خرجت إحدى النساء للتنزه مع زوجها في ضواحي صنعاء بسيارتهما الخاصة، وتم إيقافهما في نقاط الحراسة والتفتيش، وعلى الفور توجه العسكري بالحديث إلى الزوج، قائلًا: "ما تقرب لك هذه؟"، مشيرًا إليها بدونية وكأنها كائن بلا هوية، فرد عليه فورًا: "إنها زوجتي"، لكنه لم يقتنع بالأمر حين وجد المرأة تجلس إلى جوار زوجها ووجهها سافر، فقال مستنكرًا: "ما الذي يؤكد أنها زوجتك؟"، مضيفًا بلهجة صارمة: "أين عقد الزواج؟"، من حسن حظ الزوج أن عقد الزواج كان معه في حقيبته الشخصية، لأنه بموجب العقد، استخرج في صباح ذات اليوم البطاقة العائلية. نظر العسكري للعقد، حرّكه في كل الاتجاهات وقلّبه وأرجعه للزوج، ثم أشار له بالانطلاق دون أن يقرأه، ويبدو أنه لا يجيد القراءة أصلًا!
الغريب في الأمر أنّ عقد الزواج في اليمن لا تُوثّق فيه صور الزوج والزوجة، وإن تم افتراضًا توثيق صورة الزوجة في العقد -وهو ما لم يحدث مطلقًا- فستغطى الصورة بلاصق، والعسكري هنا لم يعرف على وجه الدقة هل هي فعلًا زوجته أم لا، فالاسم بدون صورة لا يدل على شيء.
وإذا ما استطلعنا واقع هوية المرأة اليمنية، فسنجد أكثر النساء في الأرياف والأميَّات والكثير من ربات البيوت لا يمتلكن هويات شخصية كالبطاقة الشخصية، وعندما يضطر الزوج لاستخراج جواز سفر لزوجته لغرض العلاج أو السفر معه، فإنه قد يفكر باستخراج بطاقة شخصية لزوجته، ويكتفي بالبطاقة العائلية.
فالكثير من الأزواج أو الآباء أو الإخوة، يرون أنه لا ضرورة لامتلاك المرأة بطاقة هوية شخصية، فهي في نظرهم تابعة، وبإمكانهم أن يقوموا بأي شيء يخصها نيابةً عنها.
وإذا ما اضطر لسبب أو لآخر لاستخراج بطاقة شخصية للمرأة، فعادةً ما يُغطى وجه المرأة بأي شي حتى لا يراها الرجال بحكم أنها منقّبة، وكثيرات من طالبات الجامعة أيضًا يغطين صورهن بملصقات ورود أو ما شابه ذلك، حتى لا يراها أحد. وقد حدث أن اختبرت طالبات بدلًا عن أخريات في أكثر من مرة، وقد تكتشف واحدة بالمصادفة المحضة، وتمضي بقية الحالات.
المشكلة تصبح أكثر تعقيدًا أمام الصحفية والإعلامية التي تودّ التحرك للعمل بحرية وإنجاز مهماتها الصحفية سواء بالسفر إلى المحافظات أو داخل المحافظة نفسها، فلا يُعترف بهويتها، ويطالبونها بالمَحْرم.
ولعل ما يحدث في طرق السفر بين المحافظات، لَخيرُ دليل على أن هُوية المرأة الشخصية، وإن كانت تمتلكها، لا يعيرونها في نقاط التفتيش أي أهمية، وكأن لا وجود وكيان لها، فهي مجرد تابعة لمن سافرت معه.
وحين يريدون أن يتحققوا من المَحْرم المرافق للمرأة، يسألون الرجال الذين في الحافلة، ويحدث أحيانًا أن بعض النساء يسافرن بدون محارم من الأصل لعدم وجودهم في اليمن، وأحيانًا تكون من دون إخوة، وولدها متوفَّى وهي غير متزوجة أو كبيرة في السن؛ ولذلك كثيرًا ما يتم التحايل في البحث عن محرم يحل المشكلة، فقد تضطر بعض النساء إلى الادعاء أن رجلًا من الذين في الحافلة خالها أو ابن أختها أو ما شابه ذلك، كي تتمكن من السفر دون قيود وتصل إلى قريتها أو مدينتها بسلام.
فكثيرًا ما تنعت المرأة، سواء في مجال العمل أو في المجال العام أو في الحافلة، بألقاب لا تحدد هويتها بصفتها مواطنة لها وجود وهوية اجتماعية؛ فهي إما كريمة (أخت)، أو خالة أو عمة أو جدة أو "حَجّة" إذا كانت كبيرة بالسن، وإن كان لها لقب علمي أو عملي. فقد تمتلك المرأة هُوية شخصية وجواز سفر، ولكن وجودهما كعدمه؛ لأنه لا يحق لها عرفًا وتقليدًا أن تتصرف بوصفها شخصية وكيانًا مستقلًّا بذاته، وإن كانت في عمرٍ متقدم، فما زالت المضايقات والعراقيل تعترضها وكأنها فاقدة للأهلية.
رغم أنّ القوانين اليمنية والدستور، تعترف بالمرأة كائنًا مستقلًّا، ومواطنةً لها حقوق وواجبات، مثلها مثل الرجل في مختلف مجالات الحياة.
والمشكلة تصبح أكثر تعقيدًا أمام المرأة الصحفية والإعلامية التي تود التحرك للعمل بحرية وإنجاز مهماتها الصحفية، سواء بالسفر إلى المحافظات أو داخل المحافظة نفسها، فلا يُعترف بهويتها الصحفية، ويطالبونها بالمحرم، هذا إن تجرأت أصلًا وأعلنت طبيعة عملها.
فلا تعد هويتها الشخصية والصحفية شيئًا لدى من يحاصرونها وينظرون إلى عملها الصحفي بأنه عمل لا أخلاقي، وغير مناسب للمرأة.
فكيف يمكننا إعادة الهُوية للمرأة اليمنية، وخاصة العاملة، سواء صحفية أو مهندسة أو محامية أو طبيبة أو أستاذة في المدرسة أو الجامعة أو عاملة في المجال الإداري ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها من المجالات؟
أين اتحاد نساء اليمن والمنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان وحقوق المرأة في الأساس؟ فلا يكفي أن نوثق كل الخروقات والممارسات التعسفية ضد المرأة ومحاولة طمس هويتها ووجودها الاجتماعي وإعادتها إلى عصر الحريم.
نحن بحاجة للتوعية المجتمعية، للرجال والنساء، بأحقية المرأة في إثبات ذاتها وهويتها بصفتها مواطنة كاملة الأهلية، وتمكينها من المشاركة المجتمعية في مختلف المجالات.
كما أنّ العبء الأكبر يقع على المرأة المتعلمة والمثقفة ذاتها في فرض نفسها، والمحافظة على ما اكتسبته من حقوق، فالحقوق والحريات لا توهب، ولكنها تُنتزع بالقوة، والقوة هنا هي التسلح بالعلم والثقافة والثقة بالنفس، والقدرة على معرفة كيفية التعامل مع هذا الواقع المتخلف عن سياق العصر.