المقدمة
يعد تناول المرأة بدورها ومكانتها في المجتمع، أحد أهم المسائل التي طرحتها الإنسانية منذ القدم، ولا تزال تُطرح حتى وقتنا الحاضر ولكن في صيغٍ حديثة متجددة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث، حتى أصبح البحث في المرأة وقضاياها محل اهتمام الباحثين والخبراء في شتى المجالات، بالإضافة إلى المنظمات الدولية والمؤسسات النسوية؛ لأنها أصبحت جزءًا فعّالًا ومؤثرًا في حياة المجتمع وتطوره على الأصعدة كافة، مما يُسهم بشكل جادّ في تنمية المجتمعات.
ولِمَا لدور المرأة من أهمية في تنمية المجتمع وعملية استقراره ونهوضه، حظيت قضايا المرأة وأوضاعها في الآونة الأخيرة باهتمام متزايد من قبل جميع الدول على اعتبار أنها جزء من عملية التنمية، وأصبحت مشاركة المرأة في عمليات التنمية بأنواعها المختلفة قضية أساسية وجوهرية، "ونظرًا لذلك نظمت مؤتمرات عالمية معنية بالمرأة (نيو مكسيكو 1975، وكوبنهاغن 1980، ونيروبي 1985، وبكين 1995)، بالإضافة إلى عقد الأمم المتحدة للمرأة عام (1975-1985).
وبالرغم من حداثة مفهوم المشاركة النسوية، وارتباطه بتطورات حديثة في الحركة الاجتماعية بصورة عامة، كالحركة النسوية بصفة خاصة، فإنّ ثمة إشكالًا من المشاركة التقليدية للنساء التي تحتاج إلى مقاربة مختلفة وغير تقليدية في التعامل معها؛ إذ ما زالت النساء تواجه الكثير من الصعوبات التي تجعلها شريكًا كاملًا وفعّالًا أساسيًّا في التنمية بكل أبعادها، باعتبارها عاملًا أساسيًّا في التنمية البشرية المستدامة كمنتجة ومستفيدة، وتبلغ هذه التحديات ذروتها في المنطقة العربية، وبصفة خاصة في المجتمع اليمني.
ففي المجتمع اليمني، يؤثر سلبًا انعدامُ الوعي الاجتماعي وعدم وجود إرادة حقيقية لإشراك المرأة في القضايا السياسية والمجتمعية وقضايا التنمية، حيث يقلص ويحجّم من دور المرأة ويرسم لها إطارًا تقليديًّا معينًا تشارك فيه، بحيث يحول هذا الإطار عن مشاركتها في مجالات مختلفة في مجتمعها بصفتها مواطنة وشريكة ومساهمة في بناء التنمية والسلام في المجتمع.
ومن جهة أخرى، تتحكم الأطراف المتحاربة، سواء محليًّا أو إقليميًّا أو دوليًّا بالأجندة في اليمن؛ ومِن ثمّ فإن قضايا النساء هبطت إلى أسفل سلّم الأولويات، حيث إنّ التركيز على الحرب يُستغَلّ لتأجيل التطرق إلى القضايا التي تؤثر على النساء، كما أنّ حماية النساء ما يزال أمرًا ضعيفًا لأسباب تشريعية واجتماعية، وازداد الأمر سوءًا خلال الحرب نتيجة عدة أسباب، من بينها: عدم الاستقرار السياسي، العنف، والأزمات الاقتصادية وتنامي البطالة. ومن منطلق أن قضية المرأة قضية مجتمعية، فإنه لا يمكن إحداث أيّ تقدم فيها إلا بتقدم المجتمع ككل، حيث إنّ تفعيل دور المرأة هو ضرورة ملحة يجب أن تتعامل معها مختلف شرائح المجتمع والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.
