اليمنيات بين سهام الحوثيين ومتطرفي "الشرعية"

ثورة ضد إمامي الهوية وعُدينيي التوجه
د. نهى الكازمي
September 30, 2024

اليمنيات بين سهام الحوثيين ومتطرفي "الشرعية"

ثورة ضد إمامي الهوية وعُدينيي التوجه
د. نهى الكازمي
September 30, 2024
صور لطالبات يمنيات في مدرسة نعمة رسام بتعز يحتفلن بذكرى ثورة 26 سبتمبر - الصورة لنائف الوافي

الاحتفال بثورة 26 سبتمبر يبدو جاثومًا يقض مضجع الحوثيين، والمتطرفين المحسوبين على الشرعية، الذين يلتقون مع الفكر الحوثي عندما يكون المستهدف امرأة. منذ نهاية العام الماضي وخلال هذا العام تبجح الحوثيون بضرباتهم في البحر الأحمر، ومحاربتهم للدول الاستعمارية، انتصارًا للقضية الفلسطينية. قدّموا أنفسهم أُنموذجًا للدولة القومية في ثوبها العربي.

مواطنون يحتفلون بذكرى سبتمبر - تعز

   

 إلا أن هذا الاحتفاء بتصدر صورة البطل العربي المُخلص لم يؤتِ أُكله في الداخل اليمني. فلم ينجح الحوثيون في صبغ جوهر الهوية اليمنية باللون الأخضر في المولد النبوي الشريف، الذي من خلاله استماتوا في شرعنة انقلابهم، لا سيما وأنه سبق 21 سبتمبر، تاريخ انقلابهم على الجمهورية اليمنية. بقيت تلك الصور  والفيديوهات لمصادرتهم الأعلام اليمنيّة من المحتفلين في الشوارع، ومنع تجمهم في سبتمبر من العام الماضي، متداولة على وسائل التواصل الإعلامي.

لم تستطع الجماعة، من خلال الخطاب الذي تم إلقائه في 26 سبتمبر من قِبَل زعيمها، تقديم أنفسهم حكامًا يشرعنون انقلابهم في اليمن، حيث يستمرون في ممارسة الانتهاكات من قتل، واختطاف، وإذلال، وتعذيب...إلخ، في حق الشعب اليمني.

يُلوّح العديني بهذا الكلام، لتأجيج الرأي العام على الاحتفالات التي أُقيمت في مدارس البنات في مدينة تعز للاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر. فقد أغاضته ومن على شاكلته المشاركةُ الواسعة للطالبات اليمنيات في مدارس تعز. وليست مدرسة نعمة رسام وحدها من قدمت لوحات فنية احتفاء بـ 26سبتمبر. فهناك عدد من المدارس، أيضًا، عبّرت عن المشاركة الحقيقة للفتاة اليمنية، لرفض الإمامة وفرض وصايتها على الناس.

اكتفى الحوثيون، و 26 سبتمبر يقترب، بصبغ أتباعهم، ومعالم المدينة، باللون الأخضر. واعتقلوا كل من نشر صورًا وفيديوهات أو منشورات عن ثورة 26 سبتمبر. لم يحتملوا منظر الأعلام اليمنية وهي تُرفرف في المدينة، فعمدوا لرفعها على أطقمهم العسكرية، وهي لغة المدنية الوحيدة التي يعرفونها.

