقة والحرب عائقًا أمام الكفاح والطموح.