ملخص
تتناول هذه الورقة البحثية دراسة معوقات سياسات التمكين التي تواجهها المرأة اليمنية، التي ظهرت بشكلٍ جليّ وواضح مع انطلاق أحداث الربيع العربي الموافق 2011؛ أي شرارة الثورة التي انطلقت من تونس وكان لليمن نصيبٌ منها، والتي كان للمرأة اليمنية دورٌ بارز ومهم على ساحة النضال، حيث تعدّ المرة الأولى التي تواجه فيها المرأة اليمنية المجتمعَ والحكومة بالمطالبة بحقوقها وحقوق الشعب اليمني كافة. وانطلاقًا من ذلك، تتطرق الورقة إلى طرح القيود الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تقيد حركة المرأة اليمنية وتعيق تقدمها في كافة المجالات، بالإضافة إلى تأثير الحرب على ملف قضايا المرأة وما آلت إليه الأمور في الوقت الراهن، واختتمت الورقة البحثية بعدد من الاستنتاجات والتي من ضمنها الآتي "تعكس الاختلافات على أساس النوع والعادات والتقاليد، أعراف ثقافية راسخة وسنوات متعاقبة من الحرمان والمساواة المتراكمة، وتتقاطع هذه المساواة بشكل شديد مع الهشاشة السياسية والفقر المدقع في اليمن، وإذ انه ينعكس ذلك سلبًا على دور المرأة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والنسيج المجتمعي"، بالإضافة إلى ما سبق تم الإشارة إلى عدد من الوصايا والتي من ضمنها الآتي "إنّ أصوات النساء ثمينة ودمج أولوياتهن واهتماماتهن وأخذ أفكارهن ومخاوفهن حول مستقبل اليمن الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي في اليمن بعين الاعتبار سيزيد من فرص البلاد في تحقيق السلام والتنمية، لذلك يجب العمل بجد على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة، وتفتيت قوالب العادات التي تسيء إلى دور المرأة ومشاركتها المجتمعية، من خلال التوجيه والتوعية الجادة بالحاجة الملزمة لأهمية مشاركة المرأة في المدارس والمؤسسات المجتمعية إلى غير ذلك.
أهمية البحث:
في كثير من المجتمعات، ما تزال حقوق الإنسان تُنتهَك فيها سواء عن طريق الاضطهاد السياسي أو القهر، أو التهميش في الحقوق، حيث تشكّل هذه الممارسات في حد ذاتها إساءات، وهذا هو الحال فيما يتعلق بالإساءة إلى النساء، ففي المجتمع اليمني تتعرض فئة النساء إلى التهميش في عدة جوانب مختلفة، منها مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة والقضايا التنموية، وما إلى ذلك.
وباعتبار أنّ العلم أساس التغيير نحو الأفضل، وضعت هذه الدراسة؛ لتشير إلى أهمية الالتفات إلى دور المرأة اليمنية وما يحيط بها من عراقيل وصعوبات تواجهها في مشاركتها وتمكينها في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي، والتي تحد من دورها بشكلٍ فعّال في المجتمع، وحتى نحقّق التغيير ونبني أسسًا للتفاهم واحترام حقوق الإنسان، يحتاج الأمر إلى قيادة سياسية وتشريع قوي وآليات فعالة تفرض الالتزام إلى جانب التعليم، وزيادة الوعي في المجتمع وفي المؤسسات الدينية والمدارس وفي أماكن العمل والإعلام.
المشكلة والمنهجية البحثية
هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر بشكل واضح في إعطاء صورة للمرأة بأنها كائن ضعيف وغير جدير بالثقة لتمارس حقّها في المشاركة السياسية والمساهمة الفعالة في قضايا التنمية وخلق روابط السلام في المجتمع، حيث يُنظر إلى تقدم المرأة وإصرارها على المشاركة الفعّالة في قضايا المجتمع، بأنه نوع من التحرر من السلطة الأسرية والنطاق المجتمعي الذي حُصرت فيه بنشاط معين تمارس حياتها داخل حدوده، فمن خلال هذه الدراسة ستتطرق الباحثة إلى دراسة معوقات سياسات تمكين المرأة اليمنية من العام 2011 إلى 2023.