احتفاء الحوثيين بالمولد النبوي - صنعاء

سبتمبر وإمامي الهوية، وعُدينيي التوجه

 ما إن بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تضج بإحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر حتى بدأ الصوت الكهنوتي ينفث سمومه في وجه المرأة اليمنية، وعدَّها وسيلة لتمرير خطابه التهديدي للمحتفلين بإحياء ثورة 26 سبتمبر، مستخدمًا أتباعه على وسائل التواصل الاجتماعي للنيل من اليمنيات. انتشرت صور وفيديوهات حملت من البذاءة ما لم ينطقه يمني في حق المرأة اليمنيّة التي طالما كانت محمية بالأعراف والتقاليد والدين. المنشد الحوثي، عدي السفياني، نشر مقطعًا مصورًا استهزأ به بالمرأة اليمنية، وبالمحتفلين بالثورة اليمنية. هاجم رواد مواقع التواصل الفيديو الذي نشره، ما اضطر الأخيرَ إلى التبرير وقفل التعليقات على المنشور، لا سيما بعد أن أطلق عليه المعلقون لقب (دوشان.) لم يكن عدي وحده من أُوكِل بهذه المهمة، فقد شاركه في إهانة المرأة اليمنية العديد من أتباع الحوثيين من ممثلين ومنتجين ويوتيوبرز، وعمدوا جميعهم إلى حرف مسار الاحتفال بعيد الثورة. لقد تحول إلى موجة موجهة ضد المرأة اليمنية، معللين ذلك بأن الثورة قام بها الرجال، وهو ما قاله أحمد الجيشي الذي تحجج بأنه لم يقصد ما فُهم من كلامه. فيما استرسل أحمد حجر في حديثه عن الثورة في ميدان السبعين، وعن مشاركة النساء في الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، وأكد أن (جنة النساء منازلهن،) فيما نشر البعض أن سمعة الاحتفال بـ  26 سبتمبر شوهتها المرأة اليمنية منذ العام الماضي. 

ليس الحوثي وجماعته وحدهم من هاجموا المُحتفلين بثورة 26 سبتمبر، بل شاركتهم في ذلك ثُلّة من الإماميين المبطنين. ونقول مبطنين لأن ممثلي الأحزاب الدينية والشيوخ استيقظت فيهم المروءة فجأة، وصاحوا من على منابر المساجد منكرين مشاركة المرأة في الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، وحوّلوها إلى استعراض بالطالبات والنساء في الميادين والساحات. لكننا لم نسمع لهم صوتًا معترضًا عندما خرجت الزينبيات يحتفلن بعيد المولد النبوي، وختمن احتفالهن بالعراك الجماعي بالعصي، وتصوير كل ما حدث ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يُثر الأمر غيرتهم. لم تتحرك صفحاتهم، وتتهم المشاركات بالاحتفال السبتمبري بأن الأمر مدسوس، وفيه منظمات وتوجهات خارجية، لاستعراض النساء! فمادام الحوثي قابلًا بخروج "الزينبيات" وموجهًا لهن، فجميع الإماميين المبطنين فعّلوا وضع الصامت- كما يُقال بالعامية.

من أبرز هؤلاء عضو مجلس النواب عن حزب التجمع اليمني للإصلاح عبد الله أحمد العديني الذي سخَّر صفحته طوال الأيام الماضية للتعريض بالمشاركات بالاحتفال بالثورة وذويهم بشكل جماعي، إما بمنشوراته أو بمشاركته لمنشورات تُسيء للمرأة اليمنية. 

يلوح العديني بهذا الكلام لتأجيج الرأي العام على الاحتفالات التي أُقيمت في مدارس البنات في مدينة تعز للاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر. فقد أغاضته ومن على شاكلته المشاركةُ الواسعة للطالبات اليمنيات في مدارس تعز، وليست مدرسة نعمة رسام وحدها من قدمت لوحات فنية احتفاء بـ 26 من سبتمبر. فهناك أيضا عدد من المدارس، منها مدرسة علي أحمد باكثير للبنين، ومدرسة زيد الموشكي، وغيرها من المدارس. وكان أبرزها احتفالات مدرسة الشهيدة نعمة أحمد رسام التي عبَّرت عن المشاركة الحقيقة للفتاة اليمنية، لرفض الإمامة وفرض وصايتها على الناس. 

فرقة كشافة لطالبات مدرسة نعمة رسام - تعز - الصورة لنائف الوافي

هذا بالضبط ما يخاف منه عُدينيو التوجه. مبدأ الوصاية بشكل عام، لا سيما على المرأة، هو محور سيطرتهم الرئيس الذي لن يسمحوا لزمامه أن يفلت من بين أيديهم. 

شكَّلت مدرسة الشهيدة نعمة أحمد رسام واجهة حقيقية ومشرقة لجيل مؤمن بالثورة على الإمامة، الأمر الذي لم يُعجب العديني وأتباعه، فوجهوا سهامهم صوب مدراس البنات التي نُشرت احتفالاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، متهمينها بأنها ممولة من منظمات خارجية. وقد طالب العديني، في السياق نفسه، بحصته التوعوية في هذه المدارس. 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن العديني حاول تصوير مدارس البنات التي احتفت بـ 26 سبتمبر بأنها تُنفذ أجندات خارجية.

