ربما لا يعرف الكثيرون من اليمنيين عن الـ17 من أكتوبر/ تشرين الأول، شيئًا، لكنهم في الحقيقة يعيشونه كل صباح ومساء، ثم ما الذي بإمكانهم فعله حتى وإن عرفوا مناسبة هذا اليوم وقد أخذت منهم الحرب بعدًا نفسيًّا ومعنويًّا، ونالت من أجساد مئات الآلاف منهم، وتركت غالبية المجتمع ضحية سهلة لكل صور المعاناة!
يوافق الـ17 من أكتوبر/ تشرين الأول، يوم الفقر العالمي، الذي يتخذ لدى قرابة 27 مليون يمنيّ صورًا وأشكالًا متعددة، لكنهم لا يعرفون عنه شيئًا؛ ليس لأنهم بعيدون عن الأحداث والمجريات، بل لأنهم يعيشون حال هذا اليوم واقعًا مجسدًا ومعاشًا، إذ يأتي هذا اليوم ليجدد في الأذهان حقيقة أن ما يزيد عن 80% من اليمنيين فقراء للأسف.
بمشاعر حزينة يصف الأستاذ محمد أحمد (معلم في المرحلة الأساسية) حاله، في حديث لـ"خيوط" بعد أن انقطع راتبه، منذ أربع سنوات، قائلًا: "اضطررت للذهاب إلى حراج العمال يوميًّا، من أجل البحث عن عمل لتوفير لقمة عيش لأسرتي المكونة من ستة أشخاص"، مضيفًا: "هناك أسابيع تمر دون أن أحصل على عمل أستطيع من خلاله توفير أبسط مقومات الحياة"، حد قوله.
أما فاطمة أحمد، وهي أرملة ولديها خمسة أبناء، فقد دفعتها مشقة الحياة وصعوبة إعالة أسرتها، إلى مد يديها لما تجود به أيدي المحسنين. توفِّي زوج فاطمة في العام 2017، على إثر تعرضه لماس كهربائي أودى بحياته. تقول: "كان زوجي يعمل في أحد محلات البناء، وحالنا جيد، لكن منذ أن توفي وجدت نفسي وأبنائي جياعًا، وظللنا لأشهر نعاني، لدرجة أننا كنا ننام دون أكل". لم تقتصر معاناة فاطمة على الجوع فقط، فقد ألح المؤجر عليها بدفع الإيجارات المتراكمة لثلاثة أشهر حينها، أو إخلاء الشقة. تضيف: "اضطررت للخروج من الشقة ومددت يدي للناس، من أجل توفير ما يمكننا توفيره من متطلبات المعيشة. الحاجة هي التي دفعتني لمد يدي للناس".
تبدو الصورة قاتمة للغاية في شوارع المدن اليمنية، عشرات الفقراء والمتسولين في (الجولات) وعلى أبواب المحلات وفي الطرقات، وعلى الجانب الآخر تكتظ حراجات العمال بآلاف الباحثين عن عمل، في ظل واقع معطل ومتردٍّ.
تشير تقارير وإحصائيات إلى أن اليمن البلدُ الأفقر في منطقة الشرق الأوسط، وفي المراتب الأولى عالميًّا في مؤشرات الفقر، فاقمت الحرب من حدته، لكنه كان مشكلة متجذرة منذ عقود، لعدد من الأسباب السياسية والاجتماعية، ألقت بآثارها على شريحة واسعة من السكان، حيث برزت آثارها في انخفاض مستويات المعيشة، وتدنّي الحالة الصحية، والمستوى التعليمي، وسوء الوضع السكاني، والحرمان من تملك السلع المعمرة، والأصول المادية المختلفة، وفقدان الثقة بالمستقبل.
وعلى الرغم من تنفيذ اليمن لثلاث خطط خمسية خلال الفترة 1996-2010، حسب كتاب "الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية 1996-2010، د. منصور البشيري"، وهي خطط هدفت للحد من الفقر ورفع معلات النمو الاقتصادي كأحد أهم أهدافها في تلك المرحلة، إلا أن تلك الخطط لم تخفف معاناة اليمنيين من الفقر.
ومع تدهور الاقتصاد، وتعطل الكثير من الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية، وتدمير البنية التحتية، وتحديدًا خلال الفترة 2015-2020، فإن معدلات الفقر في البلاد زادت بوتيرة أعلى، خاصة منذ أن توقفت مرتبات موظفي الدولة، البالغ عددهم 1.2 مليون موظف حكومي، يعيلون بدورهم 6.9 مليون نسمة، منهم 48.2 طفلًا، إضافة إلى حرمان 1.5 مليون حالة فقيرة من الإعانات النقدية لصندوق الرعاية الاجتماعية، وتسريح مئات الآلاف من العاملين بفعل توقف أنشطة منشآت الأعمال المختلفة، مما فاقم من المعاناة الإنسانية، ومن اتساع ظاهرة الجوع والحرمان بين الملايين اليمنيين.