للتطرق إلى هذه المشكلة، تقوم الدراسة على استخدام منهج تحليل النظم.
أولًا: البنية الاجتماعية وأثرها في تمكين المرأة اليمنية
تتسم المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها اليمن، في الغالب ببنية اجتماعية تقليدية محافِظة تختزل في ذاكرتها الجمعية إرثًا اجتماعيًّا مثقلًا ﺑﺎلأبوية، البطريركية، والثقافة الذكورية/ الرجولية. تلك البيئة التي وصفها عبدالرحمن ابن خلدون، قائلًا: "فالبوادي والأرﻳﺎف العربية، على امتدادها الموحش واحتكاكها الضعيف ﺑﺎلمدنية الحديثة، ما زالت تحكمها عوامل العصبية الأسرية والقرابة الدموية والولاء لسلطة القبيلة وهيمنة الأعراف والتقاليد والشعائر في ظل اقتصاد مرتبط بالأرض والماشية والمناخ والصناعات البسيطة. إن وضع المرأة في البلدان العربية ومنها اليمن، يمثل محصلة تفاعل عدد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتفاوت من مجتمع إلى آخر، حيث تبقى العلاقة داخل الأسرة محكومة بسلطة الأب على الأبناء والزوج على الزوجة، إذ تكون فيها المرأة تابعة للرجل، أي إنه يتسيد المشهد ثقافةٌ رجولية قوامها النظرة السلبية إلى المرأة والهاضمة لحقوقها"(1).
واليمن– ﺑﺎلطبع –ليست بمنأى عن معايشة الثقافة الرجولية وتبعاتها وإفرازاتها، فالمجتمع اليمني يتسم بمقدار عالٍ من التقليدية والمحافظة، كون معظم سكانه يعيشون في الريف، حيث الخدمات الاجتماعية والثقافية المساعدة ﺑﺎلضرورة على عملية التحديث ما زالت منخفضة ومتواضعة، الأمر الذي يساعد على استمرار وديمومة السيطرة للمؤسسات التقليدية، التي تشكّل إطارًا مرجعيًّا يحدد انتماء الأفراد وولاءاتهم وأدوارهم. في حين تعتبر اليمن من أكثر الدول العربية تهميشًا للمرأة وإقصاءً لها ولأدوارها، لا سيما في مواضيع اتخاذ القرار وما شابه ذلك. حيث ما زالت أسيرة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تطغى عليها وتهضمها في كثير من حقوقها، كما ما تزال النظرة الدونية والسلبية تجاه المرأة، في وعي الرجل ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، إذ إن الرجل ما زال يخجل من ذكر اسم زوجته وأمه وبنته تبعًا لثقافته التقليدية الموروثة، التي تجعل من المرأة مجرد سلعة وعورة، فضلًا عن استهجان ممارستها لحقوقها السياسية شبه المحرمة. وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على كثير من المواضيع، مثل مواضيع التعليم Kسواء من حيث الالتحاق أو الاستمرار، وكذلك المشاركة السياسية والاقتصادية وموضوع اتخاذ قرار الزواج وهلم جرًّا.
تعكس الاختلافات على أساس النوع والعادات والتقاليد، أعرافًا ثقافية راسخة وسنوات متعاقبة من الحرمان والمساواة المتراكمة، وتتقاطع هذه المساواة بشكل شديد مع الهشاشة السياسية والفقر المدقع في اليمن، حيث ينعكس ذلك سلبًا على دور المرأة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والنسيج المجتمعي.