وتبعت هذه المنشورات موجة من التعليقات المسيئة لفتيات ونساء اليمن. وكل من يُحاول الدفاع عن هذه الاحتفالات يتهم ويُعرض بأسرته، ما يُعد شاذًا عن القيم الثقافية اليمنية التي شوهتها الحرب التي أتت على كل شيء جميل في هذا البلد.

الفصام الأيديولوجي وصورة المرأة المنقوصة 

 غالبًا ما يكون موقف المتشددين من المرأة متسمًا بالحدة والانتقاص. فالمرأة في نظرهم كائن ناقص الأهلية، تحتاج إلى الحماية، وإلا سيفلت عيارها، في اتهام صريح لكل النساء اللواتي اغترب أزواجهن، أو ترملن مُبكرًا، أو مات مُعيلهن، بأنهن على طريق الانحراف، وربما هن لقمة سائغة للرجال، وهو اتهام صريح للرجال اليمنيين ونظرتهم القاصرة للمرأة من غير ولي. 

في المقابل يغض هؤلاء الطرف، ويصمتون، أمام انتهاك سلطة الحوثيين للأعراف اليمنية، والقيم الدينية، التي كرّمت المرأة. فلم نرَ في صفحاتهم تضامنًا مع أي من المخفيات اللواتي قام الحوثي بالقبض عليهن بتهم مختلفة، أبرزها التخابر مع دولة أجنبية، كسارة فائق، المدير التنفيذي لائتلاف السلام، وسميرة بلح، منسقة الأمم المتحدة في محافظة الحديدة، ورباب المضواحي، رئيسة قسم المعلومات في المعهد الديمقراطي الأمريكي، وغيرهن. وأخيرًا خطف الحوثيون الإعلامية سحر الخولاني على خلفية تسجيلها فيديوهات انتقدت فيها فساد سلطة الحوثيين في قطاع التعليم. هُناك عدد لا يستهان به من النساء المخفيات في سجون الحوثي لم يتحدث عنهن المتشددون من الجماعات الدينيّة، كما لم تدلي القبيلة بدلوها وتدافع عن النساء. فعبير الخولاني لم تُحرك القبائل اليمنية، كما لم يتشجع الناشطون للدفاع عنها. لم تكن ضمن الترند اليمني، ولم تستطع مظلوميتها أن تُنافس ترند أُغنية العربي المطالبة بدينه من بيت العرومي.

إزاء الأحداث المتسارعة في الوطن العربي، وتوسع رقعة الحرب لتشمل لبنان، يدرك الحوثيون اليوم أن رصيدهم من الهتافات والزوامل انحصر بين أتباعهم. لم يعد يعني الداخل اليمني تسويق الوهم وافتعال الانشغال بالدفاع عن هم الأمة العربية. فالفساد المستشري والظلم الواقع على الناس لا يغطيهما الاحتشاد في شارع السبعين ورسم صورة البطل القومي.

لكن عندما يكون الموجه غير الحوثيين والمرأة ليست "زينيبية" ينبري هؤلاء مهاجمين الفتيات والنساء اليمنيات، ويقذفونهن بأبشع الألفاظ، ويسخرون من ذويهن، فيما يتشدق رواد مواقع التواصل الاجتماعي المعارضون بالعيب والحرام والقبيلة والأعراف ضد أي حضور للفتيات والنساء في أي فعاليّة أو مظاهرة أو صوت معارض. هن السبتمبريات وحدهن من واجهن موجة الانتقادات الأخيرة التي حفلت بها وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن.