بعد 10 أشهر فقط من بدء الحرب في اليمن، ارتفع عدد الفقراء من 12 مليون شخص قبل الحرب، أي قبل العام 2015، إلى أكثر من 20 مليون شخص، وَفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، ما يعني أن 80% من سكان اليمن في عداد الفقراء، وهذه النسبة تشكل 30% منذ أبريل/ نيسان 2015.
منذ 2014 تسببت الحرب بزيادة الفقر من 47% من السكان إلى 75%، بحلول نهاية العام 2019
ووفقًا لمؤشر الجوع العالمي لعام 2019، فإن اليمن تصدرت قائمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر جوعًا، ويلفت المؤشر الانتباه إلى المناطق التي ترتفع فيها مستويات الجوع، على إثر ما تمر به من صراعات وحروب.
وفي تقرير موجز لبرنامج الغذاء العالمي في أغسطس/ آب 2020، فإن عدد السكان في اليمن يقدر بـ30.5 مليون شخص، منهم 20.1 مليون شخص يواجهون الجوع، في غياب المساعدات الغذائية، و24.3 مليون بحاجة إلى المساعدات الإنسانية خلال العام 2020. وأضاف التقرير أن الحرب لها آثار مدمرة على البنية التحتية للبلاد، وتهدد بتحول غالبية اليمنيين إلى فقراء، كما أن اليمن، وبحسب التقرير، صنف بلدًا منخفضَ الدخل، ويأتي في المرتبة الـ177 من أصل 189 دولة، وَفقًا لتقرير التنمية البشرية لعام 2019.
وعلى الرغم من جمع الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن، لقرابة 12 مليار دولار خلال سنوات الحرب، لتنفيذ خططها الإنسانية والحد من الفقر، إلا أن عدد الفقراء في ازدياد مستمر ومعدلاته في زيادة متواصلة، فيما لا يزال الاقتصاد يرزح تحت وطأة الحرب وتنزلق مؤشراته بشكل مخيف ومفزع.
وتعد المساعدات والإعانات الخارجية أحد الركائز الداعمة للوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن، التي تخفف من شدة الفاقة، لكن التزايد المستمر لعدد المحتاجين لهذه المساعدات يطرح أسئلة كثيرة حول أداء الكثير من المنظمات الإغاثية.
في هذا الصدد يقول الدكتور علي سيف كليب، أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة والاقتصاد جامعة صنعاء لـ"خيوط"، إن خطط الاستجابة الإنسانية للمنظمات الدولية في اليمن "غير مجدية ومعظمها لا تصل لمستحقيها، وتعتبر وسيلة للبعض للتكسب"، مضيفًا أنه "من الأفضل أن تقدم هذه المساعدات لدعم المشاريع الخاصة المنتجة، التي تدر دخلًا مستديمًا، بدلًا من الركون على المساعدات، التي ستحول معظم أفراد المجتمع إلى قوى عاطلة فقيرة تتسوّل لدى الغير".
تحذيرات ومخاطر
تتوالى ردود الأفعال والتقارير الدولية المحذرة من خطورة استمرار الصراع والحرب وتزايد أعداد الفقراء في اليمن، على المستقبل بشكل عام، في حال استمرار الحرب.
تقول رجاء بن تاويت قطان، المدير القطري السابق للبنك الدولي في اليمن، أن اليمن غارق بالصراع، وموطن بعضٍ من أكثر فئات العالم فقرًا وضعفًا، مضيفة أن اليمن يمر بمنعطف خطير، وعملية السلام تواجه مصاعب جمة، كما أن خطر المجاعة يلوح في الأفق، في ظل نقص التمويل.
وفي تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي أواخر 2019، ذكر أن اليمن ستكون الأفقر في العالم في حال استمرت الحرب حتى 2022. وأوضح التقرير أنه منذ 2014، تسببت الحرب بزيادة الفقر من 47% من السكان إلى 75%، بحسب التوقعات مع حلول نهاية عام2019. وأضاف أنه في حال استمر القتال حتى سنة 2022، ستصنف اليمن كأفقر بلد في العالم، وفيما لو استمر النزاع إلى العام 2030، سيعيش 78% من اليمنيين في فقر مدقع، وسيعاني 95% من سوء التغذية، و84% من الأطفال سيعانون من التقزم، كما أن اليمن سيكون غير قادر على تحقيق أي هدف من أهداف التنمية المستديمة، التي في طليعتها الحد من الفقر.
تحرير "خيوط"