ومن جانب آخر، يعد التعليم البنيةَ الأساسية نحو التقدم والوعي وتطور المجتمعات نحو التنمية، إلا أنه قد يأخذ مسارًا معاكسًا وسلبيًّا في التوعية بشأن دور المرأة، نظرًا لمحتوى المناهج التعليمية وما تعبر عنه، وإذ نجد أن من العوامل المؤثرة على دور المرأة في المشاركة الفعالة في المجتمع، الصورةَ النمطية للمرأة اليمنية في المناهج التعليمية؛ حيث غالبًا ما تنص تلك المناهج على وضع أدوار محصورة للمرأة، مثل: (العمل في المنزل أو الطبخ أو الخياطة أو إعداد الطعام، بينما يذهب الرجل للعمل أو للدراسة أو السفر، ...)، هذه الصورة في جميع المناهج التعليمية من الابتدائية وحتى الثانوية، تجعل دور المرأة محصورًا في نطاق معين لا تنصرف عنه، مما قد يشكل صورة للدراسين، إناثًا وذكورًا، بمحدودية دور المرأة وعدم خروجها من النطاق المحدد لها وفق تلك المناهج المرسومة، وبالتالي يشكل ذلك مؤثرًا سلبيًّا للمرأة حينما تطالب بأن تحظى بمجال أبعد مما وضعته تلك المناهج، فتلك المناهج تحاكي العادات والتقاليد، ولا تنظر للمرأة كفاعل نشط في المجتمع سوى حول محيطها الضيق؛ الأسرة والبيت.
ثانيًا: أثر العامل السياسي تجاه تمكين المرأة اليمنية
تلعب النساء أدوارًا مهمة خلال فترة النزاع؛ وذلك باعتبار الوظائف المتعددة التي تشغلها في المجتمع؛ حيث تعتبر العنصر الأهم الذي يحمي منظومة التماسك الأسري والاجتماعي خلال فترة النزاع والحرب؛ إذ إنّ مساهمة المرأة في عملية بناء السلام تبدأ من الدائرة الضيقة (أي العائلة)؛ لتشمل الدائرة الموسعة المجتمع، حيث تلعب النساء دورًا رئيسًا في تنشئة أجيال السلام القادمة، وتأسيس اللبنة الأولى في عملية الانتقال الديمقراطي، وإعادة الإعمار فيما بعد الحرب. كما يمثل تأثير مشاركة المرأة في مفاوضات السلام وعملية صياغة الدساتير أمرًا مهمًّا للغاية؛ حيث يمكِّنها من إثبات وجودها على طاولة المفاوضات، وفرض الاعتبارات المتعلقة باحتياجاتها الجذرية في الاتفاقيات النهائية المبرمة، إضافة إلى أنّ مشاركتها في عملية صياغة الدساتير تؤدي -ضرورة- إلى ضمان مراعاة حقوق المرأة؛ ليس فقط بمجرد التعريج على مصطلح المساواة بين الجنسين في المطلق؛ وإنما في تفاصيل مهمة متعلقة باستحقاقاتها واحتياجاتها.
فمنذ بداية الفترة الانتقالية في اليمن في عام2011 ؛ فرضت المرأة اليمنية لنفسها دورًا أساسيًّا في العملية السياسية والسلمية؛ وذلك في كل من التنظيمات المدنية والمحافل الرسمية، رغم وجود تحديات مضاعفة أمام مشاركة المرأة بسبب العادات والتقاليد، وقد سعت المرأة إلى أن تكون عنصرًا فاعلًا في مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان المنصة الأساسية لوضع إطار الجمهورية اليمنية فيما بعد الثورة؛ وذلك منذ مشاركتها في توقيع المبادرة الخليجية للتسوية السياسية. استمر مؤتمر الحوار الوطني من مارس/ آذار 2013، حتى يناير/ كانون الثاني 2014، وضم ممثلين عن الأحزاب السياسية والقبائل، والمناطق المختلفة؛ وذلك بهدف رسم مستقبل جديد لليمن؛ بدءًا من وضع الأسس القانونية له.