في مواجهة موجة التشويه للمحتفلين 

 في مواجهة خطاب التشويه الذي حاول النيل من المرأة اليمنية، دافع المؤيدون للاحتفال بثورة 26 سبتمبر عن المرأة اليمنية، وشنوا حملة من البلاغات على الحسابات التي عمدت إلى الإساءة إلى ثورة 26 سبتمبر، والنساء اليمنيات. فقد طالب المهندس والاستشاري الرقمي فهمي الباحث بتوثيق الحسابات التي تهجمت على اليمنيين واليمنيات وثورة 26 سبتمبر، وذلك من خلال الاستمارة التي نشرها في حسابه على الفيسبوك، كما أكد أنه تم (إزالة مجموعة من المنشورات التي دعت إلى العنف والقذف والسب والشتم من مختلف الحسابات...) ونشر الناشط في الحقوق الرقمية مختار عبد المعز تأكيدًا على خلو الاحتفالات في تعز من أي مظهر مخل بالآداب العامة المتعارف عليها في اليمن. (شوفوا كم خرجوا احتفلوا بتعز؟ هل سمعتوا أنه صارت مشاكل أو صياعة؟ أو تعدي أو هتك عرض؟ بالطبع ماحد سمع أبدًا لأن اللي يخرجون يختلقون مشاكل بصنعاء ويشوهوا بالاحتفالات هن الدسس تبعهم.. واللي يخرجوا يصوروهم فيديو وهم يرقموا هم تبعهم.. احنا بعصر التكنولوجيا ماتحتاجش تاخذ رقم بنت من الشارع.. حاولوا تجددوا افكاركم وأخرجوا من عباية المدرسة القديمة..)

انتهى الاحتفال بذكرى 26 سبتمبر بمنع الحوثيين الناس من الاحتفال في الشوارع والأزقة. حاصروا المدينة بأطقمهم وعسسهم. بقي ميدان السبعين محاصرًا بأطقم الحوثيين. أقاموا احتفالًا شكليًا محصورًا بأتباعهم المُقربين المطليين بالأخضر.

إزاء الأحداث المُتسارعة في الوطن العربي وتوسع رقعة الحرب لتشمل لبنان، يدرك الحوثيون اليوم أن رصيدهم من الهتافات والزوامل انحصر بين أتباعهم. لم يعد يعني الداخل اليمني تسويق الوهم وافتعال الانشغال بالدفاع عن هم الأمة العربية. فالفساد المستشري والظلم الواقع على الناس لا يغطيهما الاحتشاد في شارع السبعين ورسم صورة البطل القومي.

صادف تاريخ 26 سبتمبر من هذا العام استدعاءات لدلالاته من العام الماضي، وخروج الناس للاحتفاء به. بالإضافة إلى ما يدور اليوم من استهداف لقيادات حزب الله، ينتظر الحوثيون نصيبهم من ضربات العدو الإسرائيلي، خاصة بعد أن تخلّت الجمهورية الإيرانية عنهم. يُدرك الحوثيون أنهم بيدق من بيادق عديدة على لوحة الشطرنج التي تلعبها إيران مع أمريكا.

يستشعر الحوثيون أن دورهم قادم، فدفعوا بقواتهم إلى الشارع متوجسين خيفة من أن تكون ذكرى الاحتفاء بثورة 26 سبتمبر شرارة لانطلاق ثورة ضدهم، لأسباب لا تخفى على أحد. فقد انتهك الحوثيون كل قوانين الدولة المدنية، وتجاوزوا أعراف القبيلة. اعتقلوا وأعدموا كل من اختلف معهم، ومنذ أسابيع يشن الحوثيون اعتقالات واسعة لناشطيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن مختلف المحافظات. هؤلاء الناشطون مشهود لهم بتوجهاتهم السبتمبرية، وهو ما لم يعجب جماعة الحوثي، فزجوا بهم في المعتقلات.

واكتفى الحوثيون بإيقاد شعلة خجولة. حضر في ميدان السبعين الصميل الإمامي المطلي بعلم الجمهورية اليمنية، لقمع أي محتفل بذكرى ثورة 26 سبتمبر. وتحول الصميل إلى شعار تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أتباع الحوثيين، باعتباره رمزًا للتهديد والوعيد لكل من يفكر بالاحتفال بثورة 26 سبتمبر.

مسلحون موالون للحوثيين يترصدون المحتفلين بذكرى سبتمبر-صنعاء

ستبقى ثورة 26 سبتمبر تُحاصر أنصار الفكر الإمامي، وتطمس يومهم اليتيم في 21 سبتمبر. سيطاردهم صميلهم، وعيونهم تترقب السماء.

احتفال مواطني تعز بذكرى ثورة 26 سبتمبر

•••
د. نهى الكازمي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English