وقد دفعت المرأة من خلال مساعيها، إضافة إلى الضغط الدولي بمطلب (الكوتا) للمشاركة النسائية بنسبة 30٪ من الوفود المشاركة؛ فحققت مشاركة فعلية بنسبة 25% من الجسم السياسي )هيئة الوفاق) الذي شُكِّل للتحضير للمؤتمر، ونسبة 28% من المشاركة في اللجان التي شُكِّلت خلال المؤتمر، إلى جانب مشاركتهن من خلال الوفود الممثلة، وقد شكّلت النساء وفدهن الخاص، كذلك شكلت المشاركة الفعالة للمرأة في تحضيرات ومجريات المؤتمر الوطني؛ دليلًا على شراكتها الحقيقية في بناء الدولة، كما أسست لمشاركة سياسية فعلية أدّت إلى تعيين أربع نساء في مجلس الوزراء، واختيار أربع نساء للمشاركة في لجنة وضع مسودة الدستور (من أصل سبعة عشر عضوًا(، واعترفت مسودة الدستور الجديد بمواطنة المرأة الكاملة، وبشخصيتها الاعتبارية المستقلة، وكرست للمرأة "كوتا" بنسبة 30% من مناصب صنع القرار (مما كان سيضع اليمن في المرتبة الثانية عربيًّا بعد تونس؛ من حيث التمثيل الرسمي للمرأة)، كما اتفقت المشاركات على تأسيس "التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام"(2).
على الجانب الآخر، لعبت الأحزاب السياسية دورًا في تفعيل سياسات تمكين المرأة، إذ إنه مع بروز عملية التحول الديمقراطي بإقامة دولة الوحدة اليمنية عام 1990، التي كفل دستورها الكثير من الحقوق والحريات للمرأة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما مكّن المرأة من المشاركة والإسهام في الحياة الاجتماعية بأبعادها المختلفة، وترافق مع ذلك ظهور الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن التي تأثرت بإعلان الوحدة للتعددية الحزبية وحرية إقامة التجمعات، فظهرت الأحزاب السياسية والتنظيمات والجماعات على الساحة المجتمعية، وأسهمت في بروز دور المرأة، ولكن نتيجة لاختلاف رؤى الأحزاب والتنظيمات، اختلفت أدوار المرأة؛ ففي الأحزاب الإسلامية اقتصر تدريب وتنشئة المرأة على أن تكون داعية، وحزب الإصلاح ارتكز على مشاركتها في مختلف الجوانب بشكل نظري أكثر ممّا هو عملي يطبق على أرض الواقع.
كما كان هناك تفاوت غير عادل في انضمام النساء، حيث كان الاهتمام بمشاركة المرأة في صنعاء وتعز أكثر من غيرهما من مدن الجمهورية، ومثلما أضافت الأحزاب السياسية والتنظيمات والجماعات مجالًا لمشاركة المرأة، فإنها اتسمت أيضًا بقصور ملحوظ، حيث لم يكن حضور المرأة ودورها فعليًّا أكثر من كونه شكليًّا، إذ غلب على الأحزاب القيادة الذكورية، ووضعت للمرأة جوانب خاصة لها، وبالرغم من منظور التعميم فإنّ وعي أعضاء الحزب أنفسهم بما قد تقدمه المرأة، كان يشمل نوعًا من الانتقاص في حقها، لذلك نجد أنها لم تكن تُدعم في الانتخابات بعكس المرشحين من الذكور، ولم تتولَّ مقاعد أساسية كذلك، وغيرها من الأمور.
ثالثًا: أثر الحرب على سياسات تمكين المرأة اليمنية
تواجه المرأة خلال الصراعات العديدَ من المشكلات، فدائمًا تمثّل النساء النسبة الأكبر من اللاجئين ومن السكان الواقعين تحت خط الفقر، وقد يحدث التمييز ضدّهن على أساس انتماءاتهن العِرقية والدِّينية. وعلى الجانب الآخر، تمثّل المرحلة التي تعقب انتهاء الصراعات مباشرة الفرصةَ المناسبة لزيادة تمكين المرأة، إذ يجري الاعتراف بحقها في المشاركة في كلّ جوانب إعادة بناء الدولة ووضع القوانين التي تضمن المساواة. ويعبر التمكين بصفة عامة عن زيادة قدرات الفرد على الوصول إلى المعرفة والموارد المادية، وبالتالي التحكم في حياته الشخصية، وتحويل الخيارات التي يتبناها إلى أفعال ونتائج. فالتمكين هو تحدٍّ لعلاقات القوة الموجودة في المجتمع، والوصول إلى قدر أكبر من التحكم والسيطرة على مصادر تلك القوة.
إن أصوات النساء ثمينة ودمج أولوياتهن واهتماماتهن وأخذ أفكارهن ومخاوفهن حول مستقبل اليمن الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي في اليمن بعين الاعتبار، سيزيد من فرص البلاد في تحقيق السلام والتنمية، لذلك يجب العمل بجد على التوعية المجتمعية بأهمية دور المرأة في المجتمع على كافة الأصعدة، وتفتيت قوالب العادات التي تسيء إلى دور المرأة.
وتهتم عملية تمكين المرأة بصفة خاصة، بزيادة قدراتها، سواء على المستوى الفردي والشعور بأهمية الذات والحق في اتخاذ القرارات الشخصية، أو الوصول إلى الفرص والموارد، أو المشاركة في صنع القرارات على مستوى الأسرة، أو المشاركة في صنع القرار والتأثير على مستوى المجتمع والدولة والنظام العالمي. وتعمل وسائل تمكين المرأة عبر مستويات فردية وجماعية عدة، رسمية وغير رسمية، سواء فيما يتعلق بالارتقاء بالقدرات الفردية للمرأة، أو بتغيير الثقافة والعادات والإدراك المجتمعي، أو بتعديل القوانين والسياسات الرسمية(3).
سجّلت المرأة اليمنية حضورًا قويًّا لها في تركيبة المشهد في الساحة اليمنية خلال السنوات الأخيرة، قاهرة الكثير من الأعراف والتقاليد السائدة في مجتمعها اليمني، حيث شكّلت حلقة كبيرة من النضال لحقوقها وحقوق شعبها، في الفترة التي واجه فيها المجتمع اليمني عاصفة من التقلبات السلبية للنظام وغير المُرضية للشعب، من نقصٍ في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وتفاقم البطالة، وزيادة الأسعار، والفساد الإداري الحكومي في القطاع الخاص والعام؛ الأمر الذي جعل الشعب يضيق ذرعًا من الوضع السائد، وعقب ثورة تونس التي اندلعت عام 2011، المطالِبة بإسقاط النظام، اندلعت كذلك الثورة اليمنية المطالِبة بأسقاط الحكومة، حيث ولأول مرة، شاركت المرأة فيها بشكل مباشر وأساسي في ساحة المطالبة، وكانت تهتف بكل قوة بالتغيير السلمي، ورغم ما تعرضت له العديد من الصحفيات والناشطات السياسيات من تهديد وقمع، واصلن مسير المطالبة التي غيّرت كثيرًا في تاريخ المرأة اليمنية(4).
وعلى الرغم من مشاركة المرأة اليمنية في أحداث الربيع للعام 2011، ودورها الواضح فيها، فإن ذلك الدور ما لبث أن تراجع منذ اندلاع النزاع في مارس عام 2015، وأصبح دورها يكاد أن يكون ملحوظًا في مفاوضات السلام. هذا الانكفاء في المشاركة يعود للعديد من التحديات التي تواجه المرأة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ حيث إن تزايد الصراع الداخلي والخارجي أدّى إلى تغييب ملفات المرأة ووضعها جانبًا لتحقيق ملفات أخرى تعد أهم من رؤية صانعي القرار أو الأجندات المختلفة المتدخلة.
استنتاجات البحث:
التوصيات:
الهوامش:
المراجع:
المراجع الأجنبية: